تستغرب احيانا درجة التطرف عند بعض المفكرين والمثقفين من أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين، خاصة عندما يكتبون او يتكلمون عن الدين، فتجدهم ان تحدثوا عن الاسلام فبانتقاد شديد وتحميله كل مآسي الامة وهمومها، وان تطرقوا للنصرانية او اليهودية فباعجاب منقطع النظير ودعوة للتأسي برموزهم والاقتداء بهم! وأعتقد، والله اعلم، ان للكثير من هؤلاء تجارب اجتماعية مروا بها في مرحلة من مراحل العمر كانت سبباً لهذا الانحراف العقلي والتطرف في التفكير، والا فما السبب لان يقوم احد أدعياء الثقافة بتحميل الشريعة الاسلامية مسؤولية استمرار ظاهرة الرق الى يومنا هذا؟! وتلاميذ المدارس يدركون جيدا ان الشريعة جاءت بقوانين للحد من هذه الظاهرة وقطع دابرها! وقد أبدعت شريعتنا السمحة في معالجة ظاهرة كانت جزءاً من الحياة العامة في زمن الجاهلية، وتدرجت في تصفيتها من المجتمع كي يتحمل الناس ويتقبلوا تحريمها، كما فعلت مع تحريم الخمر وغيره من الظواهر التي كانت جزءاً من يوميات الناس في تلك الفترة من التاريخ.
ان القياس على ظواهر فردية هنا وهناك فيه تجن وابتعاد عن المنهج السليم في قياس الامور، فكلنا يعرف فساد الكثير من الملوك العرب والمسلمين الذين مروا على الامة، وشربهم الخمور واستحلالهم المعازف والنساء، ولكن هذا لا يعني ان ما يمارسونه مجاز في الشريعة، ولو كان الفاعل ولي امر المسلمين! قال الرسول (ص): خير القرون قرني ثم الذين يلونهم..! وها هو خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا»؟!
والدليل على ان صاحبنا قد تطرف في تحميله الشريعة ما لا تحتمل، انه تغاضى عن ظاهرة انتشار الرق في اوروبا واميركا، وهؤلاء يدينون بدين النصرانية، ولعل فيلم الجذور الذي كتبه ومثله واخرجه مجموعة من الاميركان والاوروبيين يؤكد ما ذهبنا اليه من انتشار بيع البشر في اسواق الغرب الى عهد قريب، ولكن عندما يكون الفكر محتلا ومستعمرا تكون عين الرضا عن كل عيب كليلة! وهذه علة بعض اصحابنا المعجبين بالحضارة الغربية بكل ما فيها، وعندما تقرأ لاحدهم تشعر بأنه يتمنى ان يقول يا ليتني ولدت نصرانيا او غربيا! فكل كتاباتهم اطراء ومدح للحضارة الاوروبية والاميركية، وان جاءوا بذكر ظاهرة سيئة حملوها للشريعة الاسلامية وللمسلمين ويستشهدون بحادثة هنا واخرى هناك!
نحن ايها السادة نختلف عنكم، اننا ننظر الى الحياة كما علمتنا شريعتنا السمحة، أي انها مرحلة من المراحل نعمل فيها ونجتهد، لكن هدفنا الوصول للاخرة وقد رضي الله عنا! فالاخرة هي نهاية كل انسان، وهي دار القرار الحقيقية، ومن هذه الفلسفة ننطلق في دنيانا «وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وقال تعالى «وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله»، فنحن نتمنى ونسعى الى ان نكون من هذه القلة التي تهتدي الى سبيل الله، قال الرسول الكريم «ورد جهنم من كل الف نفس تسعمائة وتسع وتسعون وواحد في الجنة»! ولعل هذا يفسر تمسك المسلم الحر بدينه مع ما يرى من هذه الجموع التي تعادي الدين وتسخر من أتباعه!
قد نكون قلة وغرباء في وسط هذه الحياة العاصفة بأحداثها لكننا نشعر بأننا على الحق: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء..!