في الثمانينيات دعا الرئيس القذافي الزعماء العرب إلى حضور احتفاليات الفاتح من سبتمبر وقد قدت الطائرة التي أقلت سمو ولي العهد الكويتي المشارك الشيخ سعد العبدالله رحمه الله، وما ان وصلنا حتى كان العقيد في الاستقبال وخلفه مظاهرة غوغائية صغيرة تسير أينما سار وتهتف باسمه كزعيم للأمة العربية (قبل أن يصبح ملك ملوك أفريقيا)، ثم استقل العقيد الفقيد وضيفه سيارة كاديلاك أميركية خضراء مصفحة، وفي المساء دعا القادة إلى احتفال في الساحة الخضراء ووصل إليهم بعد طول انتظار وهو يقود سيارة أوروبية خضراء صغيرة كدلالة على الزهد والتواضع وعدم الاهتمام بالمظاهر.
****
بعد أن أبقى القادة العرب وهم يستمعون لخطبه المطولة حتى ساعات الصباح الأولى ذكر لهم أنه سيقلهم في اليوم التالي فجرا إلى بنغازي لإكمال الاحتفالات هناك، بعد عودة الوفد إلى مقر إقامتهم دعوني وطلبوا مني التواجد مع طاقم الطائرة في المطار صباحا خوفا من ألا يوفر العقيد الفوضوي بالترتيب وصاحب الأعمال السوداء الشهيرة الطائرات لتقلهم إلى بنغازي وحينها سنتوجه مباشرة بالوفد الى الكويت، رجعت إلى الفندق الذي كان يعتبر الأفضل في ليبيا وكانت الحرارة تقارب الأربعين والرطوبة خانقة و.. التكييف لا يعمل!
****
وصلت اليوم التالي الى المطار مع الطاقم واتجهت للطائرة الليبية التي تقل الشيخ سعد رحمه الله وكان جالسا بالقرب منه أبوبكر يونس الرجل الثاني فعليا في ليبيا وذكرت لسموه أنني سأتوجه بالطائرة والطاقم للمبيت في تونس وسنحضر يوم المغادرة كما هو مقرر لنقل الوفد إلى الكويت كوننا لا نستطيع النوم بسبب الحرارة والرطوبة الشديدة مما يؤثر على سلامة الرحلة وقد وافق الشيخ سعد إلا أن يونس أعطاني ورقة طلب مني أن أعطيها لمرافقنا كي يقلنا للمكان الذي حدده وإذا لم يعجبنا الوضع فلنا أن نتجه إلى تونس.
****
أخذنا المرافق إلى منطقة الميناء المحظورة في طرابلس والذي تحيط به حراسة شديدة وأوصلنا إلى باخرة (كروز) شديدة الفخامة للإقامة بها وكان في وسطها مرقص ضخم وعلمت أنها مخصصة للقيادات الليبية كي تقلهم إلى مالطا وإيطاليا والتجول في جزر البحر الأبيض مع من يحبون، وكان إلى جانبها يخت أكبر منها وأكثر فخامة اسمه «هانيبال» ملك للقائد الذي وصل تحت الأضواء إلى الساحة الخضراء وهو يركب سيارة أوروبية شديدة التواضع.. وأمجاد يا عرب أمجاد!
****
آخر محطة: صباح اليوم التالي وبعد أن أخذنا كفايتنا من النوم في أجنحة الباخرة توجهنا إلى المطار وطلبنا غذاء وكراتين ماء لسد حاجة الوفد في طريق عودته للكويت في الرحلة التي تستغرق ما يقارب 5 ساعات، وصل الماء ولم يصل الغذاء وما ان أبلغت الشيخ سعد رحمه الله بذلك حتى طلب منا الإقلاع دون غذاء ما دام هناك ماء فلا نريد البقاء دقيقة واحدة في هذا المكان دون داع، حسب قوله، وهو ما تم وقد أخبرني مسؤول التموين في مطار طرابلس أن رحلة الرئيس حافظ الأسد المتجهة من طرابلس إلى هافانا في رحلة تقارب 11 ساعة قد أقلعت قبلنا كذلك بالماء فقط ولا أعلم ان كانوا قد رتبوا للتوقف في الطريق للتزود بالتموين، وقد كان هذا آخر احتفال للفاتح من سبتمبر يحضره قادة عرب في ليبيا الفوضى والمظاهر الخداعة الكاذبة.