لقد كان لافتاً للنظر كشف إسرائيل عن اتصالات رسمية بينها وبين بعض الأنظمة الخليجية.
هذه العلاقة والاتصالات جارية منذ سنوات عدة، حيث كانت إسرائيل حريصة على جعلها سرية، رغم معلومات تم تداولها من جهات عدة عن هذه الاتصالات، وكذلك عن زيارات للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية لبعض المسؤولين، كانت إسرائيل تحرص على التستر عليها، حتى ان جوازات السفر لا يؤشر عليها.
لم يكن هناك أي دليل قاطع على حدوث هذا، لكن مؤخراً جاءت في بعض الكتب التي صدرت حديثاً، ولعل أهمها ما جاء في كتاب عن التغيير المرتقب في دول مجلس التعاون للكاتب Christopher Daridson. وبالمناسبة، فإن هذا الكتاب مُنع من التداول في دول مجلس التعاون الخليجي.
فليس سراً أن حكام المنطقة قلقون من النظام في إيران، وخصوصاً عندما عملت بعض العناصر من الطرفين على تأجيج هذا الصراع، وتحويله إلى صراع طائفي مدمر، لأهداف تخدم المصلحة الخاصة لهذه الأطراف، غير عابئة بنتائجه.
الغزل السري بين إيران وأميركا، حامية هذه الأنظمة، جعل هذه الأنظمة تقلق من مصداقية أميركا، خصوصاً بعد مجيء أوباما، الذي يفضل الحلول الدبلوماسية على المواجهة العسكرية، التي ثبت فشلها في أفغانستان والعراق، وكذلك المعارضة الشعبية المتنامية في أميركا ضد الدخول في حروب لا يرى هؤلاء مبرراً لها.
هذا القلق بلغ حد الهستيريا بعد الاتصال الرسمي العلني بين روحاني وأوباما، وهذا الهلع أصاب إسرائيل الداعية إلى حسم النشاط النووي الإيراني بالقوة.
وقد اتضح أن هذا التوجه من الطرفين يلقى معارضة كبيرة في بعض الأوساط الأميركية والإيرانية، ففي إيران تجاهل الحرس الثوري قرار المرشد الأعلى بإعطاء هذه المحاولة الفرصة للنجاح، وطالب روحاني بعدم التسرُّع، ولما عزم روحاني على الحج ومقابلة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز هدد باتخاذ إجراءات حاسمة، لأنه رأى فيها تسرُّعاً لما بدر، ويفسر بأن في ذلك ضعفاً واستسلاماً.
كذلك، فإن نتنياهو نجح في إحراج أوباما، وجعله يتشدد في موقفه من نشاط إيران النووي، ما حدا بوزير الخارجية أن يخفف من تأثير ذلك، بتأكيد أهمية التواصل مع إيران، للتأكد من جديتها بقبول الحل الدبلوماسي لمشاكلها مع أميركا، فما بين الاثنين قضايا أكثر أهمية تشمل مُجمل الأوضاع في المنطقة، بما فيها الوضع في سورية والعراق.
وقد أشار Valir Nasr عميد مدرسة جونز هبكن للدراسات العالمية Johns Hopkins School of Adranced Studies في مقال نشر في جريدة نيويورك تايمز بتاريخ 4/9/2013، إلى عدم الاستخفاف بقوة إيران، فتأثيرها مثلاً في سورية أكبر من تأثير روسيا، والمعروف أن قائد الحرس الثوري الإيراني مع جيشه هو الذي حسم الوضع العسكري في سورية لمصلحة النظام.
وهنا يقف الإنسان مشدوها من الموقف الإسرائيلي، الذي كان يعتمد على التسهيلات التي قيل إن دول مجلس التعاون هي التي تسهل مهمة إسرائيل العسكرية في هذا الصراع، بعد أن سد الطريق أمامها من قِبل تركيا ودول وسط آسيا.
إذن، لماذا تعلن إسرائيل هذه الاتصالات مع أنظمة الخليج وإحراجها إذا كانت فعلاً مطمئنة لهذه الدول؟!
الجواب عن كل هذا، هو إما أن يكون كل ما ذكر عن هذه العلاقات غير صحيح أو مبالغاً فيه، وربما أن العقل بدأ يلعب دوره، واكتشفت هذه الدول أن الصراع أو حتى التفاهم مع إيران لن يحميها، وأن الحماية الحقيقية لهذه الأنظمة هي انحيازها الكامل لشعوبها، والحرص كل الحرص على محاربة ما يهدد الوحدة الوطنية من صراعات داخلية متنوعة، وإشراك مكونات الشعب في اتخاذ القرار، وأن كرسي الحُكم لن يحميه إلا التفاف الشعب حوله، وفق نظام ديمقراطي حقيقي، يؤكد المساواة بين الجميع، ويحترم حقوق الإنسان وحرياته، ويقضي على الفساد والمفسدين المنافقين والحرامية الممسكين بمفاصل الوطن.