يبدو أن البعض ما زال رافضاً لمشاهدة الشعوب العربية الكادحة وهي تنتفض على حكامها المستبدين الذين ساموها سوء العذاب على مدى نصف قرن من الزمان. ويبدو أن هذا البعض قد حنّ إلى الماضي المستبد، واشتاق إلى مشاهدة صور الزعيم الأوحد تنتشر في كل زاوية شارع، وقد كتب عليها «لا أمل للأمة إلا بالقائد».. «لا مستقبل لليبيا إلا بالأخ العقيد»! لذلك، عزّ عليه أن يشاهد في القنوات الفضائية الشعوب وهي تنتخب برلماناً يمثل الأمة ورئيساً للبرلمان منتخباً انتخاباً حراً مباشراً، والأمور تسير في اتجاه المزيد من الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة. متابعة قراءة الشوق إلى القذافي!
اليوم: 20 مايو، 2014
الطائفية.. والطوفان
من الواضح أن هناك مشكلة طائفية في كثير من الدول العربية والإسلامية، ومصدر ذلك يعود بصورة أساسية لغموض النصوص الدينية من جهة، ولجهل أطراف الصراع بمصالحهم، ومن جهة أخرى لوجود مصلحة للحكومات والأنظمة الحاكمة في بقاء الخلاف والاختلاف قائما، لتسهل السيطرة على شعوبها، ولكي تلعب دور الحكم، أو الأب، إن تطلب الأمر ذلك.
بدأ الإصلاح الديني في أوروبا على يد القس المجدد مارتن لوثر، وكان الحدث الأبرز في تاريخ أوروبا في القرن السادس عشر، وعصر النهضة بالتالي. وتعتبر إصلاحاته، أو ثورته، الحدث الذي شكل – بنظر الكثير من المؤرخين – هوية أوروبا الحديثة، وذلك عندما نجحت تلك الثورة في القضاء على التسلط الكنسي، الأمر الذي فجر النزعات القومية لدى كبريات الدول الأوروبية بعد أن كانت مسحوقة في ظل الكنيسة المتسلطة، عندما كانت دول مثل فرنسا والمانيا وإنكلترا تصبغ نفسها بصبغتها الدينية وليس بصبغتها القومية، وكان الدين هوية، وبالتالي من لم يكن مسيحيا كان معرّضا بصورة تلقائية للاضطهاد، وهذا لم يقتصر على غير المسيحيين، بل امتد حتى للمسيحيين المنتمين لغير الكاثوليكية، أو كل من اتهم بالزندقة. وقد قضى موتا عشرات الآلاف على يد «جنود الله» البابويين، بحجج واهية، وخاصة في مذبحة «سانت بارثلميو» الشهيرة. وقد دفعت كل هذه الأحداث الرهيبة بمارتن لوثر، القس الألماني، ليعلن معارضته الشديدة لتصرفات البابا، التي غالبا ما تكون – حسب وصفه – مدفوعة برغبات انتقام شخصية. وقد أدى موقفه الى إيقاظ الشعوب الأوروبية من سباتها، بعد أن كشف لوثر حياة البذخ التي يعيشها رجال الإكليروس وفسادهم، وما كانوا يستولون عليه من أموال الفقراء ببيعهم «صكوك الغفران» التي ستدخلهم الجنة، والتي تشبهها في أيامنا هذه مفاتيح الجنة التي وجدت معلقة في رقاب كثير من الجنود الذين ماتوا في الحروب المذهبية في المنطقة، أو الأحلام والأماني التي «باعوها» للانتحاريين، لدفعهم الى قتل انفسهم للفوز بالجنة وبالحور العين! ففي القرون الوسطى كانت الجنة تشترى بصك، فأصبحت الآن تشترى بحزام ناسف!
ومن اقوى ما قاله لوثر، مخاطبا الألمان انهم بغير حاجة لرجال الدين لفهم الكتاب المقدس، وانهم وهبوا العقول لكي يشغلوها لا لكي يلغوها، وان المؤمن علاقته مباشرة بربه وليس بحاجة لمن يفسر له الدين. ثم ضرب لوثر ضربته، كاسرا احتكار الكنيسة لشرح الكتاب المقدس، من خلال قيامه بترجمته للالمانية، بعد أن كانت نسخه لا تكتب بغير اللاتينية، التي لم يكن يفهمها أحد غير رجال الكنيسة! وهذا فتح آفاق معرفة الدين، من غير وسيط كنسي، امام المواطن العادي، وبالتالي تضاءلت أهمية رجل الدين. وقد كرس التاريخ مارتن لوثر تاليا كأبرز مصلح ديني وكأب روحي للغة الألمانية الحديثة.
ما نحن بحاجة ماسة له في مجتمعاتنا هو زيادة الوعي، وحصر خلافاتنا المذهبية ضمن أضيق الحدود، وهذا لا يمكن الوصول اليه بغير «تحييد» دور رجل الدين، وحصره في المعاملات الرسمية. فالواقع أن اي تقارب مذهبي ليس في مصلحة غالبية رجال الدين المتكسبين من اختلافات المجتمع المذهبية أو الدينية.
أحمد الصراف