صحيح أنَّ التوجه الليبرالي يسعى جاهداً لتغيير كثير من العادات المحافظة وطمس التقاليد الإسلامية للمجتمع الكويتي، وقد نجح، إلى حد ما، في إدخال بعض مظاهر التغريب إلى البلد، وما زال جاهداً يسعى إلى تحويل المجتمع المسلم المحافظ إلى مجتمع تغلب عليه العادات والتقاليد الغربية، مستعيناً بآلة الإعلام الضخمة التي يملك كل خيوطها، من صحف يومية وقنوات فضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن مع هذا يجد مقاومة كبيرة من الغيورين على بلدهم ومستقبل أجيالهم من المنتمين إلى التيار الإسلامي ومن غيرهم من الكويتيين الذين تربوا على مكارم الإخلاق والذين شاهدوا ويشاهدون كل يوم نتائج هذا التغريب على الشباب المغرر به، وعلى الأسرة الكويتية والتفكك الذي أصابها! متابعة قراءة مستعجلين!
اليوم: 1 فبراير، 2014
عشاء الظلام
تأثرت كثيرا بنص ورد على الإنترنت منسوب لألوين منيسز من سنغافورة، يقول فيه انه دعي لحضور حفل عشاء في جمعية للمكفوفين، وأنه قَب.لها بعد تردد. وهناك وجد 40 مدعوا آخر. بدأ البرنامج بعرض فيلم يتعلق بأنشطة الجمعية وكيفية التعامل مع المكفوف، وكيف يعيش هؤلاء حياتهم. ثم قالت المشرفة ان الجميع سيقضي الساعتين التاليتين في ظلام دامس، وأن العشاء، المكون من خمسة أطباق، سيتم تناوله في صالة طعام مظلمة تماما، وان من سيقوم بالأخذ بأيدينا لأماكن جلوسنا وخدمتنا طوال ذلك الوقت، وتلبية كل احتياجاتنا، سيكونون جميعا من المكفوفين. أطفئت الأنوار، وأخبرتنا المشرفة بأن علينا أن نتخيل، ونحن نجلس على طاولة الطعام، أن الصحن الموجود أمامنا يمثل ساعة، وأن عند علامة رقم الساعة 3 توجد ملعقة، وعلى الجانب الآخر من الساعة، حيث الرقم 9 هناك شوكة، وعند الساعة 12 هناك ملعقة صغيرة، وعند الساعة 2 كأس ماء فارغة، وعند الساعة 6 توجد محرمة ورق. وقيل لنا ان هناك إبريقين سيمرران علينا، الإبريق ذو الجدار الأملس يحتوي على ماء، والآخر ذو الجدار الخشن يحتوي على عصير برتقال. وعندما نحدد اختيارنا، نقوم بسكب الماء أو العصير في الكأس الموضوعة عند الساعة 2، ولكي لا يفيض علينا وضع اصبع السبابة بداخله لنتلمس مستوى السائل.
بالرغم من أننا أجبنا جميعا بنعم، على سؤال المشرفة المتعلق بفهمنا لتعليماتها، إلا أن الارتباك سرعان ما طغى على تصرفات الجميع، واصبح كل واحد يسأل الآخر عن مكان الملعقة أو الشوكة. ويقول منيسز انهم امضوا ساعة ونصف الساعة من المتعة الحقيقية في صالة لا يمكن للواحد فيها من رؤية شيء حتى إصبعه، وان الجميع تناول طعاما لا يعرف لونه ولا شكله ولا مما يتكون حقيقة. ويقول ان المتطوعين المكفوفين قاموا بمهمة الإمساك بأيديهم وإجلاسهم على مقاعدهم بطريقة مميزة، من دون الاصطدام بشيء. كما قاموا بتقديم وجبة العشاء بطريقة دقيقة، ومن دون الوقوع في أي خطأ. وقال منيسز ان شعورا غريبا اكتنف الأربعين مشاركا، وهم يجربون قيام مكفوفين بإرشادهم والتحكم في تحركاتهم وخدمتهم على الطاولة، بدلا من أن يحدث العكس. وينهي منيسز تجربته بالقول ان المشرفة سألتهم، بعد انتهاء العشاء، إن كان الجميع قد تناول الأطباق الخمسة، حسب رغبته، أجاب الجميع بنعم، وعندما أشعلت الأنوار، تبين أن الدموع كانت تملأ مآقي الجميع، تقريبا، وهم يرون المكفوفين الثلاثة، الذين قاموا بذلك العمل الدقيق، يقفون أمامهم، ولم يكن بإمكان أحد غيرهم القيام به في ذلك الظلام الدامس!
وأعتقد شخصيا أن حياة الكفيف هي الأصعب من بين أقرانه ذوي الاحتياجات الخاصة، والأكثر مدعاة للألم، ومع هذا لا تعطيها مجتمعاتنا ما تستحق من اهمية، مقارنة مثلا بالعناية التي يلقاها السائل والمحروم وابن السبيل. والغريب في البشر أن من يصاب بزكام، او يتعرض لحادث مروري سخيف على استعداد لتخريب حياة كل من حوله، من دون أن يدرك كم هو سعيد، لأنه لا يشكو من متاعب بصرية أو غيرها!
أحمد الصراف
زار «الدوائر الحمراء»
كم هو عار كبير أن يؤسس بضع نفر من الناس المهووسين بالطائفية والكراهية موضة «الدوائر الحمراء» على مخالفيهم ثم يصبح المجتمع البحريني هو أكثر المجتمعات، مع شديد الأسف، ريادةً وتميزاً في هذا الفعل الشنيع؟
وكم هو خبيث ذلك السلوك الذي أصبح ملازماً لحفلات زار طائفية بغيضة، بل يمضي أصحابه ضمن نواياهم الخبيثة أيضاً في استمرار ذلك الفعل حتى لو كان هناك بصيص أمل، ولو بنسبةٍ ضئيلة، لإخراج البلد من أزمتها السياسية!
نقاشات كثيرة شهدتها المجالس والمنتديات واللقاءات على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، كان من بين ما ناقشته موضوع التفريق بين «السياسي» و«المذهبي»، إلا أن هذه النقاشات رغم عمق معالجتها من قبل سياسيين وناشطين ومثقفين في مجتمعنا، بقيت في دائرة «الدواويح الحمراء». بمعنى أن هناك نشوءًا لمنهج يقوم على أساس تخوين كل من يختلف مع أصحاب «زار الدوائر الحمراء» مهما كان موضوع الاختلاف، سياسياً أم مذهبياً!
ولهذا، تواصل جراثيم «الدواويح» عملها في مواقع الكترونية وحسابات تواصل اجتماعي لتستهدف كل من وضعته هي بمزاجها، في دائرة التخوين، وبالتالي، وفي وقت تحتاج فيه البلاد إلى العمل المخلص لإنهاء الأزمة السياسية، نجد أن البعض ابتكر بخبثه المعتاد، استهداف من يريد استهدافه تحت عناوين من قبيل: «حتى لا ننسى الخونة»، أو «هؤلاء هم من تريدون التحاور معهم». وقد تجد أسوأ من تلك العناوين من قبيل: «لن نترك الخونة في سلام»، وتتشارك جراثيم الدواويح الحمراء في حفلة الزار بتقديم تشكيلات من الصور في مسيرات واعتصامات وفعاليات وأكثرها بالطبع في دوار اللؤلؤة، تقاطع الفاروق، دوار الشهداء، دوار مجلس التعاون، وسمه ما شئت، ليعود الهوس لدى البعض بتدويح صور من وقع عليهم الاختيار، لتنهال بعدها عبارات التخوين والشتم والدعوات للقتل والدموية والقصاص والتسفير والتدمير.
ثمة ردة فعل مغايرة من جانب المستهدفين أنفسهم، يجدها البعض ردة فعل طبيعية ويجدها فريق آخر أنها «لا تناسب المرحلة والناس تريد تبريد الأجواء وتهيئة المجال للإنصاف والمصالحة»، لكن في كل الحالات، ولطالما أن هناك من يقبل القول بأن عالم المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي ما هو إلا عالم «افتراضي» تكثر فيه الأسماء المستعارة والنوايا المخبأة والأهداف المشبوهة، عليه أن يطبق هذا القول على من قام برد الفعل من خلال نشر صور وتغريدات ومواقف لأناس عرّضوه للضرر واتهموه وخوّنوه.
وفريق آخر أعاد تذكير الناس بتصريحات وتغريدات لمسئولين وسياسيين وناشطين أسهموا بدرجة كبيرة في تأجيج الاحتقان الطائفي وإحداث شرخ ليس من السهل علاجه، وصل إلى حد التكفير ودعوات القتل المسمومة بسلاح الدفاع عن الوطن، حتى أصبح جلياً لدى الكثير من المواطنين أن هناك فئة من المؤزّمين والطائفيين ممن ملأوا الدنيا صراخاً بدعوات حب الوطن، ما هم إلا تجار أزمات ولا يمكن أن يعيشوا في أجواء سلام وإنصاف وقانون وحقوق. بل ربما اهتزت أركانهم وشعروا بزلزال عنيف حينما يبصرون بأن حقوقاً بالمساواة والمواطنة ستشمل كل المواطنين، ولو فرضاً وتخميناً، فتكون ردة فعلهم إطلاق ذات النيران المدمرة التي تحذر من «الخونة» و»المتآمرين» على حد زعمهم، وإنهم لم ولن يقبلوا بحوار أو تفاهم أو حلول يشارك فيها أولئك الأعداء العتيدون.
لا بأس… من الممكن تجاوز مثل هذا العبث الصبياني في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وما لف لفها باعتباره من أعمال أصحاب البطولات «الكارتونية» من خفافيش الظلام، ومن المقبول أيضاً تجاوز بضع كتابات لعدد من الصحافيين والكتاب الذين تأسست أفكارهم على الصدام الطائفي فأصبحوا أسرى لهذا الطرح والمنهج، لكن أن يكون هناك سياسي أو ناشط أو شيخ دين أو برلماني، حالي أم سابق، ينتمي إلى تجمع أو ائتلاف أو جمعية، وربما يكون عضواً في حوارات ونقاشات ومرئيات، ويقف أمام الناس ليكرر مقولات من قبيل: «تحدّث إلى جماعتك الشيعة… لا علاقة لك بالمواطن السني»، فيما آخر يخطب صادحاً: «حذرنا من الإنقلابيين فلن نضع اليد معهم»، فإن هذه واحدة من النماذج التي تشير إلى تطوّر نمطية «الدواويح الحمراء» لتصبح منهجاً تأزيمياً يلزم إيقافه بالقانون… فهل ذلك ممكن؟
ليس الربط بين التحولات الإقليمية من حولنا ومدى الحاجة إلى إنهاء الأزمة سياسياً بالأمر المغفول عنه، لكن الأمر الأخطر المغفول عنه فعلاً هو أن يتحطم المجتمع البحريني على يد أصوات لا تريد للوطن خيراً ولا سلاماً. إنما تريد لتجارتها وحساباتها أن تتضاعف وتنتعش مع دوام الأزمات. هؤلاء هم من يجب أن توضع على صورهم الدوائر الحمراء وينالوا عقابهم إن كان في النية فعلاً إنقاذ البلد.