منذ ٣ تموز (يوليو) 2013 تتنازع المصريين نزعتان، الأولى تدفع بهم نحو الاحتماء بالأمن والاستقرار والعودة إلى الحياة الطبيعية، وفي الوقت نفسه هناك نزعة أخرى تتواجه معها وتتكامل متعطشة للكرامة والعدالة والحقوق والحريات. وباستلام الرئيس عبدالفتاح السيسي مسؤوليات الحكم تتعمق التناقضات، فالحكم بعد الثورة ليس أبداً مثل زمن ما قبل الثورة. إن التضييق على الحريات يعكس خوفاً كبيراً من الحقيقة، وتقديس القضاء بحيث يكون نقد قراراته تهمة تعكس خوفاً أعمق على مستقبل النظام السياسي، أما قانون التظاهر، وإيقاف برنامج باسم يوسف (المبهر) وتوقف بعض كبار الكتاب ومنهم بلال فضل عن الكتابة في «الشروق» واختفاء بعض الإعلاميين من حاملي الرأي المستقل والتنويري فيحمل دلالات كبرى عن طبيعة المقبل. إن مقدمات المشهد الراهن تحمل في طياتها بذور إعادة إنتاج الحالة المصرية إلى النظام السابق مع تغيرات لن ترتقي إلى الحدث وطبيعة التحول الذي وقع ويقع في قواعد المجتمع الشبابية والشعبية منذ الثورة. إن شريحة التغيير في مصر مادتها الشباب، وهذه فئة لن تقل عدداً بينما ستزداد مع مرور الأيام حاجتها إلى التعبير عن ذاتها وعن طموحاتها. متابعة قراءة مصر بعد الانتخابات: تحديات وآفاق
اليوم: 5 يونيو، 2014
من أين لك هذا؟ هو القول الفصل
اتهمت من قبل كثيرين، ومن أحد الكتاب بالذات، بمختلف التهم، منها الكذب، وانني مدعي ثقافة وليبرالي وتوجهي علماني ومصداقيتي محل تساؤل، وأن فكري متخلف ولا أؤمن بالديموقراطية ولا بـ«مستلزمات» الحريات العامة(!) وأنني اسكت عن جرائم القتل الجماعي وإحراق جثث المدنيين العزل، وأن من السهل علي التخلي عن جميع مبادئي، وأن ليبراليتي هي من أجل القضاء على خصومي من التيار الإسلامي، وأنني أطبق مبدأ الغاية تبرر التنازل عن المبادئ! وأن كتاباتي تمتلئ بالمغالطات والأكاذيب، من أجل تشويه «سمعة» خصومي السياسيين!
وردي الأولي على كل هذه الاتهامات بسيط وواضح، فلست بالسياسي، ولم أكن يوما عضوا في أي تجمع سياسي، بخلاف وجودي لفترة قصيرة في تجمع نخبوي لم يدم طويلا، وبالتالي ليس لي خصوم سياسيون، ولا اشعر بالضيق من موقفي هذا، ولا أسعى للقضاء على أحد، ولا مانع لدي في أن يعتبر البعض نفسه من «خصومي السياسيين»، ولكن لاشك أنهم واهمون. ولكن هذا ليس بالرد الكافي، فمن الواضح أن من وجه لي مختلف التهم أعلاه يعتقد انه أفضل مني، او يكون على الأقل ندا لي، وأفضليته تكمن، حسب اعتقاده، في أنه متدين ويربي لحيته وكافر بالليبرالية وكاره للعلمانية وصادق في أقواله، ومصداقيته ليست محل تساؤل، وفكره لا يتسم بأي تخلف، ولم يسكت يوما عن جرائم القتل الجماعي، ولا يهدف للقضاء على خصومه السياسيين.
ولكن، كيف يمكن، في مثل هذا النوع من الجدال، معرفة من يقف مع الحق والحقيقة، ومن يقف ضدهما؟ والجواب ليس بالسهل، وبالتالي يتطلب الأمر اللجوء إلى طريقة غير تقليدية لحسم الأمر، وليعرف صاحب الشأن حقيقة كل طرف، وليس هناك مقياس أكثر دقة من «المال»، الذي يحبونه حبا جما. وبالتالي أعلن هنا أنني على استعداد لوضع كامل سجلات حساباتي، التي تبين كل ما لدي من نقد وحسابات بنوك واسهم وسندات وعقارات واستثمارات عينية ونقدية وغيرها، تحت تصرف «مكتب الشال للاستشارات المالية، جاسم السعدون»، ليدقق فيها ويعرف من اين جئت بكل دينار أملكه، وعلى مدى نصف القرن الماضي، على ان يقوم من اتهمنا بالكذب والتحايل بوضع كامل ثروته الشخصية ومكتبه تحت تصرف المكتب الاستشاري نفسه ليجيب عن السؤال نفسه: «من اين له هذا»؟ فهذا هو المحك وطريقة الاختبار الحقيقية، وليس إرجاع الأمور إلى خصومات سياسية وغير ذلك من فارغ الكلام. فمصداقية الفرد، في اي مجتمع كان، ليست في قيام هذا الفرد بتنزيه نفسه عن الشكوك قولا فقط، ولا في ما يخلقه من هالة «دينية» حول نفسه، ولا بما يكيله من اتهامات للغير، بل في الطريقة التي كون بها ثروته ووصل فيها إلى منصبه أو مناصبه!
نحن لدينا الشجاعة والاستعداد لكشف أوراقنا جميعها، فهل لدى الطرف الآخر هذا الاستعداد؟ نتمنى ذلك.
أحمد الصراف