الشيء الوحيد الذي لم أفعله هو تعليق باجه على صدري مكتوب فيها “لست سياسياً، أنا كاتب رأي… عليّ الطلاق”. الأوضاع “بنت الذين” هي التي شدّتني من ياقة قميصي إلى معركة السياسة، حيث الغبار والصخب، وحيث الفساد والفشل.
ولو كانت الكويت سليمة معافاة، ولو لم تتزاحم الأمراض في جسدها، ما كنت اقتربت من السياسة، ولا من الساسة، إلا من باب الفرجة من بعيد. فكتاب الرأي، خصوصاً “الحكواتيين”، وهي الفئة التي أحمل عضويتها، لا يدّعي أعضاؤها أن مقالاتهم تحليلية ولا يزعمون أنها علمية، بل يتحدثون عما يحيط بهم، وما يشعرون به. وشاءت الأقدار أن ما يحيط بي “همّ وغم وفساد وفسّاد وتضحيات وعطاءات”، فكتب قلمي.
وأتذكر ما قرأته عن الزملاء الإعلاميين الغرناطيين والقرطبيين، رحمهم الله، الشعراء منهم والأدباء، أيام مجد العرب في الأندلس، كان كل منهم يتبطح عند جدول ماء دلوع، أو بالقرب من ينبوع، أو تحت جبل يغتسل بشلال، فتتطاير قطرات الماء على ثياب شاعرنا فتبلله وتدللـه، فتمرّ صبية شقية إلى جانبه، ينسدل شعرها على صدرها، ولثقل العجز تسمع أنين خصرها، وتتنافس الشمس مع نحرها، ويغار الكرز من ثغرها… فيسكر صاحبنا بلا خمرة، ويحترق كطيبٍ على جمرة، فيتدفق إبداعاً، ويتمايل المجتمع استمتاعاً.
كانت الصبية قضيته، والغزل مهمته، لكن بعد تقاتل الطوائف في أطراف الأندلس ونواحيها، انقلب الشعراء إلى سياسيين، وراح بعضهم يهاجم المجتمع، وينتقد، ويشتم، ووو… لم تعد الصبية ملهمة، ولا شعرها مغرياً، ولم يعد أنين خصرها يُسمع.
فيا أيها السادة، لست من أحفاد نيرون، تحترق روما وهو يعزف ألحاناً. وما تسمونه “كتابات سياسية”، أسميه أنا “آهات وطنية”. ودمتم.