الصورة من حولنا ممتلئة بالتحولات والصراعات: عنف وغضب. احتجاج ومطالبات. وحيث لا نجد عنفا هناك تخوف من أن يقع هذا العنف بين يوم وليلة. لقد عم الارتباك وأحياناً الهلع النظام العربي برمته، ولهذا بالتحديد أصبح ما يعرف بالحرب على الإرهاب شعاراً مرفوعاً في أكثر من مكان، إذ يذكر هذا الشعار بما أعلنه الرئيس السابق جورج بوش في حربه على الإرهاب، فبعد سنوات من الحرب لا تنظيم «القاعدة» هُزم، بل عاد أكثر قوة في العراق واليمن وأماكن أخرى، ولا المنظور الأميركي لكل من العراق وأفغانستان تحقق، بل انتهت الولايات المتحدة إلى حالة تراجع وبعض من الانكفاء. الحرب على الإرهاب التي يشنها النظام العربي بالصورة الراهنة لا منتصر فيها طالما بقي الاحتكار السياسي الاقتصادي والحزب الأوحد والمرشح الواحد والسلطة التي لا تُسأل. ويحق لقوى عدة في المجتمع العربي أن تقلق نتيجة غياب الأمن والاستقرار، إلا أن الناس ستقلق حتماً نتيجة ارتفاع نسب البطالة والفقر وتراجع وضع الطبقة الوسطى وتآكل العدالة وانتشار الفساد وسيطرة الرؤى الأمنية والعسكرية والمصالح الضيقة على الدول. إن مقايضة الاستقرار بالموافقة على تردي الأجهزة والاقتصاد والحقوق والحريات لن يصمد في المستقبل… فالمسائل التي أثارها الربيع العربي تبقى مفتوحة على مصراعيها على مدار هذا العقد الطويل الشائك. متابعة قراءة الإرهاب: القصة القديمة المتجددة!
اليوم: 10 أبريل، 2014
أين الحقيقة في شفرة دافينشي الكويتية؟
أين الحقيقة في اتهام التسجيل الصوتي أو الضوئي الذي تقدم بالبلاغ عنه رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي للنيابة العامة؟ وهل ما ورد فيه يشكل وقائع حدثت تشي عن مشروع تآمر ومؤامرات ضد بعض كبار الشيوخ، وإزاحة بعضهم ليحل غيرهم، وبالتالي فمثل تلك الوقائع تمثل وجهاً من الوجوه المتعددة في الصراع على السلطة؟ أم إن الموضوع حبكة درامية ومؤامرة مقابلة لكيل تهم وإشاعات بغرض تصفية حسابات قديمة بين أقطاب في السلطة والمال، ولا تمت للحقيقة بصلة؟ أين الحقيقة في موضوع حدث اليوم في عالم الفراغ السياسي والملل الكويتيين؟!
من يفكك شفرة دافينشي الكويتية بعد شهادة الشيخ أحمد الفهد أمام النيابة؟ وهو من ينقل عنه من مصادر أخبار وكالة أنباء "يقولون" الكويتية أنه هو العالم "بالبير وغطاه"، وأرادها "طرباً وصارت نشباً"، حتى الآن، والمستقبل مفتوح للاحتمالات. أقصد أياً من الاحتمالين الطرب أو النشب.
أين الحقيقة في مثل هذا الواقع السياسي لدولة يزعم منظرو سلطتها أنها تحيا ديمقراطية رائعة و"شفافية" أروع في القضايا العامة بدليل أن النيابة العامة كجهة محايدة تحقق في اتهامات شفرة دافينشي، فلا أحد فوق القانون؟! بمثل هذا التصور الذي روج له بقضايا سابقة كبيرة تتعلق بالفساد السياسي – المالي تم غلق ملفاتها لغياب الدليل المادي، ولأنها حكايات "سياسية" وتحويلها إلى قضايا قضائية يعد طريقة سهلة لطي ملفها للأبد، وهذا ما حدث وجرى التعامل به، أو، بشكل آخر شكلت له لجان تحقيق من الضالعين في العلم، لكي تنسى وتنام للأبد في الأدراج البيروقراطية.
مرة ثانية، لنعد لتساؤلات شريط دافينشي والبحث عن الحقيقة، وهل هذا يخص عائلة الحكم فقط وخلافات في "وجهات نظر" عند بعضهم، وحق هذا "البعض" في ممارسة حرية التعبير كمواطنين، أم إنها قضية شأن عام وهم وطني، فهؤلاء البعض من الشيوخ قد يصيرون حكام الغد (الموافقة الشعبية ليست شرط ضرورة بحكم الواقع وليس القانون) وما يحدث بينهم اليوم، سيكون مصائب الغد على رؤوس الناس…؟! وعلى ذلك، هل يصلح شريط دافينشي أن يكون بؤرة استقطاب للمعارضة لتعود تنبض بالحياة في الشارع العام، أم إنه لن يشكل شيئاً مهماً في أولويات المواطن اليوم؟! وهذا الأخير أقرب لواقعنا السياسي، كما أراه اليوم.
جمعيات الضباب
توجد في الكويت عشرات الجمعيات التي لا تنفع، ربما غير المشرفين عليها، فلا أنشطة ولا صوت، ومع مجالس الإدارة نفسها، وإن حدث التغيير فلمرض أو عجز أو موت، ويبقى الرئيس خالدا، وربما توضع جمعيات مثل «السلامة على الطرق»، و«الصحافيين»، وغيرها بين هذه الجهات، والتي انضم لركبها «جمعية الشفافية»، بعد أن اختار رئيسها ركوب رأسه ورفض ترك الجمعية، حتى بعد استقالة ما يقرب من نصف أعضاء مجلسها، وهو الذي اختار عدم الرد على ما أكتب عنه منذ سنوات، بخلاف رد أسهب فيه، من دون أن يقول شيئا. وأذكر أنني رفضت طلبه ادراج اسمي في كتاب الجمعية السنوي، «كتاب ضد الفساد»، بسبب خلل في طريقة اختيار الكتاب، حيث قال انه سيتضمن مقالات كل من كتب شيئا عن الفساد، ولو كان أكبر فاسد!
لقد آمنت منذ سنوات عدة بأن جمعية الشفافية تابعة لفكر جمعية الإصلاح، الذراع المحلية للتنظيم العالمي للإخوان. وزيارات ومشاركة عدد من كبار جمعية الإصلاح وإدارييها لمقر الشفافية والعمل في لجانها وأنشطتها أمر لا يخفى، ولكن كتاباتي بخصوص هذا الارتباط لم تلق آذانا صاغية من معظم أعضاء مجلس الإدارة، قبل استقالاتهم الأخيرة، ولا حتى من كوادر الجمعية النشطة، وفجأة ظهرت الحقيقة وتبينت التبعية، واعلنها من سبق أن دافعوا عن استقلالية للجمعية. وكان سعي رئيس الجمعية الى كسب دعم سمو رئيس الوزراء لأنشطة الجمعية واستخدام لقبه وسلطته في إضفاء الجدية و«الشرعية» على أعمال الجمعية وجوائزها، أمرا مستغربا. فمثل هذا الدعم المعنوي عادة ما يصاحبه دعم مادي، فكيف لجمعية تراقب أداء الحكومة، أن تقبل بدعم رئيسها لأعمال الجمعية ورعاية جوائزها، ومنها جائزة الكويت للشفافية، والتي وضعت لقياس الإصلاح والفساد في الجهات الحكومية؟
لقد جاء قرار وزارة الشؤون الأخير بتأجيل عقد الجمعية العمومية للشفافية مؤشرا ربما على وجود خلل كبير، ولو كنت مكان رئيس الجمعية لقدمت استقالتي فورا! فقد كان غريبا منه، أو العكس، الدعوة لفتح باب الترشيح لمجلس جديد، قبل الدعوة لجمعية عمومية، وهو الأمر الذي تسبب ضمن أمور أخرى، لاستقالة رئيس مركز الشفافية للمعلومات، وأحد كبار مؤسسي الجمعية، هذا غير ما اثير في الصحافة وغيرها من تضارب مصالح بعض القائمين على مؤشر مدركات الاصلاح، ورفض قبول اشتراكات أعضاء مناوئين لتوجهات رئيس الجمعية، وانكشاف حصول بعض جهات حكومية على جائزة الجمعية، وهي مدانة من قبل ديوان المحاسبة. كما ظهر أن أغلب من يعملون في الجمعية كاستشاريين ومحكمين يعملون في الوقت نفسه في الجهات الحكومية نفسها أو غيرها.
أحمد الصراف