مازالت الأسئلة التي اعتدت سماعها، في كثير من الديوانيات، “هيّه هيّه”، والأجوبة “هيّه هيّه”: “لماذا لا تنتقد المعارضة؟ لماذا تتعامل معها كأنها معصومة من الخطأ ومصونة عن النقد؟”… هذه الأسئلة، مع بعض التفصيل، أحياها مغرد في “تويتر”، وإجابتي عنها كالتالي: متابعة قراءة أخطاء المعارضة
اليوم: 15 مايو، 2014
الذات القلقة الغاضبة
بينما تقود سيارتك رابطاً حزام الأمان وتسير بالسرعة التي حددها القانون، يلتف عليك فجأة شاب مهووس بالسرعة قاطعاً الطريق عليك، تغضب، "تحرق دمك"، لكن ماذا يمكنك أن تفعل غير صب اللعنات على هكذا حال. تذهب إلى دائرة حكومية لإنجاز معاملة ما فلا تستطيع إنهاءها، فالأوراق المطلوبة ناقصة أو المسؤول متغيب أو مشغول، ولا نهاية للأعذار. تعود للمنزل تجالس الوحدة والملل، فشريك حياتك كتلة من لحم وعظام شكلها الجهل لا يعرف غير أن يسكب الزيت على نار وحدتك، وتسحبك ذكريات إلى عالم ضيق داكن يضج بالأسى تطرق نواقيس الذكرى لحظات جميلة طويت عن أصدقاء أو أقرباء رحلوا إلى عالم الموت، لن يعودوا ولن يعود ذلك الزمن الجميل، هو الزمن الآن الذي يحرق بكل لحظة صفحات حزينة من عمرك… قلق، ملل، أسى غضب حزن ما العمل…؟! لا شيء.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وقبل أن تغرق الأسواق في أدبيات كتب "العون الذاتي" أو "سلف هلب". وضعت الطبيبة الأسترالية د. كلير ويكس كتابها بعنوان "نهاية المعاناة النفسية" (ترجمتي للعنوان)، قرأت، قبل هذا الكتاب وبعده، كتباً كثيرة في هذا الموضوع، إلا أن كتاب د. كلير يظل الأعمق والأفضل برأيي، رغم أن مؤلفته ليست مختصة بعلم النفس والأعصاب. عند د. كلير، عندما يضيق صدرك، لأي سبب مما سبق، لا تصارعها وتخنق روحك بلوم القدر ومن رمى بك لهذا الحظ التعس، اركب الموجة، اطف فوقها، ودع الزمن العكر للزمن ذاته، فستمضي تلك اللحظات التعسة مثلما مضت غيرها. عند د. كلير هناك خوف من القادم، نسميه "القلق"، وهو أمر طبيعي، غير الطبيعي أن تخاف من الخوف، أي تقلق من القلق، فتصاب بالوسواس، تتملكك فكرة سوداء مرعبة، لا تستطيع الفكاك منها، يحدث هذا لسبب خارج عن إرادتك، أو لعلك شديد الحساسية لأي حدث، هناك هشاشة روحية في الذات، هل تهرب للمسكنات أو المخدرات؟ هذا هروب لحظي مؤقت، وستعود لما كنت عليه بحالة أسوأ، خذ حذرك كي لا تقع في مصيدة الدوران في تلك الحلقة المفرغة من التردد والحيرة، دع الأمور على حالها، لا تصارعها، تعلم أن تتقبل هذه الحياة بمرها وحلوها، تعلم فلسفة القبول، قبول القلق والحزن، وتذكر أن العناد هنا سيحيلك إلى "سيزيف" آخر الذي يدفع الصخرة إلى أعلى الجبل لتتدحرج من جديد للأسفل، درب ذاتك على السمو فوق الحدث، فالذي يقلقك ويؤذي روحك الشقية هو "العادة"، فدرب ذاتك على عادة جديدة بالمران والتكرار.
يطل علينا الزميل ساجد العبدلي من نافذة مشابهة للدكتورة كلير، في كتابه الجديد "بصحبة كوب من الشاي"، ساجد طبيب صحة مهنية، مثلما هي كلير طبيبة، وليسا عالمين نفسيين، لكنه يجتهد في البحث ويمد يد العون للنفوس القلقة بمجموعة مقالات، أولها تلخص نظرته إلى الكتابة الصحافية حين يضع الفاصل الدقيق بين الكاتب الذي يبحث عن التألق والزهو، وهذا أمر طبيعي في النفس البشرية، وبين الكاتب الذي همه من الكتابة مجرد ملء فراغ بكلمات من غير معنى في الصحيفة، لإشباع ذات نرجسية وأنا متغطرسة، وهذا غير المقبول. ثم ينتقل ساجد في مقالات لاحقة ليلامس النفس القلقة، فأنت عندما تطفو فوق سبب الغضب أو الهم يعني أن "… يمارس الفرد فنون التطويف والتطنيش، وأن يتغاضى كثيراً ويتغابى أكثر مما يمر حوله، وليس هذا ضعفاً أو قلة حيلة؟.. بل هو قوة وتسيد للموقف…" مقالات عديدة في كتاب د. ساجد يلتقي فيها مع د. كلير في النصيحة الواعية للذات القلقة، ويجد لها أساساً علاجياً في حديث نبوي أو آية قرآنية، ولا يفوت الكاتب نقد التدين الملوث الذي يقتصر على ممارسة الطقوس الدينية المظهرية والمزايدة عليها مع غياب البعد الروحي للدين، فالدين عند ساجد "حالة روحانية داخلية في المقام الأول، وبعد ذلك حالة أخلاقية سلوكية. وأخيراً ملامح مظهرية…" عدد وافر من لمحات خاطفة في كتاب "كوب من الشاي" علها تكون عوناً للروح القلقة. يبقى هناك الكثير للكلام في معنى القلق، والفرق بين القلق الإنساني الفلسفي، والقلق العادي الذي يصاحبنا في أمورنا اليومية، وليس هذا موضوع المقال الآن.
العائلة النووية وأبناؤها
يعود استخدام تعبير أو وصف «العائلة النووية»
The nuclear family للربع الأول من القرن الماضي، ويقصد به الأسرة المكونة من أب وام، وابناء يتحدرون من صلبهم المشترك، وهي الحالة السائدة في العالم أجمع، باعتبارها الوضع الأكثر مثالية.
تقابل العائلة النووية النموذجية أوضاع أخرى أقل انتشاراً، وهي العائلة ذات الأب فقط أو الأم مع أبناء أي طرف منهما، إن نتيجة زواج سابق أو وفاة أحد الوالدين. وهناك العائلة التي يتزوج فيها الرجل بأكثر من زوجة، أو تكون للزوجين، المرأة أو الرجل، أو لأحدهما، ابناء من زواج سابق. ولبعض علماء الاجتماع آراء أخرى فيما يتعلق بتحديد ما «العائلة النووية». ويعتقد أن للكنيسة والحكومات الأوتوقراطية في القرن السابع عشر دوراً في ترسيخ مفهوم العائلة النووية. كما ساعدت الثورة الصناعية والرأسمالية الحديثة في تقوية مفهوم العائلة النووية باعتبارها الأكثر فائدة للاقتصاد، وللتضامن الاجتماعي.
والحديث عن العائلة يجرنا للحديث عن الأبناء، حيث أصبح الكثيرون يبدون قلقا متزايدا على مصير أبنائهم، مع تزايد مخاطر الحياة وزيادة التحديات أمامهم. ولكن من الأفضل ألا نقلق كثيرا على ابنائنا، لكي لا يستحوذ ذلك القلق علينا ويتعبنا، فدورنا كوالدين هو أن نحب أبناءنا ونعتني بصحتهم النفسية والجسدية والعقلية من دون أن نفني انفسنا بهم.
كما يجب ألا نتوقع الكثير من ابنائنا، وأنا شخصيا أؤمن بذلك، وسيقرأ ابنائي هذا الكلام. فعلينا تربيتهم بأفضل ما يمكن ونستوعب، وأن نبين لهم ما يعنيه الإنسان الصالح بالتصرف وليس بالكلام فقط. وبالتالي من الخطأ، عندما نكبر، أن نغضب لعدم وجودهم بجانبنا لكي يعتنوا بنا، أو أن نصف غيابهم عنا بالجحود، فالحقيقة أنه لم يكن بيننا يوما اتفاق مكتوب أو ضمني ينص على قيام طرف بالاعتناء بالطرف الآخر وهو صغير، ليقوم هذا بالاعتناء بالطرف الأول في كبره، فمثل هذه المحبة والعناية لا تأتي عنوة، فليس أثقل على القلب من أن يجد الواحد منا ابنه او ابنته تقف في كبره بجانبه لترعاه ويعلم يقينا أنها مجبرة، وليس لأنها تحب القيام بذلك من تلقاء نفسها. ولو كان الوالدان يحبان أبناءهما بالفعل، ومن دون غرض، كما يدعي الجميع تقريبا، لما توقعا مقابل محبتهما شيئا! كما عليهما تقدير ظروف ابنائهم، فهم أيضا لهم حياتهم والتزاماتهم الوظيفية والاجتماعية التي تدفعهم للبعد عنا.
كما أنني شخصيا أؤمن بأن علينا كوالدين واجب الاعتناء ماديا، وفق إمكاناتنا، بأبنائنا، ونحن على قيد الحياة ومعاملتهم بصورة متساوية، بصرف النظر عن الجنس أو العمر، ومحاولة توزيع ما لدينا من ثروات عليهم قبل أن نغادر الحياة، وذلك لكي يستمتعوا بما كسبنا ونحن أحياء معهم، وهم في عز شبابهم، وليس بعد أن نموت ويكبروا هم، فليس هناك ما هو أكثر مدعاة للحسرة من الشعور بأن الابناء ينتظرون موت الآباء ليستمتعوا بثرواتهم. وقد قمت شخصيا بتوريث ابنائي الكثير، وجار العمل بما تبقى، مع تقدمي في العمر.
أحمد الصراف