ها هو أردوغان، يتنقل بين رئاسة الوزراء ورئاسة الدولة، كما يتنقل الواحد منا بين الصباحية والمنقف، لا يَعوقُه إلا “دوّار”، الأولوية فيه للقادم من اليسار.
ومن أردوغان نطل من الشرفة على حوش الأتراك، فنرى ما لديهم… وكنت في العسكرية المصرية، حيث لا كلمة تعلو على كلمة الأتراك “تمام أفندم”، وحيث كتب السعدني روايته “تمام يا أفندم”، وحيث تنتشر الكلمات “العصملية”، أو العثمانية… فهذه أجزخانة، وهذا صول، وأخوه باشكاتب، وذاك بيه، وذياك باشا، وهذه أبلة تتناول بوظة في الحرملك، دخل عليها عكروت (صفة بذيئة صارت تستخدم للتحبب)، معه صديقه الفنجري، يرتدي “قايش” وفي يده كرباج، في غفلة من النبطشي، ووو… كلها مفردات تركية.
وتعصملت اللهجة المصرية، وعصملتنا معها في الخليج، في بعض المفردات، وأشهرها “طظ”، وقراقوز، التي تداولها المصريون بلهجتهم وحولوها إلى “أراجوز”، فأخذناها منهم بعد تمصيرها.
وكما أعطانا الأتراك مفرداتهم، فقد أخذوا مفردات عربية بالمقابل… ليس بدءاً بـ”زوجة” و”شاعر” و”منجم”، ولا انتهاء بـ”أجداد” و”باطل” و”أدب”، ووو…
وكان للأتراك شنة ورنة في سنين غابرة، أمسكوا بكوكب الأرض بين أصابعهم، وراحوا يديرونه ويغيرون خرائطه، عندما كان مفتي البلاط بحجم “آق شمس الدين”، والسلطان بحجم محمد الثاني (محمد الفاتح)، الذي قيل له: هل فتح القسطنطينية هو أعظم هدية تلقيتها من الله؟ قال: لا، أعظم هدية أنني “تأدبت” على يدي شيخي آق شمس الدين وعاصرته (كان السلطان يقبل رأس شيخه وهو جالس).
يقول الفاتح هذا، وهو يعلم أن المسلمين كانوا يستميتون لفتح القسطنطينية، وسُجلت أولى المحاولات لمعاوية بن أبي سفيان، وتعددت المحاولات، إلى أن أوقفها عمر بن عبدالعزيز، الخليفة الخامس، حفاظاً على جيوش المسلمين وعلى بقاء دولة الإسلام، وتكررت في العصور اللاحقة، وحاول أجداد الفاتح ففشلوا، ونجح هو.
وطاولت الدولة العثمانية السماء، ثم تهاوت إلى أن باتت “السلطنة الأكثر فساداً في العالم”، وتنهاشتها الدول، فانقلب أتاتورك على الخلافة العثمانية، وتنازل عن كل شبر خارج تركيا، وقاتل لتحرير كل شبر تركي، فتحقق له ما أراد، وبنى دولة علمانية، نافست الدول العظمى، وفاز اليوم برئاستها رجل بخلفية دينية.