كنت اظن ان الفكر الممسوح بالصبغة الدينية لدى ارباب الحكم في ايران هو الذي يرسخ المبادئ العامة في التعامل مع الآخرين، انطلاقا من المفاهيم القرآنية والسياسات الشرعية! وساعد على هذا الفهم بعض الشعارات الثورية ذات المسحة الدينية التي اطلقها الخميني مع بداية انطلاق الثورة الايرانية في اواخر السبعينات مثل «اميركا الشيطان الاكبر»، الا ان هذا الفهم سرعان ما تلاشى عندما فاجأتنا الثورة بشعار جديد وغريب وخطير!! وهو «تصدير الثورة لدول الخليج»! وفعلاً بدأ الايرانيون يصدرون ثورتهم الى الطرف الاضعف من جيرانهم وبدأوا باغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط الخليجي المتجهة الى الشيطان الاكبر وحلفائه الاوروبيين! مما حدا بدول الخليج الى الارتماء في حضن هذا الشيطان ورفع علم بلاده على سفنهم لحمايتها من انتحاريي الثورة الاسلامية في ايران الذين علقوا في رقابهم صكوك الجنة!! وكانت الحرب العراقية – الايرانية قد بدأت مع قدوم الخميني لايران واستمرت مستعرة تقدم آلاف الضحايا يوميا في معارك اشبه بالعمليات الانتحارية منها للحرب النظامية! مما جعل دول الخليج تظن ان تصدير الثورة قد بدأ ومن البوابة الشرقية للخليج، وهذا ما جعل اهل الكويت يظهرون تعاطفهم مع العراق في هذه الحرب! ولان اتباع ايران منتشرون على الساحل الغربي لهذا الخليج فقد بدأوا بالتحرك السريع لتوصيل رسائل دموية لمن يهمه الامر لوقف دعم العراق واعطاء الفرصة لايران لاجتياحه! فبدأوا بتفجير موكب سمو الامير في منتصف الثمانينات، وتحركت خلاياهم النائمة لتفجير المنشآت النفطية ثم المقاهي الشعبية، وبدأ الدم الكويتي يسيل بسبب موقفه من الحرب الظالمة، وعندما تبين للايرانيين ان هذه الاعمال الاجرامية لم تفت في عضد الكويتيين واصرارهم على صمودهم بدأوا في حرب فعلية ومباشرة على المنشآت الحيوية في البلاد فأطلقوا ثلاثة عشر صاروخا من نوع «سلك وورم» فدمر وخرب وقتل ومع هذا استمرت الكويت في موقفها من الحرب دون تراجع او خضوع، واستمرت ايران في عدائها لدول الخليج، فأعلنت عدم تراجعها عن احتلال جزر الامارات وتدفقت خلايا التجسس على الكويت لتكون خلاياها النائمة تحركها في الوقت الذي تراه!!
اليوم ترى ايران ان مصلحتها في التعاون مع الشيطان الاكبر، ويبدو انهم اكتشفوا اخيرا ان شعاراتهم لم تكن صحيحة، لا معنى ولا محتوى، فأصبحوا يرون في عدو الامس حليفا ضروريا، واصبح الشيطان اليوم من الملائكة!! وطبعا الاميركان «ما صدقوا خبر»، فها هم يمدون يدهم اليمنى للايرانيين ويصفعون باليسرى وجه الخليجيين وكأنهم يقولون لهم ان السياسة ليس فيها صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة!!
طبعا هذا الموقف الاميركي أفرح اذناب ايران وجعلهم يتشمتون بدول الخليج، بل وصل الامر الى ان يهددوا الكويت واهلها بضرورة احترام ايران الدولة الكبرى، حتى قال احدهم «يجب ان يفهم الجميع ان ايران دولة كبرى….»!! «ويجب ان يفهم الجميع انه لا يوجد خليجي يتمنى ان تحكمه ايران التي لم تبد يوما اطماعا في اي دولة خليجية»!! هذا مسؤول سابق في حكومة دولة الكويت التي يهددها بوجوب ممارسة سياسة جديدة مع ايران، والغريب انه ينكر ان ايران لديها اطماع في دول الخليج!! بل وصل به الافتراء على التاريخ ان قال «ايران جارة كبيرة للكويت ولم يصلها منها اي اذى او ضرر»!
حان الوقت يا حكامنا الاعزاء الى الاتحاد ولو كونفدرالياً للوقوف في وجه الاطماع الايرانية في الخليج التي ستتوسع بعد إلغاء مفهوم الشيطنة الاميركية من قاموسها وبعد ان اعطى الاميركان فرصة لبشار الاسد لينحر من تبقى من الشعب السوري وبعد ان تعهدت ايران بممارسة دور شرطي الخليج!!
لم يعد مقبولا يا حكامنا الافاضل الا الاتحاد في وجه المتغيرات الجديدة واشعار الآخرين انكم دول تستحق البقاء والاحترام، وهذا طبعا يستلزم عدة امور، لعل اهمها وحدة الصف الداخلي وهو صف لا يختلف اثنان على تفككه اليوم وحاجته الى الترميم!