كم تبلغ مساحة الوطن العربي؟ 14 مليون كيلو متر مربع؟ لا. 14 مليون “كلبشة”، 14 مليون قضية، 14 مليون حظر ومنع وخنق وكبت وتوقيف واتهام. هذه هي مساحة الوطن العربي الحقيقية.
كل هذه المساحات الجغرافية الشاسعة، المغلفة بتريليونات الدولارات، والمايكروفونات، والكاميرات، والبيانات، وقصائد الفخر… لم تتسع لمواطن ساخر يضحك على نفسه قبل أن يضحك على جروحنا ويسخر بمهازلنا على طريقته. في حين يفتح هذا الوطن ذراعيه على مصراعيهما للشتام مرتضى، الذي يقال إن كائناً واحداً لم يسلم من لسانه، حتى النمل في جحورها. وها هو مرتضى يتقلب بين أحضان القنوات بغنج ودلع. وها هو أحمد موسى يشتم أمهات خصومه، قبل أن يعدل ياقة قميصه، ثم يتناول غداءه في هذه الفضائية، وعشاءه في تلك! وها هو توفيق عكاشة، يبدأ بالحديث عن عرضك قبل الحديث عن حجته، باعتبار أن “الأم هي المنبع”.
و”تشحتف” باسم يوسف، و”تمرمر وتمرمط”، وأخذها كعب داير. ما إن ينبس بكلمتين حتى يصدر بيان يعلن إيقاف برنامجه! فتستدعيه فضائية أخرى، فيذهب، فيتنحنح، فيتوقف برنامجه، فثالثة، فرابعة، فخامسة. فيتضاحك خصومه “ده شغل رقاصات، يطلع من كباريه لكباريه”، وكان بإمكانه أن يكون راقصة خاصة لملهى واحد، كما يفعل غيره، لكنه أبى إلا أن “يرقص” على طريقته الخاصة، رقصة الحرية.
وعلى بعد خطوتين، وقيل بل ثلاث، أي في أوروبا، تتجاوز ثروة المذيع الساخر ومكانته ثروة ومكانة تجار النفط… وفي آخر الشارع، أقصد أميركا، يحظى المذيع الساخر بمكانة تفوق مكانة شيخ قبيلة، يمر السياسي إلى جانبه وهو يتمتم “اللهم سلم سلم”، وفي وطننا العربي، يدخل المذيع الساخر الاستوديو وهو يغمغم “اللهم خفف مصائب هذه الليلة علي وعلى أولادي”. وآه أيها الوطن العربي ما أصغرك وأحقرك، عندما ارتديناك قميصاً، نزهو به أمام العالم، تمزقت.
وبعد هروب السياسيين العرب إلى أوروبا، سنشهد في السنوات القليلة المقبلة هروب الإعلاميين العرب إلى أوروبا، وفضائيات أوروبا.