تذكرت مشهداً في فيلم أجنبي، عندما مات قائد المجموعة، المحبوب المحترم، فتولاها قائد لا تحترمه المجموعة ولا تحبه. فحاول فرض احترامه بالقوة، فلم ينجح، فقرر شراء ودهم بالمال، ولم يوفق، فحاول وحاول وحاول، إلى أن نصحه صديقه: “يجب أن ترتدي ثياب البطل الميت وتعتمر قبعته، كي لا يشعر الناس بالفرق”.
فعل ما نصحه به صديقه، ولا فائدة. تتبع تفاصيل البطل الميت، مشى مشيته، وتحدث بطريقة كلامه ونبرة صوته وحركة يديه (بعد تمرين طويل مضنٍ)، تصنّع التسامح مثله، تغاضى عن انفلات البعض ليرسم صورة “القائد الأب”، ولا جدوى.
وبعد أن فاض سيله، وفقد سيطرته على أعصابه، راح يسعى إلى استعادة هيبته بالقوة والبطش العشوائي، لكن الأوان قد فات. فلا هو المحترم المحبوب، ولا هو المَهيب.
المشهد يتكرر اليوم على الأرض… بعد أن ارتدى “مجلس الصوت الواحد” ملابس برلمان المعارضة المُبطل، واعتمر قبعته، وقلّد مشيته، ونبرة صوته، وطريقته في الحديث، لكن الناس لم تستسغه، ولم تتقبله، ولم تصدقه… فعل الأعاجيب لإقناع الناس بأنه برلمان بهيبة؛ مشى في الشوارع بـ”الساطور”، صرخ في وجوه المارة، أطلق النار عشوائياً… لكن أحداً لم يلتفت إليه ولم يعره جزءاً من الانتباه، ولم يقتنع بـ”فتوّته”! فما زال الناس، سامحهم الله، على يقين بأنه برلمان “ديمو” أو دمية تشبه البشر، وليست منهم.
وجاءت الكارثة الكبرى؛ “استقال خمسة من أعضائه احتجاجاً على ضعفه”. فاهتزت أقدامه، وفكر ثم قرر: “تُجرى انتخابات تكميلية لسد النقص”. ومن المتوقع أن يزداد المشهد كارثية بنجاح مجموعة تجعل الناس تترحم على من فيه حالياً.
وأقسم أنه لو قرر (فرضية من الخيال) أحد من المعارضة خوض الانتخابات، لهرول هذا المجلس إلى حيث يسكن المرشح المعارض، ولقبّل رأسه، وبكى على حجره، وتكفل بحملته الانتخابية، وبتفصيل “بشته”، ولتولى تنظيف كرسيه ومكتبه في مبنى البرلمان.
إنه البحث عن الاحترام أيها السادة.
أما في حال نجاح بعض المشبوهين، كما هو متوقع، فلا فائدة ولا حل إلا أن يقوم هذا المجلس بتزوير هوية رجل محترم، ويضع صورته على اسم الرجل المحترم. ويدعو ربه ألا يكشف أمره أحد.
اليوم: 18 مايو، 2014
لا خصوصية بعد اليوم
في عالم اليوم، عالم الإنترنت والأقمار الاصطناعية، عالم أحلام الحرية والمخابرات والإرهاب وتبييض الأموال، والعصابات والطغاة المتشبثين بالحكم، لا توجد في الحقيقة خصوصية شخصية أو عامة، وكل ما يردده الجهلة من وجود خصوصية لمنطقة أو شخص أو مجتمع لا يزيد عن كونه هراء في هراء، فلكي تكون لك خصوصيتك فليس أمامك غير أن تنعزل عن العالم كليا، لا هاتف لا إنترنت لا تلفزيون حتى ولا خروج من البيت، وربما الانتقال للسكن في خيمة في وسط الصحراء، حيث لا أعمدة تحمل كاميرات مراقبة ولا أجهزة تنصت، ولا ارتباطات ولا علاقات بأفراد أو دول، الأهم من ذلك لا شيء لديك يستحق المراقبة والملاحقة، حينها فقط «ستحل» أجهزة التنصت والمراقبة عن ظهرك!
قمت قبل فترة باستبدال هاتفي النقال، وفوجئت بأن مئات الرسائل والصور، بكل خصوصيتها، والتي سبق أن وردتني على الإنترنت، هاتفيا أو على جهاز الكمبيوتر، من فايبر أو واتس آب أو انستغرام أو فيسبوك وغيرها من صور ورسائل نصية او افلام، لا تزال مخزنة في ذلك الهاتف اللعين، بالرغم من أنها ليست في صندوق البريد، وتطلب الأمر بالتالي قضائي ساعات وأنا ازيل تلك الصور والرسائل واحدة واحدة، وحتى الآن، لست على ثقة بأنني تخلصت من كل شيء، فمن الصعوبة بمكان إزالة كل شيء، بشكل مطلق، من «فضاء الإنترنت». والإزالة صالحة لتلك اللحظة فقط، فتخزين المشطوب سيبدأ بعدها مباشرة وهكذا!
ليس هذا مهما بالنسبة لي شخصيا، فليس لدي اسرار أخاف أن تنكشف، ولكني أكتب لمن يعتقد أن مجرد شطب صورة أو رسالة من الهاتف الذكي أو الكمبيوتر يعني أنها محيت تماما، فالحقيقة غير ذلك، وهواتفنا ذكية لأن جهلنا بكيفية استخدامها ومعرفة مدى خطورتها يجعلنا غير أذكياء، فول ستوب!
أحمد الصراف