«فرض ضرائب.. ترشيد الدعم والزيادات.. تشجيع القطاع الخاص».. وغيرها الكثير من الأفكار الرائعة التي رسمها البنك الدولي.. وأيدها توني بلير.. وأسهبت فيها «ماكينزي».. هي أفكار تتوافق مع المبادئ الصحيحة لعلم الاقتصاد الذي نعلمه طلبتنا في الجامعة.
لكن اليوم، أنا على استعداد لرمي هذا العلم في سلة المهملات، وأن أقول: «أعطوا الناس علاوات.. وزيدوا رواتبهم.. وأغدقوا عليهم من المنح والامتيازات»!
في الثالث من أغسطس، قبل أربع وعشرين سنة، اتصل بي أخي الكبير وطلب مني ان أكون جاهزا مع بعض أخوتي لأنه سيقلنا بعد قليل.
ركبنا السيارة وانطلقنا الى جمعية كيفان. كانت هناك شاحنات يقف عندها عسكريون كويتيون بلباس مدني، وكانت الشاحنات مليئة بالأسلحة والمعدات العسكرية.. وينادي أحدهم: «منو يعرف يستخدم بازوكا؟»، ومن يرفع يده من الكويتيين الموجودين في ساحة الجمعية، يحصل على «بازوكا»!
أذكر جيدا أننا عدنا للبيت في ذلك اليوم، وفي حوزتنا: قنابل يدوية، ومسدسات «ماغنوم»، وأقنعة للكيماوي، وشنطة «سامسونايت» مزودة بمسدس وتستخدم للاغتيالات، ورشاش «استقلال» مع أحزمة من الطلقات!
لم نكن نعرف كيف نستخدم هذه الأسلحة على الاطلاق، لكن الجيش الكويتي ارتأى ان توزيع هذه الأسلحة على المدنيين الكويتيين أفضل ألف مرة من ان تقع في يد الغزاة العراقيين.
ومثل هذا الأمر حدث مع الجمعيات التعاونية، فقد أخذت بتوزيع مخزونها، بمساعدة شباب متطوع، على العائلات الكويتية. ومع علم الجمعيات بأن الكثير من الأطعمة سيفسد لعدم وجود ما يكفي من مساحات التخزين أو الثلاجات داخل البيوت، الا ان وجود هذه الأطعمة على موائد الكويتيين، مهما بلغ الهدر والاسراف في تناولها، أفضل بكثير من ان تصبح مؤونة للقوات العراقية.
واذا كان الجيش العراقي قد هُزم شر هزيمة واندحر، فاننا اليوم نواجه خطرا من نوع جديد.. خطر «العراقيون الجدد»! وهم مجموعة قليلة من التجار والمتنفذين «الكويتيين»، يلبسون مثلنا ويتكلمون بلساننا، لكنهم يحملون في نفوسهم الجشع والطمع، الذي حمله صدام حسين، لنهب ثروات الكويت ومقدراتها.
نعم.. هناك هدر كبير من المواطنين في استخدام مرافق وخدمات الدولة، وهناك دعم وزيادات تثقل كاهل الميزانية.. لكن هذا كله لا يقارن بـ«النهب» المنظم الذي يقوم به هؤلاء التجار، بمساعدة متنفذين من «علية القوم»!.. وهو ما دعا السفيرة الأمريكية السابقة، ديبورا جونز لأن تقول: «الكويت لن تبقى لسنة 2020.. لأن القائمين عليها وأعيان البلد مشغولون بنهب ثرواتها وكأنها دولة مؤقتة»! ولعل هذا يفسر عدم وجود رغبة حقيقية في التنمية، وجمود المشاريع الكبرى في البلد، واقتصار معظم المصروفات، من الميزانية العامة للدولة، على شراء ولاءات.. وترضيات سياسية!
ولذا فان المسألة ليست هدرا وأننا على حافة افلاس وقرب انتهاء دولة الرفاه.. كما صرح سمو رئيس مجلس الوزراء، لا فض فوه، ولا نام حاسدوه. وانما المشكلة الحقيقية هي أنه اذا استجاب المواطنون لدعوة الحكومة، ووفرنا هذه الفلوس من الميزانية العامة.. فـ«سيلهفها» الكبار، من خلال مناقصات ورقية، أو غرامات مليارية مدبرة، أو وعود كاذبة بالانجاز.. ولن يبقى من هذه الأموال شيء للكويت، ولا للأجيال القادمة!..
ولهذا فنحن اليوم، ومن واقع ما يجري حولنا، ننادي بتوزيع جزء أكبر من الثروة على المواطنين الكويتيين «حتى لو بتخلص الفلوس، ولا ان تنتهي ببطون.. العراقيين الجدد»!
٭٭٭
سمردحة: الشعب أولى.. والا المتعوس وخايب الرجا؟
– تنويه: تشبيهنا هو للعراقيين الذين نسوا أفضال الكويت وخانوا حق الجار.. وليس للعراقيين الشرفاء الذين كان ولايزال العراق تزخر بهم.