في مايو 1980 قدت الرحلة الخاصة التي أقلت ولي العهد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله في جولة الى بغداد وعمان ودمشق، وقد كانت هناك آمال كبار في حينها ان ينهي الرئيس الجديد صدام حسين ملف الحدود العالق بين البلدين، الا انه ترك العراق بشكل مفاجئ الى يوغوسلافيا للمشاركة في دفن الرئيس تيتو، وكان بإمكانه ان يبعث نائب رئيس الجمهورية طه محيي الدين معروف بدلا منه ولم يكن لديه شيء يعمله على الاطلاق، اتصل صدام من يوغوسلافيا طالبا تمديد زيارة الوفد الكويتي يوما واحدا حتى يلتقيه، وهو ما تم، وقد دعا الرئيس الضرورة الوفد الكويتي للعشاء في نادي الصيد والفروسية ليلة مغادرة الوفد صباح اليوم التالي الى الاردن!
***
وصلنا في سيارة السفارة الكويتية برفقة القنصل مبكرا للنادي، فقرر مرافقنا ان يرينا بعض المناطق المحيطة، وفي الطريق العام شاهدنا الفيلم الكويتي «بس يا بحر» يعرض على شاشة سينمائية ضخمة في حديقة السفارة الروسية، مما جعل السائق يخفف قليلا من سرعة السيارة، وخلال دقائق قليلة كانت عشرات السيارات الامنية تحيط بنا، وتوقفنا، حيث اكتشفنا ان على الجانب المقابل من الطريق يقع منزل امين عام حزب البعث ميشيل عفلق، وقد انتهى الامر بسلام بعد معرفة سبب وجودنا في المنطقة.
***
حضر صدام حفل عشاء نادي الصيد ثم جلس الوفدان وجلسنا نتابع حفلا غنائيا ساهرا تناوب فيه اشهر مطربي ومطربات العراق على إنشاد اغانيهم المعروفة، وتتخللها أغان تشيد بصدام الذي ما ان يذكر اسمه حتى يبادر رجال حراسته الجالسون في الخلف باطلاق صليات من الرصاص في الهواء بجنون، فمن يجرؤ على الا يطلق اذا ما اطلق الجالس بقربه، فيما بعد يقول لي احد رجال الحراسة الكويتية مازحا: لقد كان بالامكان ان نأخذ صدام ومن معه اسرى في تلك الليلة حين نفدت اسلحة حراسته من الرصاص وبقيت أسلحتنا معبأة.
***
كنا خلال ايام الزيارة نزور الاماكن المختلفة مع مرافقينا العراقيين واقوم بالتقاط الصور التذكارية بكاميرتي ومثلها التقاط صور الحفل، وقد اكتشفت لاحقا ان هناك من تسلل الى غرفتي واخرج الفيلم من الكاميرا، وفيما بعد قاموا بشيء اكثر تحضرا ويؤدي الى الشيء ذاته حيث زودوا قاعة المغادرة في مطار بغداد بمكائن اشعاعية، يطلب وضع الشنط والكاميرات خلالها وتتكفل بحرق الافلام.. اوتوماتيكيا!
***
آخر محطة: من قصص القتل بالاشعاع في عراق صدام، في العام 1975 اشرف الرئيس هواري بومدين على اتفاقية سلام وقعها صدام مع شاه ايران الذي كان في اوج قوته تنازل خلالها صدام عن نصف شط العرب، في السنوات اللاحقة بدأ عرش الشاه يهتز وندم صدام على توقيع تلك الاتفاقية، وبدلا من لوم ذاته قام بلوم عرابها الرئيس بومدين، لذا ما ان قام الاخير بزيارة بغداد صيف العام 1978 حتى عرض صدام غرفة نومه لاشعاعات قاتلة جعلته يشعر بالمرض فور مغادرته بغداد لدمشق، وقد توفي بومدين في ديسمبر 1978 بعد ان حار الاطباء في تشخيص المرض القاتل الذي اصاب دمه، وفيما بعد اعترف وزير الخارجية العراقي في تلك الحقبة حامد الجبوري بأن صدام هو من قتل بومدين!