إعلان برنامج الحكومة المقدم الى مجلس الامة بانتهاء دولة الرفاه لم يكن موفقاً لا في توقيته ولا في محتواه! فقد جاء في ظروف استثنائية، حيث اسعار النفط وصلت ارقاما قياسية خلال السنوات السبع الاخيرة، ومرشحة للمحافظة على مستوياتها لعدد من السنوات، كما ان احتياطي النفط في باطن الارض بالكويت يرتفع مع الاستكشافات الجديدة، ناهيك عما اعلنته شركة نفط الكويت من استكشاف كميات من الغاز قابلة للتصدير، أضف لكل ذلك ما تم اعلانه مؤخراً من ان الاستثمارات الخارجية لاموال صندوق احتياطي الاجيال القادمة بلغت هي الاخرى ارقاما غير مسبوقة، حتى اصبح دخل الاستثمارات يكافئ دخل النفط او قريباً منه!
بالمقابل، نجد ان نصف الكويتيين او اكثر يعيشون على راتب الوظيفة الحكومية الذي ـــ في معظمه ـــ لا يكفي الى نهاية الشهر، حتى اصحاب الكوادر، التي بلا شك جعلت رواتبهم مرتفعة قياسا مع غيرهم، لم يجعلهم غلاء الاسعار يستمتعون بهذه الكوادر، فاذا اضفت الى ذلك الارتفاع الجنوني لاسعار العقار السكني، مما جعل أقل ايجار للشقة يستهلك ثلث الراتب، وكذلك تغيير بعض انماط الحياة الاجتماعية والمعيشية، حتى اصبحت عرفاً تعوّد عليه الناس، مثل توفر الخادمة بالشقة قبل دخول العروس الجديدة لها، وتردي الخدمات الصحية الحكومية، مما جعل المواطن يفقد الثقة بها ويضطر للذهاب الى المستشفى الخاص، وكذلك تردي الخدمات التعليمية، وتسابق الكويتيين لتسجيل ابنائهم في المدارس الخاصة عل وعسى ان يتخرج فيها وهو يتكلم الانكليزية بطلاقة ويفهم ما يقرأ، كل ذلك جعل المواطن لا يشعر بأنه يعيش في دولة رفاه، لانه منذ استلام راتبه وهو يحاتي كيف سيوزعه والى متى سيكفيه!
لكن…..!!
لكن ذلك لا يعني انه لا يوجد اسراف لدينا، والاسراف والتبذير ظاهرة لا يجوز تحميلها المواطن فقط! فالمواطن مهما بذخ لا يمكن ان يشكل بذخه عشرة في المائة من البذخ والهدر الحكومي، ولعل اقرب مثال على ذلك ما صرفته الحكومة لدعم النظام الانقلابي في احدى الدول الشقيقة! واتمنى ألا اسمع من يكرر مقولة المصلحة الوطنية تستلزم تصرفات قد نستنكرها! لان الايام اثبتت انه لا مصلحة في دعم نظام لم يستقر حتى الان، لان معظم قطاعات شعبه رافضة له!
واستغرب قول البعض ان الهدر الحكومي لا يعني شيئاً بالنسبة للميزانية! وأقول ان المشاريع لدينا تبدأ برقم وتنتهي بأرقام! وهذا اكبر هدر تتبناه جهات حكومية، حتى ان وزير الاشغال، وهو من القلة المجتهدة بالحكومة، حاول وقف هذا النوع من الهدر لكنه ووجه بمافيا المشاريع، التي كادت ان تقتلعه من منصبه، واتمنى من الاخ الوزير الصمود. ناهيك عن ان بعض المشاريع يتم التخطيط لها وتستوفي دورتها المستندية بشفافية ووضوح، ثم بقدرة قادر يتم ايقافها لاسباب ظاهرها الحرص على المال العام، وباطنها البحث عن مدخل لأكل الكتف! ولعل مشروع جامعة الشدادية، وما تم الاعلان عن مدة المشروع، اكبر دليل على الفساد والهدر الحكومي! ثم تكتمل المسرحية الهزلية بحوادث الحرائق المتكررة لهذا المشروع الحيوي.
بقي ان أشير الى ان الهدر الآن يحدث في الاستثمارات الخارجية، ومن يعرف اسباب تغيير رئيس مكتب الاستثمار في لندن يدرك حجم الكارثة القادمة في الاستثمارات، كذلك مازال بعض ابناء الاسرة يتصرف وكأن الديرة ملك خاص له، البيت بيت ابونا والناس ناشبونا!
عزيزي سمو الرئيس.. اذا اردت ان توقف الهدر وتجعل المواطن يتفاعل معك، ويتجاوب لما تخطط له، فأقنعه اولا بأن الهدر الحكومي توقف! هنا فقط سيلتفت المواطن الى نفسه ويطالبها بتحمل تبعات المرحلة الجديدة، وان كنت انا شخصيا لا ارى سببا للتضييق على معيشة المواطن ان ضبطنا مصروفاتنا.