كل التهم تُلقى على كاهل الرجل، وكل المصائب يُضرب بها كاحل الرجل، فاندثار العشق بسبب الرجل، وضمور الحب بسبب الرجل، وانقراض الرومانسية بسبب الرجل، بينما الصبايا يا عيني مشغولات بالبكاء على زمن قيس وأيام روميو وقصائد نمر بن عدوان…
ويقول علماء الجريمة: “خلف كل جريمة فتش عن امرأة”، ويقول محمد الوشيحي ويؤيده المنطق: “خلف كل علاقة حب فاشلة تريث قبل أن تتهم الرجل”. فلو أن الصبايا هيأن ظروف العشق، كما فعلت ليلى وجولييت ووضحاء، لوجدن من شبان هذا الجيل مَن جنونه يفوق جنون قيس، وتفانيه يفوق تفاني روميو، ووفاؤه يفوق وفاء نمر بن عدوان.
ولولا عين الماء، ولولا أن الصبايا كن يقمن بدور “التانكر”، ما شاع ذكر قيس، ولو أن الصبايا هن من يجلبن الماء من البئر في هذه الأيام، ويتنقلن بهودج تحيط به الظباء، لرأين من العشق ما يكفيهن ويفيض. لكنهن لا يفعلن ذلك، ثم يأتين اليوم ليتباكين على عشق أيام زمان، وشهامة عشاق زمان.
ثم أسألكم بالله، هل رأيتم صبية تخرج في المطر والبرد من دون “جاكيت”؟ طبعاً لا، بل على العكس، ترتدي من الفراء ما يخجل الدببة! إذاً هي التي لم تفسح المجال لعاشقها بأن يخلع جاكيته ويلبسها إياه، ليتبلل هو، ويُلعن سنسفيله، وتشتعل نار حبٍّ شرارتها التضحية والإنفلونزا… وهل رأيتم صبية تحمل على رأسها قربة ماء، تبلل ثيابها، فتلتصق بجسدها، فيبكي العاشق إلى أن يبح صوته، ويقرضها الشعر قرضاً مبيناً؟ إذاً بربكم من هو السبب أيها المنصفون؟
وهل رأيتم شابة تسكن في غرفة لها شرفة تطل على بستان فراولة، كي يعزف لها العاشق ألحان الحب، فتستيقظ على ألحانه، وتهرول بعفوية إلى شرفتها وهي تُبعد شعرها عن عينيها، لتطل عليه بابتسامة بِكر وغنج يوصله إلى القبر، فيرمي إليها حبتي فراولة؟ طبعاً لا، وحتى لو كانت غرفتها لها شرفة، سيزرع أبوها الباذنجان والقرع، ولا يمكن للعاشق أن يرمي لحبيبته باذنجانة! أي غرام يبدأ بالباذنجان؟ إذاً هن وآباؤهن لم يهيئوا الأسباب… وهل رأيتم أو سمعتم عن صبية سمحت لعصابة بأن تختطفها وتخبئها في مربط خيل، كي تمنح العاشق الفرصة ليمتطي ظهر حصانه الأبيض، ويهجم على العصابة، فيجندلهم فرداً فرداً، قبل أن يفك القيد من معصميها، ويمد ذراع العشق إليها، ويردفها خلف ظهره، فتحتضنه من الخلف كي لا تقع، ويعود بها إلى الحي، وشعرها مرتكز خلفها لسرعة جري الحصان؟ طبعاً لا، إذاً لماذا يلمن الشبان وهن لم يجرّبن الاختطاف؟
سيداتي آنساتي، الغرام يبدأ منكن… فقبل أن تخرجن تحت المطر بلا جاكيتات، وقبل أن تجلبن المياه من البئر، وتختطفكن عصابة، وقبل أن يستبدل آباؤكم زراعة الباذنجان والبطاطس بالفراولة، أرجوكن لا تلمن العشاق في هذا الزمن… فالغرام، كما يقول الميكانيكيون: “سلّم واستلم”.