حتى هذه اللحظة لا اشعر ان هناك تخوفا حقيقيا عند أغلب قادة دول مجلس التعاون من التقارب المفاجئ في العلاقات الاميركية ــ الايرانية! وكأن واقع الحال يقول ان كل ما يجري في المنطقة هو برضا وقبول دولها، بل بتنسيق بين اميركا ودول مجلس التعاون! ونحن ندرك جيدا ان اول ضحايا هذا التقارب هو امن واستقرار هذه الدول! وما زلنا نذكر تصريح اوباما بان الولايات المتحدة ستستغني عن نفط الخليج خلال عامين، مما يفسر عدم مراعاة اميركا لمصالح دول الخليج العربية في ترتيبها لاوراق اللعبة السياسية في المنطقة، بل انها أعطت المصالح الايرانية الاولوية على ما سواها! وهذا قد يكون فهما مقبولا اذا عرفنا ان ايران ممكن ان تلعب دور شرطي الخليج من جديد، ولكنه شرطي يلبس العمامة السوداء! ولعل اقرب مثال على ما اقول هو عدم اكتراث اميركا لمطالب ومناشدة دول مجلس التعاون للمجتمع الدولي بالعمل على اسقاط نظام الاسد، خاصة بعد استعماله للاسلحة الكيماوية ضد شعبه، وشاهدنا جميعا كيف نكص اوباما على عقبيه بشكل مفاجئ وكأن أمراً دبّر بليل! فاتضح لنا ان ما كنا نخشاه قد حصل، وهو ان ايران ضحت بشعاراتها ومبادئ ثورتها من اجل المحافظة على مخططها بالتواصل الجغرافي لدول الهلال الشيعي كما يسمى! واعطت لاميركا الضمانات التي تريدها، واهمها ضمان امن اسرائيل وسلمية البرنامج النووي! ولماذا الاستغراب من هذا التفسير؟ فها هو نظام الاسد منذ اربعين عاما لم يطلق رصاصة واحدة على اسرائيل لتحرير الجولان، فكيف ننتظر منه ان يسعى لتحرير فلسطين؟! ويبدو التوافق في النظرة الى مستقبل المنطقة واضحا بين سوريا وايران، ولم لا يكون كذلك والخلفية العقائدية متقاربة؟! ومن اجل ذلك كان ثمن المحافظة على استمرار نظام الاسد هو التنازل عن مبادئ الثورة الخمينية!
ولقد كانت هناك فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي لايجاد توازن في ميزان القوى بالمنطقة، عندما نشأ نظام جديد في مصر يدعو الدول العربية والاسلامية الى الاستقلالية التامة عن مراكز القوى الغربية، وارسل عدة اشارات لهذه الدول للتعاون لتحقيق ذلك، الا ان تبعية بعض دول المنطقة لاميركا والغرب حالت دون ذلك، وأفشلت هذا المخطط، بل ومما يؤسف له ان من ساهم في اسقاط هذا النظام الجديد هو بعض دول المنطقة نفسها! وفعلا بعد سقوط نظام مرسي في مصر تبلورت بشكل واضح هذه العلاقة المشبوهة بين اميركا وايران، ولعل هذا ما يفسر مباركة نظام طهران ونظام الاسد لاسقاط نظام مرسي!
اليوم السعودية ترفض عضويتها بمجلس الامن، لانه عجز عن تحقيق اهدافه بفرض الامن والسلم الدوليين في سوريا، والحقيقة ان الذي شل مجلس الامن عن ممارسة دوره هو اميركا التي رأت ان ايجاد علاقة مميزة وجديدة مع ايران، ستكون كلفته اقل بكثير من شن حرب على نظام كان حارسا لامن اسرائيل طيلة عقود من الزمان!
الان.. اما آن للعقل في الخليج ان يستيقظ؟!
متى ستعي دولنا خطورة ما يجري ويخطط لها ولنا؟! هل نتوقع مزيدا من التطمينات الاميركية لدول الخليج بشأن هذا التقارب المشبوه؟! أمازالت الى اليوم عندنا ثقة في وعود اميركا واوروبا؟! ألم يحن اعلان وحدة خليجية تقلل من خطورة تداعيات هذا التقارب المفاجئ؟ ألا تشعرون يا حكوماتنا ان دوام الحال من المحال؟!
أسئلة كبيرة واجابتها موجودة في عقول المعنيين بالاجابة، لكنهم لا يجرؤون عليها خوفا من الصدمة! لكنه الانذار المبكر! فاليوم لدينا الوقت لتدارك الامر وغدا سنردد جميعا.. «اذا فات الفوت ما ينفع الصوت» والله الحافظ.