إذا كانت دول الخليج ماضية بشكل حقيقي في معالجة مشكلة تدهور مستويات الإنتاج وتدني الأداء، فعليها أن تعيد النظر في التعيينات القائمة على معايير الولاء للعائلة أو للقبيلة، أو لدرجة القرب من أصحاب النفوذ… هذه ليست تعيينات، وإنما جوائز ترضية لا طائل من ورائها.
حتى جوائز الترضية، وإن كانت في الغالب، تُمنح لأطراف أو أشخاص أو مشاركين أو متنافسين تقديراً لأداء متميز، لكنه لم يصل إلى درجة التحكيم الأعلى، لا يمكن أن نلويها لتناسب أسلوب تعيين بعض المسئولين في المناصب القيادية والإدارية، ليس لأنهم أبناء الوطن الأكفاء المؤهلون، بل لأنهم من ذوي القربى والصفوة وممن يطلق على الواحد منهم شعبياً «ولدهم».
«ولدهم» هذا، إن كان مؤهلاً تأهيلاً علمياً جيداً ومحترفاً ومبدعاً وقادراً على العطاء فلا بأس، أما إذا كان تعيينه فقط من باب التمييز والطائفية والتقريب والترضيات، فستبقى المجتمعات التي تمارس هذا الأسلوب، ومن ضمنها دول الخليج، تعاني الكثير الكثير من التعقيدات وسوء الإدارة والتصادم الدائم بين المدخلات والمخرجات في كل المجالات التي يتبوأ فيها «ولدهم» غير المؤهل، منصباً لا يستحقه.
ومع أن هناك مشكلة، لكنها ليست كبيرة في بعض الدول الخليجية وظاهرة في دول أخرى، إلا أن بعض الكفاءات من هذه الدولة حظيت بالتقدير والأولوية لدى دولة أخرى في ذات المنظومة! حتى أن إحدى دول مجلس التعاون الخليجي أجرت مسحاً في قطاع العمل لمعرفة حجم الاحتياج الوظيفي لاستقطاب كوادر من أبناء المجلس بمميزات تصل إلى نسبة 90 في المئة مما يحصل عليها مواطنها!
مع وجود فرص عمل كثيرة تتصل باستراتيجية العمل العامة في تلك الدولة حتى العام 2016، وحتى في الاستعداد للرد على «الاتهامات المتوقعة» من أن تلك الدولة «تسرق» كوادر دولة أخرى جارة، كان الجواب المعد سلفاً: «استقطاب أو تقديم فرص عمل للكوادر الخليجية هو أحد الحلول للمساعدة في امتصاص أزمة البطالة».
في بريطانيا أيضاً، يُقال أن من «بين أبرز المبادرات الحكومية التي يمكن أن يستفيد منها رواد الأعمال الخليجيون، بمساندة الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار في برنامج (سيريوس)، وبرنامج رواد الأعمال العالمي، هي تأسيس مشاريع في بريطانيا، ولأن الإنجليز يعلمون بأن هناك كوادر خليجية في شتى القطاعات لا تحصل على فرص مناسبة لإثبات وجودها في بلدانها، فإنها تشجع رواد الأعمال الخليجيين الذين يرغبون في تأسيس مشاريع في بريطانيا، وستوفر لهم التدرب العالي والخبرة المتميزة».
إذاً، ومع وجود فرص قريبة وبعيدة للكوادر الخليجية المؤهلة والقادرة على التطوير والمشاركة في مشاريع التنمية، نتساءل: «أليس في مقدور منظومة دول مجلس التعاون الخليجي صياغة مشروع مشترك للاستفادة من الطاقات والعقول والكوادر الوطنية المؤهلة في المجالات التي تحتاج فيها إليهم بدلاً من استمرار تطبيق منهج «ولدهم»؟ أو استمرار استقطاب الخواجات وذوي العيون الزرقاء للعمل في قطاعات ومناصب يستطيع أبناء الخليج التميّز فيها؟».
من الصعب جداً أن تجد المتفوقين والمتميزين دراسياً يصبحون في الخطوط الثالثة والرابعة وربما قبل الأخيرة، في حين أن المتعثرين دراسياً وذوي المعدلات المتواضعة يتقدمون الصفوف لأنهم أًصحاب حظوة ونفوذ وأبوهم ربما كان «ولدهم»… فما يتوجب على الحكومات فعله هو اعتبار كل أبناء البلد الأكفاء والمجدين والواعدين «أولادها» بدون تمييز أو طائفية أو إقصاء أو تعمد بغيض لسلب حقوق هذا المواطن أو ذاك، بناءً على التقييم السخيف لدرجة الانتماء ونوعها وصبغتها وآلية تحديدها.
ربما لا تزال بعض الحكومات في الخليج لا تدرك التأثير السلبي لشغل المناصب الإدارية بنموذج «ولدهم» السيّء، لكن شيئاً فشيئاً، ومع تردي الكثير من الخدمات والمشاريع بسبب افتقار بعض المسئولين للكفاءة والتأهيل والإبداع، فإن على تلك الدول إعادة هدم وبناء تلك الفكرة من جديد.. اختاروا الكفاءات التي لها ولاء للوطن.. فقط.