ماذا لو تصفحت الجرائد الأميركية هذه الأيام ووجدت انها لاتزال تناقش «المكارثية» وحقوق السود المدنية، ثم اطلعت على الصحف البريطانية فوجدت انها مشغولة على أشدها بتأميم قناة السويس وأحقية التدخل العسكري للسيطرة عليها؟! قطعا ستظن ان تلك دخلت الى الكهف واختفت لنصف قرن او يزيد وعادت هذه الأيام كون الأمم الحية تمتاز بالحراك لا الجمود، فتطوي ملفاتها وتتقدم الى الأمام ولا تبقى واقفة «مكانك سر» في المربع الأول لا تبارحه.
***
اطلعت على ما كتبه شهيد الصحافة العربية الكبير كامل مروة في الفترة من 1951 الى 1955 وقد اخترت مروة لتفاعله مع القضايا العربية، وسأعرض قليلا مما كتبه منعا للإطالة لنعرف هل تغير الحال في أمتنا العربية المجيدة ام مازلنا ندور في المشاكل نفسها منذ قبل 60 عاما مع متغيرات صغيرة هنا وهناك؟ وقد أتى في الآية الكريمة: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) أي مرت عليهم السنون وكانوا يعتقدونها يوما او بعض يوم كحال أمتنا هذه الأيام!
***
في مقال 23/9/1952 يكتب مروة عن صعوبات وإشكالات انتخابات الرئاسة اللبنانية آنذاك بعد استقالة الرئيس بشارة الخوري ودخول البلد في مأزق سياسي، فيقول نصا: «ليس مهما من ينتخب رئيسا للجمهورية، المهم ما يتعهد الرئيس بتنفيذه»، وعن الانتخابات السورية يكتب في 6/8/1955 حول انحصارها في القوتلي وحفار «هذه الأيام بين بشار وحجار» بعد حكم ديكتاتوري طويل (حكم الشيشكلي) وأن سورية لم تعد مشكلة إقليمية بل عالمية وانها في حاجة لرئيس يرجعها للصف العربي، ويلوم في مقال 16/8/1955 النواب السوريين بأنهم من يصنعون من الرئيس ديكتاتورا عندما يصورونه داهية وعبقريا!
***
وإلى العراق حيث يتحدث في مقال 12/6/1954 عن السيد نوري السعيد (لا نوري المالكي) فيقول انه كان يحوز أغلبية في المجلس السابق، اما في هذه الانتخابات فلم يحز إلا 56 مقعدا من 136، لذا فقد السيطرة على المجلس النيابي وأصبح أسير المستقلين والكتل الأخرى. والى مشكلة القدس يكتب في 15/12/1953 عن وصول القاصد الرسولي الجديد اليها الذي عكس قلق قداسة البابا ورغبته في ان تكون القدس مفتوحة للأديان السماوية الثلاثة.
***
آخر محطة: (1) في يوم الأربعاء 7/7/1954 يكتب الراحل الكبير مقالا بعنوان «عندما يبور الاصطياف» يقول فيه ان موسم الاصطياف قد ضرب، ويلقي باللائمة على العوامل الداخلية وسوء استغلال السائح، وقبل ذلك في 12/7/1952 يكتب مقالا عن «منحة الاصطياف» وهي ما تقوم به آنذاك مفوضية السياحة اللبنانية من دفع ثمن تذاكر سفر للمصطافين الى لبنان تشجيعا لهم، ويقترح ان يضاف للمنحة دفع ثمن تذاكر موسم الاصطياف القادم للسائح لضمان عودته، وفي 18/6/1952 يقول ان أقرب طريق للموت هو قيادة السيارة في لبنان «ومازال».
***
(2) في 16/5/1966 أوعزت المخابرات الناصرية الى الناصري ابراهيم قليلات بقتل كامل مروة فأرسل عدنان سلطاني فقتله بمسدس كاتم للصوت، متناسيا سيرته النضالية الطويلة، حيث توجه مروة إبان الحرب الثانية لأوروبا الشرقية لمحاربة الإنجليز والفرنسيين وسجن إثر ذلك، ويروى ان الناصري «منح الصلح» أراد ان يظهر إنسانية نظام الرئيس عبدالناصر فقال للشيوعي الساخر محسن ابراهيم: هل تعلم ان عبدالناصر أبرق فور اغتيال كامل مروة لعائلته يعزيهم في الحادث الأليم؟ فأجابه إبراهيم على الفور: «منيح انه لم يرسل البرقية قبلها بيوم».
@salnesf