عودة إلى الكتابة بعد الإجازة، وهي إجازة مغضوب عليها وملعونة، ومقالة طويلة مجنونة.
وغادرت الكويت، وكي أرتاح، أعلنت القطيعة للأخبار وللقوافل التي تنقلها، لكن عقب نحو أربعة أيام، حُبس مسلم البراك، فهاجت الدنيا وماجت، فخرج بكفالة، فحُبس بعض المحتجين، ثم جاءت الطامة، فسُحبت “جناسي” النائب السابق عبدالله البرغش وبعض أقربائه، ورئيس مجلس إدارة قناة اليوم (التي أقدّم فيها برنامجي التلفزيوني) أحمد جبر الشمري وأبنائه، وسُحب ترخيص القناة، وبدأ التحريض على جنسيتي و”جناسي” بعض المعارضين، ووو… فصرت أنتظر القوافل عند آبار المياه، بحثاً عن آخر الأخبار.
كنت وقتذاك في الأرجنتين، واكتشفت أنني هارب ومختبئ في لندن، وفق الأخبار المتداولة، وعرفت أنني خنت المعارضة، بمقابل أربعة ملايين دينار وشقة وسيارة فارهة، وقيل بل فاخرة. وتذكرت أن قدمي لم تطأ لندن منذ فتح القسطنطينية، وتحديداً منذ اثنتي عشرة سنة.
ولو أنهم أعطوني أربعة ملايين دينار، لما اكتفيت بخيانة المعارضة وبيعها، كنت وشيت بولدي سعود (ست سنوات)، وأبلغت السلطات عن تعاونه مع “داعش” و”الغربان السود”.
وفي الأرجنتين، كنت وصاحبي ملكين متوجين، فنحن “فأل حسن” على الأرجنتين، بحسب كلامهم، إذ لم يسبق لمنتخبهم الوطني أن تجاوز الأدوار الأولى في نهائيات كأس العالم منذ عشرين سنة. لكن الطامة كانت في المباراة النهائية، عندما حوصر المقهى الذي كنت فيه (بقي صاحبي في الفندق) بالسكارى والمجانين الغاضبين لمنعهم من الدخول ومشاهدة المباراة في شاشات المقهى، بسبب امتلائه عن آخره.. وشعرت بالاختناق لشدة الزحام، وأردت الخروج، فرفض مدير المقهى خوفاً من تدافع السكارى الموتورين الواقفين في الخارج بلا قمصان، في عز البرد القارس.
وبدأت المباراة، ودقت ساعة الجنون، ووضع الشيطان يده على قلبه وتمتم “اللهم سلّم سلّم”، ووضعت أصابعي في أذنيّ لشدة الصراخ والخناق والبكاء على كل هجمة ضائعة.. كانت ليلة مجنونة.. وهُزمت الأرجنتين يا صاحبي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وخرجت من المقهى بعد أن سمحت لنا القوات الخاصة بالخروج.. ووجدت نفسي بين القوات الخاصة من جهة، والسكارى الموتورين الغاضبين من الجهة الأخرى! وكانت ساعتان من أكثر ساعات حياتي عتهاً وجنوناً، فمن هنا قنابل صوتية ومسيلة للدموع، ومن هناك زجاجات فارغة وحصى وقطع حديد، ولم أنجُ إلا بعد أن اقتربت من الشرطة، رافعاً يديّ ومكرراً: “iam from dubai .. ماراذونا ماراذونا” – لا يعرفون الكويت، هم يعرفون دبي التي يدرّب فيها مارادونا، أو ماراذونا كما يسمونه، فريقاً لكرة القدم، ويعرفون “قطر ايرويز” الشعار الذي يحمله فريق برشلونة ونجمه ميسي، أما الكويت فهي خارج نطاق جماجمهم الكريمة – وتلقفني ثلاثة من الشرطة بصرخات مساوية لصرخاتي ومضادة لها في الاتجاه.. وبعد لأيٍ شديد نجوت، أو “زمطت” كما يقول اللبنانيون.
وما إن وصلت إلى الشارع الآخر حتى قابلني مئات من السكارى هاربين من الشرطة التي تطاردهم، فرفعت شعار “اشرد يبو سلمان”، وشرد أبوسلمان مع السكارى الغاضبين الهاربين، وفتحت ساقي الطويلتين على أقصاهما، ونثرت ما في جعبتي من شتائم على ميسي الذي أضاع الهجمة، ولعنت جنوني الذي جاء بي إلى الأرجنتين.. وفجأة.. ظهرت مجموعة من القوات الخاصة من الجهة المقابلة، فرحت أغني: “يا حلاوة الحب آه، وحبيبي وأنا وياه”، فهرب السكارى حفظهم الله، ودخلوا في أحد الشوارع الفرعية، فتوقفت وكررت صراخي: “دبي دبي.. ماراذونا ماراذونا”، فأمسكني العساكر من يدي، وراحوا يصرخون، فأرد عليهم بصراخ واستغاثة، إلى أن فهموا القصة، وأطلقوا سراحي، فوصلت إلى الفندق، ورحت أقبّل كل من هو أمامي، ووجدت النزلاء مجتمعين حول شاشة الفندق يتابعون آخر أخبار “الحرائق والتكسير والإصابات التي عمت الأرجنتين”، فاتصلت بخدمة النزلاء: “ألو معك سنيور آل أخمي – أي السيد العجمي – احجز لنا طائرة إلى البرازيل يرحم أمك”!