«فرض ضرائب.. ترشيد الدعم والزيادات.. تشجيع القطاع الخاص».. وغيرها الكثير من الأفكار الرائعة التي رسمها البنك الدولي.. وأيدها توني بلير.. وأسهبت فيها «ماكينزي».. هي أفكار تتوافق مع المبادئ الصحيحة لعلم الاقتصاد الذي نعلمه طلبتنا في الجامعة.
لكن اليوم، أنا على استعداد لرمي هذا العلم في سلة المهملات، وأن أقول: «أعطوا الناس علاوات.. وزيدوا رواتبهم.. وأغدقوا عليهم من المنح والامتيازات»!
في الثالث من أغسطس، قبل أربع وعشرين سنة، اتصل بي أخي الكبير وطلب مني ان أكون جاهزا مع بعض أخوتي لأنه سيقلنا بعد قليل. متابعة قراءة العراقيون الجدد
الشهر: مايو 2014
الجربا.. يلهث خلف السراب
أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري، وهو التنظيم الوحيد المعترف به دوليا كممثل للمعارضة السورية، زار واشنطن مطالبا بتزويده بأسلحة نوعية لمقاومة آلة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام العلوي في دمشق، والتي يفتك بها كل صباح ومساء ما تبقى من الشعب السوري المتواجد في ارض الشام! ولا يُلام السيد الجربا بمسعاه، لكنني اعتقد انه يبحث عن نجاته ممن يتمنى موته! ويطلب النصرة ممن يسعى لهزيمته، والحسنة الوحيدة في زيارته انه ادرك انه يلهث وراء سراب، فقد جاءه الجواب نقدا ومن دون تأخير عندما رفض وزير الخارجية الاميركي طلبه! متابعة قراءة الجربا.. يلهث خلف السراب
القضية الفلسطينية.. هل ستحل قط؟!
في الخمسين عاما الممتدة من وعد بلفور 1917 حتى هزيمة 1967 كان الجانب الفلسطيني هو من يؤمن بالمعادلة الصفرية القائمة على كل شيء او لا شيء، حتى انه رفض حل الدولتين الذي طرحته لجنة بيل عام 1937 والذي اعطى الطرف الفلسطيني 90% من الارض واليهودي 10% ثم قرار التقسيم 1947 وبادرة الرئيس بورقيبة 1965، اما الخمسون سنة اللاحقة، اي الممتدة من 67 حتى ايامنا هذه فقد اصبح الجانب الاسرائيلي هو المتبني للمعادلة الصفرية اي الحرص على توافر الارض والامن والسلام له ولا ارض او امن او سلام للجانب الفلسطيني، لذا من الصعب تصور ان هناك حلا حقيقيا قريبا للقضية الفلسطينية.
***
ويصعب على اي مراقب فهم موقف رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو وهو شخص لا ينقصه الذكاء والقدرة على تقييم المواقف، حيث انه مهندس معماري خريج جامعة M.I.T الاميركية الشهيرة، كما درس السياسة في جامعة هارفورد وكان اصغر رئيس وزراء في تاريخ اسرائيل، فقد اعترض في السابق على التنازل لمنظمة التحرير بحجة انها لا تمثل كل الفلسطينيين بعد خلافها مع حماس، كما يعترض هذه الايام على التفاوض معها بحجة انها تحالفت او تصالحت مع حماس وهو ما يسمى بـ 22 CATCH اي موقف لا ربح فيه للفلسطييين مهما فعلوا.
***
وقد التقيت سابقا بالرئيس محمود عباس بمقره في رام الله وقد طرح آنذاك إشكالا لا اعلم ان كان قد تم حله كرد على مقترح الحكومة الائتلافية، حيث تساءل كيف لوزراء حماس ان يحلوا مشاكل وزاراتهم التي تعتمد جميعها بالمطلق على الجانب الاسرائيلي دون الالتقاء بنظرائهم الاسرائيليين ما داموا لا يعترفون بإسرائيل؟! ومعروف ان الكهرباء والماء والاستيراد والاقتصاد والعملة في الضفة والقطاع تعتمد بالكامل على الجانب الاسرائيلي كنتيجة طبيعية لمقاطعة الدول العربية لهم منذ احتلالهم.
***
كما التقيت بالرئيس اسماعيل هنية اكثر من مرة في غزة وقد طرح إشكالات عدة منها ان الاتفاقيات مع المنظمة نصت على «التشاور» غير الملزم بدلا من «التوافق» الملزم، كما اشتكى من عدم القدرة على السيطرة في القطاع على مجاميع متشددة صغيرة قادرة على رمي اسرائيل بما اسماه «العاب نارية» تخلق فرقعات اعلامية تتيح لاسرائيل التنصل من اي اتفاقيات تعقد معها، والتقيت كذلك بخالد مشعل إبان اقامته في دمشق ومما طرحه ان حماس كانت مشاركة في الحكومة وليس في الحكم بسبب عدم قدرة الوزير الحماسي على نقل موظف واحد في وزارته حسب قوله، وجميع ماسبق وكثير غيره هو اشكالات او الغام على طريق ديمومة المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية.
***
وعلى هامش مؤتمر للطاقة عقد في طنجة استمعت لوزير خارجية اسرائيل الاسبق المولود في المغرب شلومو بن عامي وهو يقول لجمع صغير ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لن تستطيع قط اقامة سلام مع الفلسطينيين لأسباب عدة منها فقد الاحترام والثقة بين الطرفين وعدم ايمان اغلبية الاسرائيليين بالتفريط في الاراضي لاجل ورقة سلام يمكن للطرف الآخر ان يمزقها في أي وقت وان الفرصة الوحيدة للسلام هي عبر عمليات تطبيع شاملة بين اسرائيل والدول العربية جمعاء يرى من خلالها الاسرائيليون السائحين والمستثمرين العرب من جميع اقطارهم يتجولون في شوارعهم حتى يؤمن الشعب الاسرائيلي بحقيقة التوجه العربي والفلسطيني للسلام فيضغط على حكومته ضاربا المثل بما حدث بين فرنسا والمانيا بعد الحرب الكونية الثانية من تطبيع اوقف الحروب المعتادة بينهما.
***
آخر محطة: ضمن تأثر بريطانيا العظمى بالعرب بعد معايشة مستمرة منذ قرن ونصف القرن وانعكاس ذلك عبر احتمال تقسيم بلدهم القادم، قام رئيس وزرائهم «كحالنا» باستخدام كرت الدين لدغدغة مشاعر الناخبين عندما تحدث عن «مسيحية بريطانيا» وهو ما أثار غضب العلمانيين والليبراليين، الغريب ان رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في بريطانيا أيد مبدأ مسيحية الدولة وهو ما يصعّب في المقابل من مبدأ معارضة يهودية الدولة في اسرائيل من منطلق شرعي!
@salnesf
مرة أخرى… «كل شيء تمام»!
هي مرة أخرى قطعاً، ولن تكون الأخيرة، فعبارة «كل شيء تمام يافندم»، لن تنقلنا أبداً إلى الحقيقة، ولن تخدم المواطن في شيء، وما عادت أصلاً تلك البهرجة الطويلة العريضة في الصحف وفي وسائل الإعلام تؤثر في الشريحة الأكبر من المواطنين الذين أصبح لديهم «براحة» كبيرة للتنفيس عن أنفسهم في شبكات التواصل الاجتماعي.
إن الحديث عن الملفات المعيشية الثقيلة من غلاء الأسعار إلى تدني مستوى الرواتب إلى الإسكان إلى الخدمات الاجتماعية على اختلافها، يُعتبر لدى البعض من المواضيع الخطيرة جداً جداً، لاسيما خلال السنوات الثلاث الماضية والأزمة السياسية تعصف بالبلد. فأي انتقاد لأي مسار خاطيء يجعلك في خانة الخيانة والتواطؤ والتآمر، حتى أن البعض من شدة وضاعة تفكيره وضحالة إلمامه بالأوضاع وسوء فهمه للوطنية، يجزم على أن أي مواطن لا يجد ما يأمله من أي جهاز حكومي ثم يتذمر أو يشكو، فإن ذلك المواطن لا يستحق أن يعيش في البلد! «خف علينا يا حامي الديار».
سأعيد عليكم قصةً جميلةً طرحتها ذات مرة فأعجبت الكثير من الناس، ولكنها لم ولن تعجب بعض المسئولين الذي يرون في أنفسهم الملاك لوزاراتهم أو إداراتهم، يفعلون فيها ما يشاءون ويوظفون من ذويهم من يشاءون. يرقّون من يشاءون وينكلون بمن يشاءون. ولا أعتقد أصلاً أن مسئولين من هذا القبيل لديهم ذرة ضمير أو إحساس، وهم من الأصل لا يستحقون مناصبهم.
إليكم القصة: يحكى أن أحد السلاطين وهو مسافر في قافلته، سمع أحد خدمه يقول لصديقه: «كيف لهذا السلطان أن يعيّن له وزيراً طاعناً في السن لا يقوى على القتال، ولا يبدو أنه يفقه من أمور السياسة شيئاً وأنا خير منه». فسمع السلطان هذا الكلام وعاد إلى خيمته، ونادى على هذا الخادم فجاءه. قال له السلطان وهو يسمع صوت نباح في جهة بعيدة عن خيمته: «إذهب لترى ما هنالك».
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «إني رأيت جراءً حديثة الولادة هي التي تنبح».
– سأله السلطان: كم عددها؟.
– قال الخادم : لا أعلم!.
– قال له السلطان: إذهب لتخبرني بعددها.
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «عددها سبعة». قال له السلطان: «ما ألوانها؟»، قال الخادم: لا أعلم! قال له السلطان: «إذهب لتخبرني بألوانها».
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «منها ما يغلب عليه الأسود، ومنها ما يغلب عليه الأبيض»، قال السلطان: «ما عدد التي يغلب عليها اللون الأسود؟» قال الخادم: «لا أعلم!»، قال له السلطان: «إذهب لتخبرني بأعداد السود منها».
ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان:»أربع منها سود»، قال له السلطان: «كم عدد البيض منها؟»، أجاب الخادم، بعد أن صمت برهة يفكر: «ثلاثة منها من البيض»، فنادى السلطان على وزيره وقال له: «اذهب لترى ما هنالك (يقصد جهة النباح)، فذهب الوزير وعاد إلى السلطان وقال: «إنها جراء حديثة الولادة عددها سبعة، أربعة منها يغلب عليها السواد والثلاثة الباقيات يغلب عليها البياض، ويبدو أن سبب نباحهم الجوع». فنظر السلطان إلى الخادم وقال: «هل عرفت لماذا اخترته وزيراً لي؟».
انتهت القصة التي لا أعرف حقيقة مصدرها ومدى صدقها ولكن المضمون رائع دون شك. تعالوا إلى المواطن البحريني الذي نجده في تصريحات المسئولين وكأنه «منتهى المنى»، فحينما يتوجه المواطن إلى مكاتب «بعض» الوزراء أو كبار المسئولين، فإنه يقف بين أمرين: فإما هو في ضيافة مضياف كريم يملأ جيوبه بالكلام والوعود وبالقليل من الصدق في الإنجاز، أو هو مقصوف مطرود تحل عليه اللعنات!
بالطبع، لا يجب عليه أن يتذمر أو يغضب أو يصدح بصوته في صحافة أمينة أو إذاعة صادقة، وإلا فالأوصاف جاهزة بقائمتها الطويلة العريضة، أدناها أنه ناكر للنعمة والجميل. أما المنافق والطبّال فهو في الغالب من أفضل المواطنين مكانةً، فالأهم أن (تدهنون سيره بكم دينار).
يا سادة يا مسئولين… هل هذه حالة؟
فولتير الكويتي
فولتير – هو مفكر واديب فرنسي – من اشهر رموز الليبرالية واكثرها جدلا خصوصا آراءه ضد الدين والديموقراطية، وبالتأكيد لن أتحدث هنا – عن فولتير الفرنسي فالجميع يعرفه ـ بل عن نسخته الكويتية المقلدة ـ واقصد بذلك «الليبرالي الكويتي» الذي يسخر دائما من تخلف المحافظين ويحاول جاهدا مصادرة خياراتهم المتمثلة في إلزام انفسهم بمعتقداتهم الدينية ـ وفي المقابل تجد فولتير الكويتي يستميت دفاعا عن الحريات الخاصة كما يفهمها هو ـ ويحاول فرضها على المجتمع ككل.
فولتير الكويتي هو كل شخص يرى وجوب مشاركته في عملية اتخاذ القرار السياسي دون ان يقوم بواجباته المالية اتجاه المجتمع ـ وبخلاف ما هو معمول به في الديموقراطيات الليبرالية حيث يتحكم دافعو الضرائب في القرار السياسي
بإمكان النسخة الليبرالية الكويتية ان تغض النظر عن كل المشاريع ولا تعتبرها هدرا للمال، بينما تعارض وبشدة علاوة ببضعة دنانير للموظفين كزيادة علاوة الأبناء لأنها برأيهم ستأتي بكارثة اقتصادية
الليبرالي الكويتي لا يعرف من مبادئ الليبرالية إلا الشكليات والسلوكيات الشخصية ـ أما الحريات العامة فلا تعني له شيئا ـ لذلك يمكنه ان يتقبل تقليص عدد أصوات الناخبين وبلا جدال، ولا يتقبل منع اقامة حفل غنائي او كتابا مثيرا للجدل.
بالرغم من الأجواء السياسية المشحونة التي مرت بها البلاد ومازالت ـ وطرح اغلب التيارات رؤيتها للاصلاح السياسي بما فيها التيارات الاسلامية ـ يبقى الليبراليون بلا صوت او بصوت خافت جدا عند الحديث عن الاصلاح والديموقراطية.
يبدو ان مشكلة الليبراليين في الكويت تكمن في ان «قادة الليبرال» هم من كبار التجار ـ وبالتأكيد بعض هؤلاء لا يهمهم ان تكون القوانين الجديدة متجهة نحو مزيد من الحريات او العكس ـ بقدر ما ان تكون محملة بمزيد من الاموال الى جيوبهم.
وربما شكل المنبر الديموقراطي الاستثناء الوحيد من القاعدة حيث لاتزال ليبراليتهم نقية ولم تتلوث، وباتوا هم الملاذ الاخير لليبرالية الحقة في الكويت.
ختاما – كان الليبراليون من أمثال الخطيب والربعي والقطامي في اوائل صفوف المطالبين بالمزيد من الحريات وكانوا اكثر السياسيين شراسة في الدفاع عن الدستور ولم يغيبوا أبدا عن اي حراك سياسي كويتي ان لم يقودوه – بينما الجيل الحالي من الليبراليين هم في الصفوف الاخيرة للحراك السياسي هذا ان اهتموا أصلا او حضروا، اخيرا عندما نتحدث عن الليبرالية ليس اعجابا بها، بل مجرد نقد لمن يدعيها.
الدولة الأمنية العربية: تساؤلات للنقاش
هناك حادثة لصديق لبناني وقعت معه عندما كان في الرابعة عشرة في العام ١٩٦٩: فقد شارك في تظاهرة احتجاج سلمية في مدينته بيروت، وما كان من رجل الأمن إلا أن صوب بندقيته على الطفل المتظاهر عن بعد لا يتجاوز أمتار قليلة، فأنتهى الأمر بإصابته في رأسه وكتفه بطلقات عدة، هذه الحادثة، التي لم تقتل صديقي، تحكمت بمسيرة حياته وحولته الى فكرة الثورة وأفكار الحرب التي ستندلع في لبنان لست عشرة سنة متتالية. كل عنف نراه في مشهدنا العربي له مسببات، وكل عنف يبدأ بحادثة قامت بها جهات تمتعت بالسيطرة وضخمت من خطر التجمع والتظاهر السلمي وبررت لنفسها أسوأ التجاوزات من دون دراية منها بأنها تقود الوضع لأسوأ ردود الفعل. في عالمنا العربي يكفي لحادثة تعذيب أو ظلم وانتهاك تقوم بها أجهزة رسمية يفترض فيها ان تكون المدافع عن الناس لخلق شخصية تقدس العنف وربما الثورة، في الحالتين المجتمع والدولة هما الخاسر الأول. إن الأجهزة عندما تفتح الباب للانتهاكات وتهمل الإجراءات الإنسانية في استخدام قوتها تغامر وتقامر بمصيرها، هكذا تخلق إرهابيي الغد وثوار ما بعد الغد. متابعة قراءة الدولة الأمنية العربية: تساؤلات للنقاش
الضباع لا تدرّسكم الفضيلة
خدعوك فقالوا: “وسائل الإعلام والمدارس تربّيان المجتمعات”. هذا صحيح، لكن في الدول المحترمة (نقصد بالدول المحترمة؛ الدول ذات الحكومات المحترمة والأنظمة الديمقراطية الحقيقية)، أما في عالم العربان فالمربية الوحيدة هي السلطة. نقطة.
السلطة، في عالم العربان، بيدها كل شيء؛ وسائل الإعلام (مع بعض الاستثناءات المقموعة)، والمدارس بمناهجها وقياداتها، والأموال العامة، والمناصب، والثوم والبصل والقثاء… لذا فالسلطة وحدها هي المربية. متابعة قراءة الضباع لا تدرّسكم الفضيلة
وصفة السلطان التقي
أفضل وصفة لحكام الاستبداد لإلهاء الشعوب عن قضايا البؤس التي تعانيها هي طرح ورقة الدين، أي العقيدة، في سوق المتاجرات السياسية، وعبر ذلك الإلهاء السياسي تصرف الشعوب عن واقعها وهمومها طالما أضحت قضيتها الكبرى الوضع في الآخرة وليس الهم الدنيوي المعيش من فقر وبؤس للشعوب وفساد يرتع فيه الحكام.
سلطان بروناي، أحد أغنى أغنياء العالم، اكتشف، فجأة، سر ترياق تطبيق الشريعة الإسلامية في مملكته الصغيرة، فهذه السلطنة التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة تحيا في بحبوحة مالية بسبب قلة عدد السكان ووفرة الإنتاج النفطي والغاز الطبيعي، والدولة تتكفل بكل صغيرة وكبيرة للمواطن، فهي دولة "رفاهية" كاملة توفر للسكان العلاج الطبي والتعليم المجاني، وتعد معدلات الدخل الفردي فيها من أعلى المعدلات، إلا أنه في السنوات الأخيرة انخفض احتياطي تلك الدولة من الغاز والنفط إلى النصف، وتراجعت التنمية سلباً، عندها وجد السلطان مفتاح "الهداية" حين قاربت سنوات "بندروسا" على النهاية، وقرر تطبيق الحدود من قطع يد وجلد ورجم فجأة، فهذا الشرع كما يقول السلطان حسنال أمر الله وليس أمرنا، ونحن لا نملك مخالفته…! ولا يهم عند السلطان اعتراضات منظمات حقوق الإنسان طالما هو يطبق الشرع، لاغياً النظام القانوني السائد القائم على التراث الإنكليزي.
سلطان بروناي جهز "الدوا قبل الفلعة" بالمثل الكويتي، بمعنى أنه استعد مقدماً وتحوط قبل أن يقع الفأس بالرأس ويتحرك الشعب الصغير معترضاً على تدهور الوضع المعيشي، فربما يخرج من المعارضين، في تصور السلطان وفقهائه، قوى جهادية، هي بدورها تريد احتكار شعار تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية، فينبت على أرض السلطنة داعش "بروناويي" و"بوكو حرام" شرق آسيوي، فلماذا ينتظر السلطان الثوار المحتملين بجهلهم المطبق ووحشيتهم في زلزلة أركان حكمه؟ فليقطع عليهم الطريق، مرتدياً ثياب الواعظين المتقين.
قبل هذا السلطان، كان لنا أكثر من سلطان تقي في صحراء العروبة، فجعفر النميري جرب، وقطع أيدي فقراء اتهموا بالسرقة، ربما سرقوا لأنهم جاعوا، لكن في النهاية ازيح النميري عن الحكم برجاحة عقل سوار الذهب، ثم كان لدينا "الرئيس المؤمن" أنور السادات، حين عدل من الدستور بجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وضرب القوميين واليساريين بعصا الإسلاميين، لكن مزايدة الرئيس المؤمن على العقيدة، لم تنجح وقضى نحبه برصاص خالد الإسلامبولي، فهل يتعظ سلطان بروناي ويتأمل قليلاً في حروبنا الدينية، فهي معارك من أجل السلطة والثروة لا غير، لا مكان فيها للاتقياء الورعين؟
بوكو حرام
قامت جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتطرفة في نيجيريا، قبل شهر تقريبا باختطاف عدد كبير من الفتيات المراهقات من سكن طلابي، ولا يعرف حتى الآن عددهن بشكل دقيق، ويقال إن عددهن يتراوح بين 170 و230، وأضيف لهن عدد آخر خُطفن قبل أيام قليلة من المنطقة ذاتها في شمال شرق نيجيريا. و«بوكو حرام» تعتبر تعليم الفتيات، أو التعليم على الطريقة الغربية حراما، وهو ما يعتقده المتشددون في الكثير من الدول، ومنها أفغانستان وباكستان والصومال وغيرها.
وبالرغم من خطورة القضية، وما أشيع من أن «بوكو حرام» هرّبت الفتيات إلى الكاميرون وتشاد، حيث عُرضن للبيع في مزاد علني لمصلحة الجماعة الإرهابية، وربما تعرّضن للاغتصاب قبل البيع، أو أُجبرن على الزواج من خاطفيهن، كما نُقل عن مراقبين حضروا حفلات زواج جماعية على حدود نيجيريا مع دول أفريقية مجاورة. ويقال إن ثمن البيع لم يتجاوز في الغالب 25 دولارا للفتاة.
وتقول الكاتبة السعودية هتون الفاسي إن نيجيريا، الغنية بالنفط، وعضو «الأوبك» التي تمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وزراعية لا تقدَّر بثمن، تشكو من الفقر وضعف التنمية والفساد الذي يمتص ثرواتها على اثر فترة استعمارية بريطانية استمرت قرناً من الزمان، حتى عام 1961. وتتزايد حالة الفقر فيها وتضعف التنمية كلما اتجهنا للولايات المسلمة شمالا، والتي تعاني البطالة والفقر بخلاف الجنوب المسيحي. ونظراً لتعامل الحكومة النيجيرية العنيف القريب من الوحشية مع «بوكو حرام» تتفاقم المشكلة وتضعف الثقة في الحكومة. مما جعل الفئات المتطرفة تقرن المسؤولية عن سوء الأحوال المعيشية في ولايات بورنو وما جاورها في الشمال والشمال الشرقي، بملة المستعمر السابق ودينه وكل ما يتصل بالغرب، لاسيما التعليم، الذي يرون أنه مصدر فساد ومصدر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الذي يريدون استبدال التعليم التقليدي الإسلامي به.
والآن هل من المستغرب عدم تجاوب العالم، بما يكفي، مع مشكلة قيام جماعة دينية متطرفة بخطف الفتيات وبيعهن في سوق النخاسة؟ ألا يعود ذلك، ولو في جزء منه، ربما إلى شعور المجتمع الدولي بأن ما قامت به «بوكو حرام» لم يخرج تماما عن سابق تقاليد المنطقة الإسلامية، والتي لم تلق حتى الآن ما يكفي من رفض وتحريم من الجهات الدينية؟ الجواب عند «علمائنا»!.
أحمد الصراف
“الكويت عين… والشعب عين أيضا”!
رغم تعدد وتنوع التغييرات السياسية والاجتماعية التي جرت في الكويت خلال العقود الخمسة الماضية، إلا أن أسرة الصباح ما زالت تعتبر “شؤون الدولة” من قبيل “الشؤون الخاصة” بالأسرة. ومن الصعب جدا إقناع الشيوخ بوجوب استقلال سلطات الدولة ومؤسساتها عنهم، وبوجوب تبني فكرة سيادة القانون بعيدا عن وصايتهم وتوجيهاتهم… بل وأوامرهم في بعض الأحيان! متابعة قراءة “الكويت عين… والشعب عين أيضا”!