سامي النصف

التعريف الغريب للنصر العربي!

كانت هزيمة حرب السويس عام 1956 هي بداية التعاريف الكوارثية للنصر العربي الذي يجعلنا لا نتعلم من هزائمنا، ومن ثم حتما تكرارها فقد كتب الأستاذ هيكل آنذاك ان الانتصار في الحرب قام على معطى انها قامت على جائزة هي الاستحواذ على قناة السويس وبما انها بقيت في يد عبدالناصر فهو المنتصر، ما لم يقله هيكل ان حرب 56 كانت هزيمة ماحقة بامتياز، فقد نتج عنها فتح مضائق تيران لإسرائيل كي توسع علاقاتها وتجارتها مع دول آسيا وأفريقيا، كما قامت مصر عام 57 بتعويض حملة اسهم شركة قناة السويس بمبالغ خيالية وكان بإمكان مصر ان تشتريها من بورصتي لندن وباريس بأبخس الثمن بسبب محدودية أرباح الشركة، كما أسقطت تلك الحرب أحد أكبر أصدقاء العرب والمتحدث بلغتهم والذي أعطاهم عام 1942 وعدا بتحقيق وحدتهم مطابقا لوعد بلفور وهو وزير الخارجية البريطاني أنتوني ايدن، اما بقاء القناة بيد مصر فلم يدع احد في تلك الحرب انه ينوي نقلها منها الى مكان آخر وهل يرضى احد تأميم متاجر هارودز بعد تملك المصري الفايد لها بحجة انها بنيت على ارض انجليزية بأيد انجليزية؟! يا لها من حجة ساقطة!

***

وتلت تلك الحرب سلسلة من الانتصارات الكاذبة والوهمية التي يقوم صلبها على ان نضع نحن لأهم هدف ندعيه للحرب وبما انه لم يتحقق حسب معطانا لذا نعتبر أنفسنا المنتصرين وهم المهزومين، فحرب 67 التي دمرت بها الطائرات المصرية على الأرض في نسخة طبق الأصل مما حدث عام 56، قررنا ان سببها هو إسقاط نظامي الحكم في القاهرة ودمشق وبما ان النظامين صمدا وبقيا بعد الحرب فذلك انتصار باهر للعرب، وتكرر الأمر في انتصارات حرب الاستنزاف 67 ـ 70 التي اضطر بسببها ناصر لسحب تعهده بلاءات قمة الخرطوم الثلاثة وقبل بمبادرة روجرز للسلام، ومثل انتصار عرفات الباهر على اسرائيل في حرب بيروت عام 82 وخروجه منها مكللا بالغار الى تونس.

***

وأعلن صدام انتصاره الباهر في حرب تحرير الكويت عام 91 وأسماها ام المعارك الخالدة وطبل لها من طبل، لذا تكررت الحافر بالحافر عام 2003 على تخوم بغداد، وكرت السبحة في الحروب اللاحقة مع اسرائيل فجميعها انتصارات باهرة على اسرائيل رغم ان الطرف العربي هو من ينجلي غبار معاركها وهو المجندل او المقتول او المأسور ومدمر المباني والأنفس.

***
وسيعلن الانتصار الباهر قريبا اذا لم يكن قد أعلن مع اللحظة الأولى لتوقف الحرب الحالية لغزة كي تمهد الأرض لانتصار مستقبلي قادم خلال اعوام قليلة، واي انتصار هذا وقد دمرت مبانينا لا مبانيهم وسفكت دماؤنا لا دماؤهم (ألف مقابل ثلاثين) وتيتم أبناؤنا لا أبناؤهم، وحوصرت أرضنا لا أرضهم، وعاش أهلنا في المخيمات بعد تدمير منازلهم بينما ينعم أهاليهم بالبيوت الدافئة العامرة، ويبقى أطفالنا في الشوارع بينما يتلقى أطفالهم العلم في مدارسهم بأجل صوره ضمن صراع حضاري طويل المدى كما ندعي، اذا كان هذا حال انتصاراتنا فما هو حال هزائمنا إذن؟!

***

آخر محطة: (1) خسائر إسرائيل بالسمعة وانقلاب بعض الإعلام الغربي عليهم هو كسب مؤقت قصير المدى سينساه العالم بسرعة عندما تقوم جماعتنا ـ كالعادة ـ بأعمال إرهابية مروعة تجعل من قام بلوم إسرائيل يعود سريعا لتأييدها.
(2) أما خسائرنا كعرب في غزة فهي خسائر دائمة فالألف شهيد لن يعودوا الى الحياة وكل حالة إنسانية منهم ستبقى إشكالا دائما، فمن سيأتي بالرزق للأبناء؟ ومن سيبقيهم بالمدارس بدلا من البحث عن الرزق في الشوارع؟ ومن سيعيد بناء آلاف المنازل والمدارس التي هدمت مع انعدام وجود الأسمنت والحديد وغيرها من متطلبات البناء؟
(3) في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة 2008 أصدر لواء حرب حسام سويلم كتابا موسوعيا مختصا من 500 صفحة عن تلك الحرب وعن كيف بدأت وكيف انتهت، ومن يطلع عليه يجد ان ما يحدث اليوم هو صورة طبق الأصل مع ما حدث بالأمس وما سيحدث في الغد!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *