كان الله في عون أهل القلوب الطيبة من أبناء منطقة الخليج العربي، ولنقل أبناء العالم العربي والإسلامي من الدعاة والمشايخ الأفاضل والمفكرين والمثقفين والناشطين والكتاب والإعلاميين، بل وبسطاء الناس المخلصين الذين يحاولون العمل وفق ما أوتوا من قدرة لمواجهة ذلك الغول الذي يسمنه أقطاب العداء للحياة وللسلم وللمحبة… غول الطائفية.
هذه النماذج الرائعة الكريمة، تتعرض للتنكيل والاستهداف لا لشيء إلا لأنها ترفض كل ممارسة وفكر وسلوك طائفي، وهذه الضربات تأتي بالتأكيد ممن يعملون ليل نهار لتمزيق المجتمع الإسلامي بالطائفية، فقد تيسر لأولئك «الوحوش» المال والإعلام والدعم ليقوموا بدورهم على أكمل وجه! وقد تفننوا في ذلك كثيراً إلى درجة أن هناك موضةً خبيثةً بدأت في الانتشار في مجتمعاتنا، ليس على مستوى الخطابة والإعلام والصحافة ومناصب التطبيل، بل حتى على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي. قد تجد نكرةً من جراثيم الطائفية وقد استل سيفه باحثاً عن «من يدهن سيره»، ويملأ ركابه فضةً أو ذهباً، عندما يغرد ويكتب وينتج أفلاماً وينشيء المواقع الإلكترونية بهدف واحد يريد به وجه الله سبحانه وتعالى ألا هو: «إشعال نار الفتنة والصدام والتناحر المذهبي»، ولا تستغربوا حين يفعل ذلك ثم يرفع حنجرته الكريهة بالتكبير.
هناك في المقابل، بضع أفكار يسيرة من أصحاب القلوب الطيبة الذين يبذلون كل ما أوتوا من جهدٍ لمحاربة داء الطائفية، لاسيّما على مستوى منطقة الخليج العربي، وقد كان لي الشرف أن أكون واحداً ممن دعموا حملة «الطائفية مستقبل أسود» التي ابتكرتها ونفذتها مؤسسة «قيثارة» للإنتاج والتوزيع الفني.
كانت فكرة الشباب تقوم على أساس التصدي للحملات الطائفية المغرضة التي نشطت فضائيات ومواقع الكترونية وحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد في تأجيجها وتسميم المجتمع الإسلامي بها. وهذا الأمر لم يكن مريحاً بالنسبة لفنانين خليجيين صادقين من الطائفتين الكريمتين. كانوا يراقبون ذلك المد المتصاعد بقذارةٍ لا مثيل لها، مدعوماً من لحى وبشوت خبيثة، ومن فضائيات ومواقع الكترونية، ومن مصادر أموال مصبوغة بالدناءة، فنهضت بضعة أفكار على أيدي شباب خليجيين لإنتاج الأفلام القصيرة والمقاطع الترويجية التي تنادي بمحاربة الفكر الطائفي المريض، من خلال مخاطبة العقول والضمائر.
على مدى دقيقة و39 ثانية، انتشرت الحلقة الأولى من الحملة (الطائفية مستقبل أسود)، وقد كتبت عنها تقريراً مفصلاً حال بثها، وأذكر القاريء الكريم بمضمون ذلك الفيلم القصير الرائع الذي وقعت عليه عيون مئات الآلاف ويتغلغل إلى عقولهم قبل وجدانهم… ففي ذلك المشهد، يبدو اثنان من الأصدقاء من الطائفتين الكريمتين، تسبقهما مشاهد تحريض وتأجيج وقتل وإرهاب وعنصرية تبثها القنوات الطائفية، ما تلبث أن تعكس أثرها الصدامي بين الاثنين فيبدآن بالتشابك بالأيدي إلى حد التقاتل وإدماء الرؤوس والأجساد، وتحطيم الصورة التذكارية التي تمثل العلاقة الجميلة بينهما.
ينظر كل منهما إلى الآخر وهو يلهث في حالة غضب مؤجج إلى أعلى حد، ثم تهدأ النفوس، ويجلس الإثنان ليشاهدا مباراة في كرة قدم وهما في غاية الانسجام والمحبة، ضمن فاصل على الشاشة، تظهر عبارة: «أيها السني، إن الشيعة الروافض هم العدو الأول للسنة»، فينظر السني إلى صديقه الشيعي بريبة، وكذلك الحال حين تختفي تلك العبارة وتظهر عبارة آخرى تقول: «أيها الشيعي، إن السنة النواصب هم العدو الأول للشيعة»، فيتبادل الصديقان نظرةً حادةً، ويعودان للصراع والتشابك من جديد في الوقت الذي تبث فيه الشاشة مشاهد التفجيرات والإرهاب والمسلحين، حتى تصبح الغرفة التي تجمع الاثنين وكأنها ساحة حرب. تضطرب الغرفة بما فيها وتهتز إلى أن يتحرك الرف الذي يحمل القرآن الكريم، وقبل سقوط كتاب الله المقدس على الأرض، يهرع الإثنان للإمساك به، وينتهي المشهد بمسك المصحف من الطرفين حفاظاً عليه وتظهر عبارة: «الطائفية مستقبل أسود… ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا».
حسناً… جميل ذلك العمل دون ريب، لكن لدي سؤال أوجهه إلى المسئولين في تلفزيونات دول مجلس التعاون وملاك الفضائيات، ألا يستحق هذا الجهد الجميل، وبإمكانيات محدودة من هؤلاء الفنانين، أن تقدّموا لهم الدعم والمساندة من جهة، وتتبنوا أعمالهم وتشجعوهم على تنفيذ المزيد منها من جهة ثانية؟
على أية حال، نودّ أن نرفع كل الشكر والتقدير إلى فريق العمل من الفنانين والكتاب والفنيين: الممثلان عبدالرحمن بودي، مراد أبو السعود، موسى ثنيان وفاضل الشعلة اللذين كتبا السيناريو، أحمد الجارودي (التصوير والمونتاج)، ميثم البحراني (الإضاءة)، مهدي الجصاص (المكياج)، ونرفع صوتنا معكم أيضاً: «لا مكان للطائفيين الذين يريدون أن يجعلوا مستقبلنا أسود، بتآمرهم مع أعداء الأمة الإسلامية وخصوصاً الصهاينة وما يحيكونه في مؤتمراتهم من مؤامرات، يفسح لها الطائفيون المجال وينفذونها من أجل وزن ثقيل من المال، ووزر ثقيل من العار».