شامخاً كعادته، وإن كان يُخفي في صدره كثيراً من الألم والمرارة. هو قائد المقاومة الكويتية في اللحظات الحالكة السواد، في لحظات جفاف الريق، أيام الاحتلال العراقي للكويت. لا يعرف من العسكرية ما يسد به رمقه، لم يتدرب عليها، ولا تؤهله بنيته الجسمانية لتحمل السجن والتعذيب و”المزع”، ولم تتدرب أذنه على تحمل شتائم برزان التكريتي وجلاوزته، إنما كان أستاذاً للمرجلة والوطنية، معتاداً على التضحية والعطاء والصبر.
في رمشة عين، انتقل الفجي من خانة “المقربين” من صدام حسين. حيث استقبله مراراً، كما تشي الصور، واستقبل أفراد أسرته، وحمل صدام أطفاله، وداعبهم، أيضاً بحسب الصور وأخبار الصحافة… انتقل إلى خانة “المطلوب القبض عليهم”، فاستُبدل اسمه من “البطل العربي محمد الفجي” بـ”المجرم الخائن محمد الفجي”، وتحول من “مكرم” إلى “مطلوب”. شكراً.
في الثمانينيات، والحرب العراقية الإيرانية تحتفل وتحتفي بحرق المدن، وتفجير التجمعات، وإسقاط الضحايا العسكريين والمدنين، والعراق يختنق، كان الفجي موجوداً، أو بالأحرى كانت سيارات الفجي الكبرى المخصصة للنقل، وآلياته، وأمواله، وشبكة علاقاته، موجودة، تحت إمرة الجيش العراقي، الذي سيحمي البوابة الشرقية، والذي استدارت محركاته لاحقاً باتجاه الجنوب لعطلٍ أصاب بوصلته.
في الأيام تلك، كان الفجي “واسطة” كل الكويتيين والخليجيين الذين تعرضوا لمشاكل في العراق؛ أهل القنص، وتجار العقار، والسواح، وغيرهم، كانوا يلجأون إليه، بعد الله، لنجدتهم، وكان يفعل.
وإذا كان الاقتصاديون يقولون “رأس المال جبان”، والخليجيون يقولون: “المال عديل الروح”، فإن الفجي قد ردد خلف ذاك الشاعر “ملعون أبو المال”، وأضاف “في سبيل أهلي ووطني”، عندما صعقه الغزو والغدر، فقرر بدء مرحلة المقاومة، رغم وجود كل أمواله وآلياته في العراق.
واستمر مع كوكبة من أبطال الكويت في زعزعة ثقة الغازي بنفسه، فسقط بعضهم شهيداً، وتم القبض على بعضهم، ونجا قلة. وكان الفجي من بين المقبوض عليهم. وأُرسل إلى برزان التكريتي. أهلاً وسهلاً.
قررنا استضافة البطل محمد الفجي في برنامج “توك شوك”، لنغسل كبود عشاق هذا البلد مما لحق بها من أوحال التجاهل الرسمي الطويل، الذي امتد لثلاث وعشرين سنة، لهؤلاء الأبطال. قررنا أن نستمع إليه، أن نشاهده، وهو يروي تفاصيل ما حدث من مفاخر ومآسٍ ولحظات رعب ولحظات وفاء، في حلقتين تلفزيونيتين.