سامي النصف

أزمات متحركة و.. بلد واقف!

في مرحلة النهضة الكويتية كانت تجربتنا الديموقراطية هي القدوة الحسنة والمنار الحضاري لشعوب المنطقة الخليجية والعربية، هذه الأيام لم نعد نقرأ مديحا للمسار السياسي الكويتي، فقد توقفت الشعوب والساسة والمفكرون والكتّاب عن الإشادة أو الإشارة بعين الرضا لما يحدث لدينا واستبدل ذلك بالتحسر والتحذير من تكرار تجربتنا المتأزمة.

***

ومن بديهيات تطور الأمم التي يعلم بها الجميع، حقيقة انها اما تعيش أزمات سياسية متحركة وبلدان ساكنة لا تتقدم، او في المقابل تسكن وتتوقف الأزمات السياسية وتبدأ قاطرات البلدان بالتحرك السريع للمستقبل المشرق، ولا توجد تجربة واحدة في التاريخ عاشت خلالها الأمم في أزمات سياسية متلاحقة وارتفعت معها توازيا مؤشرات التنمية والرفاه فيها.

***

ان الكويت لم تحصد أمرا موجبا واحدا من الأزمات التي تلد أزمات، أو من الاستجوابات الكيدية التي تستهدف المسؤولين على «الهوية» والتي طورت محليا عبر حشد الأتباع والمتفرجين لملء المدرجات للصياح والتصفيق والتهليل، ثم أعطيت الطابع الكرنفالي فأصبح تقديم صحيفة الاستجواب يتم تحت فلاشات الكاميرات وكأنه فتح «قسطنطينية» أو استسلام أمتي اليابان والألمان في نهاية الحرب الكونية الثانية.

***

آخر محطة: (1) ترجم الفهم الصحيح لأداة الاستجواب الخيرة وانها وسيلة لا غاية بذاتها، إبان عصور النهضة والحكمة والتنمية والعقل، ان قام نائب باستجواب وزير في مكتبه بعيدا عن البحث عن الكاميرات والمانشيتات، فلما اقتنع بحسن المقاصد وعدم وجود المخالفات أعلن الغاء الاستجواب.

(2) وضمن ذلك الزمن الجميل، ذهل وتعب أحد الوزراء صحيا لكون المستوجب قد اتهمه بالتفريط في المال العام فسمح لوزير آخر بالرد عنه، كما قام الوكلاء والمهندسون في وزارته بالإجابة عن الأمور الفنية وتم ذلك بوجود كبار الخبراء الدستوريين والآباء المؤسسين للدستور الذين لا يستطيع أحد ان يزايد عليهم في فهمه ومقاصده الخيرة كونهم مَن كتبه.

 

 

حسن العيسى

مرة ثانية… ابدأوا بأنفسكم

هل هي مسألة وصفة من وصفات صندوق النقد المثيرة للمتاعب التي قد تتطور لأعمال عنف وشغب، وأحياناً ثورات كما يراها الكثيرون من أهل اليسار، أم أنها مجرد نصيحة "صادقة" للسلطة ولأهل الكويت، إما أن يأخذوا بها أو يرفضوها؟! ردود الفعل الشعبية، بصورة عامة، التي جاءت بعد تصريحات مديرة الصندوق عن ضرورة ضبط الدولة لباب الإنفاق على الأجور في المرفق الحكومي، ووقف الدعم لبعض السلع والخدمات… إلخ، جاءت رافضة لطرح الصندوق، ورأت فيه مجرد وصفة مكلفة يدفع ثمنها أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة ولا تمس الأغنياء، فمتوسطو الحال، هم الذين يلتحقون بالعمل الحكومي عادة، وهم من يعتمدون بدرجة كبيرة على الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وهم الأكثرية، وهم يرون أن أبواب العمل في القطاع الخاص (في الأغلب والأعم) مفصلة لأبناء أصحاب هذا القطاع بحكم وراثة الثروات ووراثة فرص العمل، كان ذلك الوجه الأول للعملة، أما الوجه الآخر فهو أنه لا يوجد في الحقيقة قطاع خاص حقيقي مستقل يمكنه أن يستوعب القادمين إلى سوق العمل، فهو تابع لإنفاق الدولة، وفي كل الأحوال لا يستطيع ذلك القطاع أن يجاري الوظيفة الحكومية في كرم الرواتب، ولا أيضاً في "التسيب" الوظيفي.  
 هي دائرة مغلقة لا يمكن كسرها بتحليل أحادي يعتقد أصحابه أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة للواقع الكويتي الريعي، فلا يجوز النظر إلى الأمور من زاوية واحدة، أي قراءة رأي الصندوق على أنه وصفة طبقية تزيد من تعاسة البؤساء وتتناسى أصحاب الثراء، فالحديث ليس جديداً، بل مضى عليه عقود طويلة منذ التحرير قبل عشرين عاماً تقريباً، وهو حديث يترجم اليوم مسرحية "الكويت سنة 2000" القديمة لمَن يذكرها، والتي تتناول بأسلوب ساخر حال الكويت حين ينتهي عصر النفط، فليس صندوق النقد وحده من قرأ وحلل واقع الدولة، فعشرات ومئات المقالات تحدثت عن الأمر ذاته كتقارير الشال إلى آراء العديد من المختصين الاقتصاديين الذين نبهوا إلى خطورة الاعتماد على النفط كمصدر يتيم للدخل القومي، وحذّروا من تنامي باب النفقات العامة في باب الأجور والدفاع وغيرها من أبواب التبذير، فقد كانت نفقات الباب الأول "للمكاريد" وهو حصتهم من الثروة النفطية، وباب مخصصات الدفاع وأبواب المناقصات للمحظوظين من أهل اليسر، وهو حصتهم الوراثية، لكن، في كل الظروف، لم يستمع أحد من السلطة لأجراس الخطر التي تقرع، والتي نبهت مرات كثيرة إلى ضرورة الاستثمار في الإنسان بالتعليم الجيد وباحترام قيم العمل كخلاص وحيد لضمان مستقبل مجهول.
 المجهول لم يعد مجهولاً، فالدراسات في الخارج، والله أعلم، تتكلم بإسهاب عن النفط الحجري والغاز اللذين يكتشفان ويستخرجان في الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى سلعتنا الوحيدة. وفي الداخل، لم يعد الكلام عن البطالة، مهما كانت بسيطة، اليوم أمراً غير معروف، فهي تتزايد، والدولة تقر بعجزها عن استيعاب القادمين إلى سوق العمل الإداري، فهي تقر بأنه ليس عندنا غيره في إقطاعيات الورق والتواقيع والواسطات والمحسوبيات في التعيين والترزق من باب الوظيفة العامة.
 أي مشروع يقدم من السلطة، المنقسمة على نفسها والغارقة في خلافاتها، نحو إلغاء الدعم وزيادة الرسوم وربما فرض ضريبة تصاعدية، مع تقليص فرص العمل في الوظيفة العامة، سيكون كارثياً على أمن البلاد، حينئذ قد تفكر السلطة في إنهاء الحالة "شبه الديمقراطية" بالدولة ويصير الأمر حكماً مطلقاً مثل حال بقية الأشقاء، حتى يمكن أن تواجه عصياناً مستقبلياً، لا يتعلق هذه المرة بالصوت الواحد بالمجلس، بل بأرزاق الناس وقوت يومهم، و"قد" (الاحتمالية) تفكر السلطة في فتح أبواب الديمقراطية على مصاريعها وتقول للناس تحمّلوا مصيركم فلن أتحمله وحدي، وهذا مستبعد عن فكر الجماعة، لكن لا يمكن نفيه تماماً. وفي كل الأحوال، فبداية التحضير للغد "المعروف" هو، كما نكرر، أن تبدأ السلطة بنفسها وتشرع في إصلاح حالها، حتى يتقبل الناس فيما بعد ما يُطلَب منهم من تضحيات، وسيكون من الأفضل التحدث عن الشروع في إنهاء دولة الفساد قبل الحديث عن نهاية دولة الرفاه.
احمد الصراف

خدم ومعازيب

أظهر الشعب الياباني، خلال الكارثة النووية والبيئية التي ضربت بلادهم قبل سنوات قليلة، تضامنا اجتماعيا وتراحما فريدا من نوعه، وهو تصرف ليس ببعيد عن أخلاقيات شعب صنع المعجزات في مجالات عدة، ونجح في خلق أمة تنافس أكبر الدول الصناعية، وتصبح فوق ذلك قدوة لغيرها. وساعدها ثراؤها المادي والثقافي في التصرف بمنتهى الانسانية أثناء فترات الكوارث، وهذا ما لا يمكن توقع حدوثه مع شعوب كثيرة أخرى، أقل حظا منها.
تقول الصديقة «مارتين»، زوجة سفير هولندا في مانيلا، إنها عاشت تجربة العاصفة الهائلة التي ضربت الفلبين، ورأت مدى ما خلفته من دمار، وقالت إن المشكلة لا تكمن فقط في حجم الخسائر البشرية والمادية، بل في هاجس الخوف الدائم الذي يعيشه سكان آلاف الجزر الفلبينية عن موعد العاصفة التالية! فغالبية تلك الجزر تقع في ممر مئات العواصف العاتية، التي تأتي من الشرق، وبالتالي ستستمر ويلات هذه المنطقة الى الأبد. ويقول الصديق بنجامين إنه شعر بتأثر عميق، ليس فقط لما أصاب تلك المنطقة من كوارث، بل للتصرف الإنساني الذي بدر من اثنتين من العاملات معه، من سكان تلك المنطقة المنكوبة، فقد قام، وكل فرد من أسرته، بما يمليه عليهم الواجب في تقديم المساعدة لهما لإرسالها لأهاليهما، ولكنه عرف، مصادفة، أن المبالغ التي دفعوها لهما قد تم توزيعها على أهالي القرية التي تنتميان إليها، ولم يقتصر صرفها على عائلتيهما. وقال إنه لم يكن ليصدق لو لم يتصل به صديق مشترك ليخبره بمثل ما حصل معه مع خدمه. وختم اتصاله بالقول إن هؤلاء الذين نعتبرهم في قاع المجتمع، ونعاملهم وكأنهم أدنى مستوى منا، قد تصرّفوا بطريقة أكثر انسانية من الكثيرين! وطلب مني البحث في الموضوع، وهذا ما قمت به بالفعل وسؤال من يعملن لدي عن مدى استعدادهن لمشاركة آخرين، من أقرباء وجيران، في مبالغ المساعدات، فقلن بأنهن غالبا ما سيطلبن من أهاليهن مشاركة الآخرين بما جمعن من أموال ومساعدات عينية! وطبعا هذه ليست قاعدة، وإن كانت، فلها استثناءاتها! ولكن الجميل أن يصدر مثل هذا التصرف، أو ما يقاربه، ممن لا نهتم عادة بمشاعرهم، فهم في عيوننا خدم ونحن سادة، أو «معازيب»! ولكن هل حقا، كما ندّعي، نمتلك رحمة وكرماً أكثر منهم، كوننا أفضل الخلق؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

رئيس وزراء جديد

الذي  شاهد سمو الشيخ جابر المبارك في جلسة الاستجواب الأسبوع الماضي وكيفية تعامله مع الأحداث يشعر بأنه أمام رئيس وزراء جديد وشخصية جديدة لم نتعود عليها من سموه! فقد كان متحدثاً بجرأة غير مسبوقة وبنبرة تحد لم تُعرف عنه، وأكد هذه الشخصية الجديدة بالمؤتمر الصحفي الذي عقده مع رؤساء التحرير، حيث برزت فيه صفات قيادية مثل الحزم والإصرار والثقة بالنفس، وهي صفات مطلوبه في كل قيادي!
هذه الشخصية الجديدة لرئيس الوزراء ليس بالضرورة أن تكون إيجابية على صاحبها، بل من الممكن ان تكون نذير شؤم ودمار ان لم نحسن تسخيرها فيما ينفع البلد ويحافظ على ثوابته واركانه! فنيرون كان جبارا ومع هذا حرق روما، وهتلر كان عبقريا شجاعا ولكن تهوره دمر نصف الكرة الارضية، وسيئ الذكر صدام حسين لم تكن تنقصه الشجاعة والبلاغة ولكن كل هذه الصفات لم يسخرها هدام العراق لبناء بلده والمحافظة على أمنه، بل استخدمها لتدمير العراق العظيم وتقسيمه واحتلاله من قبل اعدائه! اذن، نحن في حاجة الى فهم للواقع وادراك لما تحتاجه الديرة اكثر من حاجتنا الى شخصية قوية وصاحبة قرار، ولكن اجتماع الاثنين امر لازم لاي نجاح وازدهار.
ولنأخذ مثلا ما حصل في جلسة استجواب النائب العدساني لسمو رئيس الحكومة، فبلا شك ولا ريب ان الاستجواب مملوء بالشبهات الدستورية، ولكن تصرف المجلس والحكومة في كيفية التعامل معه قلب السحر على الساحر، وجعل الحق بيد الجاني، وركّب المجني عليه اركان الجريمة! فالذي يقرر ان كان الاستجواب دستوريا من عدمه، اما المحكمة الدستورية بحكم دستوري تصدره هيئتها، وإما مجلس الامة بقرار بعد الاسترشاد برأي قانوني مدعم بالادلة والمسببات من اللجنة المختصة وهي التشريعية! ولو استغلت الحكومة الاغلبية التي بحوزتها لتمكنت من الوصول الى ما تريد من دون ان تُتهم بتجاوز الاعراف البرلمانية وتفريغ الأداة الدستورية من قيمتها الرقابية! ولكن الذي حدث هو سابقة برلمانية لو اصبحت عرفا لتم تحجيم الدور الرقابي لمجلس الامة، ولاصبح البرلمان في الكويت ذا صبغة استشارية اكثر منه برلمانا حقيقيا يمثل ارادة أمة..!
اذن، نتمنى من سمو الرئيس الذي اسعدنا بهذه الكاريزما الجديدة ان يسخر طاقته وقوته ونفوذه في المحافظة على الثوابت الدستورية المتعارف عليها، ومكتسبات الامة التي ما زلنا نتفاخر بها عند الآخرين! خصوصاً ان خصومه لن يألو جهداً في ازعاجه وتشويه أدائه، سعياً لانهاء حقبته بالفشل، واتمنى عليه ان يدرك ان خصومه لن يترددوا في تدمير البلد من اجل تشويه مسيرته، ولعل ما حصل بالامس من اثارة للفتنة الطائفية في بعض المناطق، ليؤكد ما ذكرته من انه يواجه خصماً لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً.
فلا يخسر الصديق الصدوق المخلص، وهو اصلا قد خسر العدو اللدود مسبقا! نظرة سريعة إلى احداث الفتنة الأخيرة والى من اوقد نارها وزاد من لهيبها سنعرف جميعا من يحركها وماذا يريد منها، فهل نستوعب الدرس؟!

سامي النصف

الاستجوابات الكيدية وتدمير البلد!

يروى ان الاستعمار عندما اضطر لمنح الاستقلال لبعض الدول العربية بداية القرن الماضي وجد ساسته ومفكروه ان أفضل وسيلة لتدمير تلك البلدان ومنع تطورها كي تبقى شديدة التبعية له هي استغلال المجالس البرلمانية لخلق أزمات سياسية متلاحقة تتسبب بالتبعية في التغيير السريع للحكومات، فمع كل رئيس وزراء أو كل وزير يستبدل يبدأ العمل من الصفر ويبقى حال البلد.. مكانك سر!

***

ومن يتابع مرحلة النهضة الكويتية التي استمرت منذ بداية الستينيات حتى ما بعد منتصف السبعينيات يجد أنها امتازت بندرة الاستجوابات (استجواب واحد 63، 64، 68، 74، 82.. الخ) واستقرار الوزراء والحكومات، وهو ما دفع عجلة التنمية والرفاه والتقدم في جميع مناحي الحياة سريعا الى الأمام وخلق لدينا آنذاك ظاهرة «رجال الدولة الكبار»، ولو تفشت حالات الاستقصاد الشخصي والشتائم المصاحبة للاستجوابات الكيدية المكثفة القائمة على مبدأ «وراك، وراك» كما هو الحال لاحقا لما أبدع المسؤولون ولما استقرت الحكومات ولما تطورت الكويت بالتبعية.

***

ان علينا كنواب ومواطنين وإعلاميين العمل مجتمعين على قتل الاستجوابات الكيدية كي لا تدمر الكويت، فمؤامرة ضم بلدنا لمشروع ربيع الخراب العربي مازالت مستمرة وإن تغيرت أدواتها فقط، فنار الفتنة والفوضى مازالت مشتعلة.. تحت الرماد.

***

آخر محطة: (1) إلى المتدثرين كذبا برداء الدستور.. ماذا تقولون بنص المادة 50 من الدستور والتي تنص على أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع «تعاونها»، ولم يقل الدستور «تعاركها»؟! فأين الإيمان بالدستور؟! وأين التعاون عندما تهل الاستجوابات الكيدية كالأمطار الاستوائية قبل أن تبدأ الحكومة الجديدة عملها؟!

(2) ان كان الاستجواب حقا مطلقا للنائب (يرى حكم المحكمة الدستورية الصادر في أكتوبر 2006 غير ذلك)، فلماذا الجزع من استخدام الحكومة لأدواتها الدستورية من إحالة للجنة التشريعية أو المحكمة الدستورية أو تأجيله أو تصويت ممثلي الشعب على محاوره كما تم في السابق؟!

 

 

سعيد محمد سعيد

خارطة «الحسين» العالمية

 

ما بعد العام 61 للهجرة (680 ميلادية) وحتى اليوم، أي على مدى 1333 سنة منذ استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في معركة (كربلاء صيانة الإسلام)، سعت العديد من الحكومات المتعاقبة لمحاربة أي ذكر لتلك الواقعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ليس حفاظاً على مشاعر المسلمين من وحشية الذبح الأموي، بل لطمس الذكرى ومنع تفاعل الناس معها.

لقد أدرك الأمويون، أن إعادة تفاصيل ما حدث في كربلاء، بعد واقعة الكرامة الإسلامية تلك، تحرّر الناس من سطوة الجور والظلم والاستبداد، بل كانت قبضة الدولة العباسية على إحياء ذكر واقعة الطف أشد من القبضة الأموية ودمويتها لا تقل عنها! انظر ما نقله التاريخ عن حميد بن قحطبة (159 هـ) وكان وزيراً لهارون الرشيد، والذي بأمر الأخير، قتل في يوم واحد 60 علوياً، ورمى بهم في بئر غوير، حتى أنه ما كان يصوم شهر رمضان المبارك، وحينما سأله عبدالله البزاز أعاد عليه ما اقترفته يداه، وأنه، كما هو حال أعوان الطغاة، يائسون من رحمة الله.

لقد بقيت واقعة الطف متأججة حاضرة متألقة في نفوس المسلمين طيلة 1333 سنة، وينبغي لنا أن نتساءل عما أحدثته نهضة الإمام الحسين (ع) من تغيير، ليس في حياة المسلمين فحسب، بل في حياة الإنسانية جمعاء. لقد أصبحت تلك النهضة، خارطة طريق عالمية، وعلى مدى مئات السنين، وحيث لم يكن لدى الناس ما لديهم اليوم من وسائل تواصل إعلامية ومعلوماتية هائلة، فعلت تلك الحكومات فعلها فحاولت عبثاً تغييب الواقعة، ربما نجحت إلى حد ما، باستخدام وعاظها ولاعقي أحذيتها وكلاب أهل الجور في التصدي للذكرى بل ولتشويهها في كتبهم الصفراء الساقطة. وها هي اليوم، تمسح بقوة كل المحاولات لتعود خارطة الحسين كونياً في عالم يستمع فيه الناس لبعضهم البعض لحظةً بلحظة، مهما تباعدت المسافات وتعدّدت الأزمنة.

في هذا السياق، ترى الباحثة فاطمة مطشر في تأريخها للمواكب الحسينية في عهود الطغيان، أنه «في القرن السابع للهجرة أصبح قراءة المقتل عادةً متبعةً للشيعة، وأول من منع القراءة يوم العاشر الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 640هـ (1223م) وهو أول منع علني من حاكم عباسي بعد انتشار المجالس حول صحن الإمامين الكاظمين (ع) في بغداد.

ويذكر ابن الجوزي (ج7 ص23) أن اللطم جرى في صحن الإمام الكاظم (ع) يوم العاشر في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهذا تاريخٌ آخر يوثق المواكب والعزاء، ورغم محاولات الأمويين والعباسيين لمنع زيارة قبر الحسين (ع)، وتشديد الإجراءات الظالمة وقتل وتهجير أصحاب المواكب، إلا إن تلك الزيارات لم تتوقف ولم تنقطع) انتهى الاقتباس.

كذا، من غير الممكن إطلاقاً أن تنجح كل محاولات الطمس والتغييب والتشويه، سواء تلك التي دعمها الأمويون والعباسيون وأحفادهم في الماضي، أو تلك التي تجري في الحاضر، ويمكن إرجاع ذلك الفشل الذريع إلى أن النهضة الحسينية هي حركة تجديد للدين الإسلامي، على أسس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كأول حركة صد قوية في وجه محاولات إعادة المسلمين إلى الجاهلية الأولى على يد الحاكم غير الشرعي يزيد بن معاوية. أضف إليها قائمة المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية والفكرية التي تهفو إليها كل شعوب العالم.

خارطة الحسين العالمية، تجاوزت تشويه المشوّهين وإرجاف المرجفين ومؤرخي الذهب الأموي والعباسي، الذين ذهبت أفعالهم الخسيسة سدىً وهباءً منثوراً، حتى ظهر من غير المسلمين من يمتلك أمانةً وضميراً لأن يقول كلمة حق لم يجرؤ على قولها من ملأت الدولتان الأموية والعباسية وحكومات الأحقاد ركابهم فضةً أو ذهباً. ولعل مقولتين في هذا الشأن تختصران وصف خارطة الحسين العالمية:

الأولى: ما ورد في كتابه «رحلة إلى العراق»، حيث قال الباحث الإنجليزي جون آشر: «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي». والثانية ما جاء في كتاب «حضارة الإسلام» للمستشرق الأميركي غوستاف غرونيبا، وهو ألماني الأصل، بقوله: «الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة. إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى» (انتهى الاقتباس). وتوضيحاً، حتى لا تأتي المقارنات المجوفة تحت عنوان «أية شخصية مسلمة أخرى»، فإن الإشارة هنا تركز على الصورة المحزنة للمقتل.

لنتأمل كيف هي تلك الصورة المحزنة اليوم، تتوزّع على الكون بأسره مختصرةً عبارةً الإمام الشهيرة: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». فالسلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار.

احمد الصراف

علاج سرقات التبرعات

ورد في القبس أن مسؤولين في الشؤون عقدوا اجتماعا مع السفارة الأميركية لمناقشة موضوع جمع التبرعات لسوريا، وأن الاجتماع جاء بعد اكتشاف مخالفات تخص عملية الجمع ووجود «دخلاء» من غير المنتمين لجمعية أو مبرة، ممن جمعوا أموالا ولا أحد يعرف أين ذهبت تلك الأموال! وهنا لا أعتقد أن السفارة الأميركية معنية بوجود دخلاء على العمل الخيري بقدر اهتمامها بموضوع لمن ترسل تلك الأموال، وهذا ما لم يرد ذكره في الخبر. أما وجود دخلاء في العمل الخيري من عدمه فلم يكن يوما سببا في مخالفات الجمعيات والمبرات، فغالبية تلك السرقات أو المخالفات حدثت من قبل جهات معروفة لها، وصاحبها استغلال سيىء لأموال التبرعات التي لا صاحب لها، وسجلات الوزارة تمتلئ بقصص النصب والاحتيال من قبل منتمين لتلك الجمعيات ومحاسبين فيها وشاغلي كبار المناصب فيها. كما يعيش بيننا الكثيرون ممن يطلق عليهم اسم قادة حزبيين، وهم معروفون بانتماءاتهم الدينية، ومنهم كتاب ودعاة، ممن سمنت لحوم أكتافهم من استغلالهم الطويل للدين وأمواله في الإثراء غير المشروع، من خلال عقود حكومية ضخمة، التي ما كانوا ليحصلوا عليها لو لم يكونوا «حزبيين دينيين! ولا ننسى هنا الإشارة للخلاف الشهير الذي دب بين رفاق الأمس من السلف على أموال شركتهم الاستثمارية، والتي أكدت للمرة الألف أن «تعاونهم» لم يكن لخير الجماعة والدين، أو طلبا للثواب بقدر ما كان لجمع مال الدنيا والاستمتاع بمتاعها. وكذلك القضية التي قام فيها الراعي باقتطاع مبالغ كبيرة لنفسه منها، لكونه من «القائمين عليها» لا تزال في بداياتها، وأخبارها ستزكم الأنوف قريبا! وطبعا هناك عشرات المشاريع التي بدأت وانتهت، أو لا تزال أطلالها قائمة، كمشروع آخر كان «الإخاء الديني» غطاء له، ولكن فساد الوسائل التي اتبعت في إنجاز ما تم من المشروع أضاع أموال الكثيرين من الذين وضعوا ثقتهم في المشرفين على المشروع، الذي كان يغص بالمخالفات منذ يومه الأول!
إن العمل الخيري الحقيقي لا غني عنه، ولكنه بحاجة الى غربلة كاملة، وأساس علته تكمن في «حق» من يقوم بجمع التبرعات في استقطاع نسبة %20 مما يجمع لنفسه، إضافة لضعف أجهزة الرقابة عليه، والتي يجب أن تتصف بجدية وحرفية كبيرة، من هيئة رقابة أهلية أو مختلطة مستقلة، وليس ترك أمر مراقبة جمع مئات الملايين بيد إدارة ضعيفة في وزارة كثيرة المسؤوليات.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

«ماكو أوضح»

قمة عربية إفريقية تحتضنها الكويت في الأيام القليلة المقبلة، وقد انطلقت الفعاليات المصاحبة لها ثقافية واقتصادية وغيرها منذ شهر تقريباً. لا تعنيني نتائج هذه القمة إن كان لها نتائج ملموسة أصلاً بقدر ما يعنيني تعاطي الدولة مع إقامة هذه القمة وفعالياتها المصاحبة في الكويت، فالبداية كانت باحتضان صالة مخصصة للتزلج على الجليد لحفل غنائي لعدم وجود مسارح تابعة للحكومة في الكويت لإقامة فعاليات موسيقية جماهيرية، تلا ذلك إقامة منتدى اقتصادي للقمة في أحد فنادق الكويت لعدم توفر قاعات حكومية قادرة على احتضان هذا المنتدى. ثالث الأمور هو استقبال الضيوف في المطار الأميري لبروتوكولات معينة من جانب وعدم قدرة مطار الكويت الدولي على استيعاب حركة المسافرين بالإضافة إلى الوفود الرسمية من جانب آخر. ورابع الأمور هو وضع مسألة تعطيل مؤسسات الدولة خلال أيام القمة على طاولة مباحثات مجلس الوزراء، تفادياً للشلل التام الذي ستشهده الطرق في أيام القمة، ومجرد وضع مسألة التعطيل في حيز النقاش حتى إن لم يقر هذا التعطيل يثبت عجز الدولة الكويتية الغنية عن القيام باحتضان أي فعالية دولية متوسطة الحجم. وبالطبع، فإن الوفود الرسمية ستقوم بزيارة المجمعات التجارية كـ"الأفنيوز" أو "الحمراء" في فترة انعقاد القمة لعدم وجود مشاريع حكومية تستحق الاطلاع عليها فأبراج الكويت تحت الصيانة والجزيرة الخضراء ليست خضراء ومنتزه الخيران يحتاج إلى واسطة للحصول على شاليه واستاد جابر غير جاهز بعد تسع سنوات من بدء إنشائه وجامعة الكويت كلياتها عبارة عن مدارس، فلا مكان للوفود سوى مؤسسات القطاع الخاص. بل حتى إن تعرض بعض أعضاء الوفود القادمة لوعكة صحية فسيتم إدخالهم للمستشفيات الخاصة "عن الفشلة بس". هذا هو الحال ولا يوجد أوضح من ذلك أبداً دولة عاجزة عن كل شيء وعليكم فقط أن تتخيلوا الحال لولا وجود بعض الجهات الربحية في الكويت كالمستشفيات أو الجامعات أو أماكن الترفيه الخاصة، وهو جعل الحكومة تفكر بالعطلة أيام المؤتمر فقد تمكنت من اللجوء إلى القطاع الخاص (الفنادق) لإقامة المنتدى الاقتصادي للقمة، وتمكنت من اللجوء للديوان الأميري (المطار الأميري) لاستقبال الوفود، ولم تستطع إيجاد بديل عن بناها التحتية المتهالكة الطرق السريعة تحديداً ففكرت بالعطلة. ولن يتغير الحال مهما قالوا ما داموا يديرون الأمور بالعقلية نفسها و"الله لا يغير علينا". خارج نطاق التغطية: أعلم أن أحمد مشعل الأحمد الصباح تم تعيينه رئيساً لجهاز متابعة الأداء الحكومي بسبب النسب ليس إلا وإن نجح في مهامه فسيكون الأمر مجرد مصادفة، إلا أن ما أتلمسه من حزم وجدية في متابعة المشاريع يجعلني أتفاءل ولو قليلاً في تحسن الوضع نسبياً في القادم من الأيام.

احمد الصراف

سؤال التريليون دولار

نقلا عن ممدوح المهيني، من واشنطن، بتصرف: زعماؤنا يلاحقون في الحفر وأنابيب مياه المجاري، وأطفالنا يبادون بالغازات، ومفكرونا مجهولون، ومتعصبونا في ازدياد، ويدفعون مزيدا من المراهقين للموت، وعاطلونا يغرقون على الشواطئ الأوروبية، والفوضى تعم دولنا، ومعدلات الفقر في تزايد، والأمل في تناقص، ونظم التعليم متهالكة، وجامعاتنا ميتة، والكل يشتكي من غياب القيم والقانون والتعاون ومن اهتراء الأوضاع، فلم حدث لنا هذا؟ هناك بالتأكيد خلل، وسببه اختيارنا الإجابة عن السؤال الخاطئ! فعندما يقع شعب في أزمة حضارية فإن عليه أن يختار الإجابة عن سؤال من اثنين: ما الخطأ الذي ارتكبناه؟ والإجابة الناقدة ستقوده حتما لإلقاء المسؤولية على الجهة المسؤولة، ليتم تصحيح المسار. والسؤال الثاني هو: من فعل بنا هذا؟ والجواب هنا سيقود الى سلسلة لا تنتهي من التبريرات وأوهام المؤامرة والاضطهاد ووجود أعداء وهميين.
يقول مؤلف كتاب «الحقيقة الليبرالية المركزية»، لورانس هاريسون، ان اليابان طرحت السؤال الأول على نفسها، وانطلقت حضاريا بعدها! أما بلداننا فقد اختارت السؤال الثاني، وما زالت تعاني من التراجع والتفكك، لأنها اختارت محاربة الأعداء والغزاة الذين يسعون لإذلالها وتحطيم مجدها. وهو يدعو في كتبه إلى طرح السؤال الأول فقط، لأنه سيقود الى نقد جذري للثقافة، ويجنب إلقاء اللوم على الآخرين. فالثقافة، بقيمها ومبادئها العميقة، هي المرآة التي تعكس صورة المريض الحقيقية، وهي السبب في دفع شعوب للتقدم وغيرها للتأخر، وتجنب تبرير الخلل، ولكن ما الثقافة التي تدفع أمما إلى الأمام وأخرى إلى الوراء؟ يقول هاريسون ان التعاليم الدينية من أقوى العناصر التي تدفع إلى التقدم إذا ما اتسمت بالعقلانية، ودعت إلى قيم الكد والعمل وجمع الثروة، هذا سبب تقدم الدول البروتستانتية في أوروبا مقارنة بالكاثوليكية، التي قاومت أفكار النجاح الشخصي ودعت الى الاهتمام أكثر بالعالم الآخر، والتقليل من قيمة الحياة والمال. وهناك أيضا تعاليم تدعو الى الخرافة واللاعقلانية وتزرعها بعقول متبعيها، وكلما زادت قوة حب الحياة في هذا العالم، زادت الرغبة في تطويره ودفعه الى الأمام. وهذا عكس ما تفعله الشعوب الأخرى، التي تعلن الاستقالة من الحياة، فتفقد الرغبة في النجاح والتفوق، وبالتالي فالعصر الذهبي للإنسان هو في مستقبله وليس ماضيه، وهذا عكس ما تفكر به الثقافات التي تسكنها فكرة أن الماضي أفضل من الحاضر! كما أن لعامل عدم احترام الحقائق العلمية دوره في انحراف مسار المجتمعات، ويمثل عائقا أمام التحديث. كما تدفع لقيم أخلاقية مثل الثقة والصدق والتعاون دولا كالسويد والنرويج والدانمرك، لتحتل قائمة الدول الأكثر نجاحا، على عكس دول تسيطر عليها أفكار انعدام الثقة والتعاون. كما أن الدول التي تعطي تعليم الجنسين المكانة الأعلى هي الأكثر قدرة على التطور. ففي عام 1905 مثلا كان %90 من أطفال اليابانيين في المدارس، وبدأت حرب السويد ضد الأمية قبل مئات السنين. كما تلعب قيم التسامح والانفتاح في تقدم المجتمعات، كما حدث في عراق العباسيين. وهناك عوامل عدة أخرى، ولكن هل لدينا حكومة «رشيدة» بإمكانها القيام بدورها؟ هذا هو سؤال التريليون دولار!

أحمد الصراف

بشار الصايغ

قبل أن تسكبوا دموع التماسيح .. تذكروا!

قيل الكثير اليوم بشأن طلب رئيس الوزراء بالغاء محاور استجوابه المقدم من النائب رياض العدساني، وموقف النواب من التصويت على الطلب بالموافقه، وطبعا في مثل تلك المواقف الخلافية تفتح أبواب التشكيك والطعن والتخوين .. وأيضا التمثيل.

ومن أكثر الأسئلة التي وجهت لي اليوم عبر “تويتر” هو سؤال “ما رأيك بموقف راكان من شطب الاستجواب”، وأهمية هذا السؤال بالنسبة لكثير من السائلين ليس الإجابة بقدر ما محاولة استعراض قوة باحراجي أمام المتابعين .. متابعة قراءة قبل أن تسكبوا دموع التماسيح .. تذكروا!