أشقاؤنا السوريون وجيراننا الإيرانيون هددوا، بصريح العبارة وصحيح الإشارة، دول الخليج في حال تعرض بشار الأسد لضربة دولية… وأنا أموت وأعرف ما الذي دار في اجتماع حكومتنا حول "استعدادات الكويت لضرب سورية"، أموت وأعرف فحوى الحديث الذي دار بين الوزراء، وهل دار حديث فعلاً أم أن "الحر تكفيه الإشارة"؟
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الصحة عن استعدادات وزارته، وعن "مخزون الدم" في بنك الدم، وعن "العزل الكيميائي" في المستشفيات والملاجئ، وعن السعة الاستيعابية الاحتياطية للمستشفيات، وعن "الأطقم الطبية" من الأطباء والممرضين الموضوعين على لائحة الاستدعاء الفوري من الخارج في اللحظات الحرجة، وعن "الأدوية والمعقمات والمستلزمات الطبية" المحفوظة للاستخدام على وجه السرعة في مثل هذه الحالات…
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الداخلية عن أساليب تدريب الضباط وضباط الصف والأفراد على التعامل مع الناس في الأزمات والكوارث، وما هو نوع التدريب، وهل يعرف هؤلاء العساكر كيفية حماية الملاجئ والسيطرة عليها؟ أو هل يعرف هؤلاء العساكر من الأساس أماكن الملاجئ؟ وهل تحدث الوزراء مع زميلهم وزير المواصلات عن "خطة الربط الداخلي والخارجي" وعن الخطوط الساخنة، وعن استعدادات الطيران المدني، ووو…
أموت وأعرف هل أطلع وزير الدفاع زملاءه الوزراء على خطة تأمين المنشآت النفطية ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء ببطاريات الصواريخ، وأماكن توزيع هذه البطاريات، ووو… وهل أطلع وزير التربية زملاءه على خطة تحويل المدارس إلى ملاجئ، وأماكن تخزين وتوزيع احتياجات الملاجئ، وهل تم تدريب التلاميذ الصغار على مثل هذه الأوضاع، وعن خطة التنسيق مع وزارتي الداخلية والصحة، ووو…
أموت وأعرف نوع الحوار الذي دار على حل شعره بين الوزراء أثناء حديثهم عن الاستعدادات للطوارئ والأزمات والكوارث، وإذا كان النائب رياض العدساني يقول: "الحكومة غير جاهزة"، فأنا أقول: "الحكومة غير جاهزة وغير جادة وغير قادرة أساساً على إدارة البلد في مثل تلك الظروف القاسية"، واسألوا الناس عن الكهرباء، لا في حالة السلم فقط، بل في حالة الرفاه والفوائض المالية.
الجميل في الموضوع أن الناس تعرف أن الحكومة غير صادقة في جاهزيتها، والحكومة تعلم أن الناس يعلمون أنها غير صادقة، ومفيش مشاكل.
الأمر الوحيد الذي لست على استعداد للموت في سبيل معرفته، هو: كيف سيتم صرف الأربعمئة مليون دينار التي خصصت للأزمة، فهذه نعرفها كلنا ونحفظها ونسمّعها عن ظهر غيب.
الشهر: سبتمبر 2013
الفتنة الكبرى لم تنته
وصفت الأديبة السورية غادة السمان حب حبيبها بـ"الطرق القروية في العالم الثالث نصفها مسدود، والنصف الآخر يقودنا للهاوية"، فهل مصير سورية الجريحة اليوم أصبح كوصف ابنتها غادة لحب حبيبها، فلا حلول معقولة يمكن تصورها، فهي إما أن تكون مسدودة أو تقود سورية وربما معها الشرق العربي إلى الهاوية؟
للصراع في سورية أكثر من وجه، فهو صراع من أجل الديمقراطية والحرية حين ابتدأ بتظاهرات سلمية واجهها بشار بالعنف وإرهاب الدولة، ليتحول إلى صراع طائفي بين السنة والعلوية، وحُشِرت الأقليات المسيحية فيه كقرابين مفضلة لتحرير أرض الخلافة القادمة، وليس هذا بجديد، فلنا سوابق قريبة قبيحة في الحرب الأهلية العراقية، وفي الوقت ذاته، وبهذا الوجه القبيح، أضحت معارك الطائفية دوامة عاصفة رهيبة تمتص قوى التطرف والإرهاب من بلاد السنة وبلاد الشيعة لجوفها المظلم، وهي حرب دولية بالوكالة تقف دول الخليج مع أهل السنة من ناحية، وإيران مع النظام العلوي الحاكم من ناحية أخرى، وهناك الدول الكبرى التي وقفت متفرجة في البداية، ثم أخيراً تحركت بقيادة الولايات المتحدة إلى جانب "الثوار" بتحفظ، فالثوار المستبسلون في القتال والأكثر كفاءة هم رفاق "القاعدة"، بينما وقفت روسيا كمساند للنظام، ولكل من الدولتين الكبيرتين أسبابها الخاصة التي تنطلق من أرضية المصالح.
معروف أن هناك أكثر من مئة ألف قتيل لهذه الحرب، وأكثر من مليوني لاجئ في الخارج، وأربعة ملايين مهجر في الداخل، وأضحت أجمل البلدان العربية تاريخياً أبشع مكان اليوم لمشاهد قطع الرؤوس ونهش الأكباد والقتل والتعذيب بالجملة وعلى الهوية، فماذا ستصنع "الضربة الجراحية الأميركية shot across tbe bows للخبيصة الدموية السورية؟! مؤكد أنها ليست إلا درساً لبشار لجريمة استعماله الكيماوي ضد العزل والأبرياء من أبناء شعبه، وهي، أيضاً، تأكيد لهيبة الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة، تلك الهيبة أو الرهبة التي تآكلت كثيراً في عهد أوباما، وهي ضمان لمخاوف إسرائيل من وقوع الكيماوي بأيدي رفاق "القاعدة"، وفي آخر الأمر هي مساندة لدول الخليج السنية المحافظة التي تدور حول المحور الأميركي وتابعيه، وفي أحسن الأحوال، مراهنة الولايات المتحدة على أن الضربة ستجبر النظام السوري للجلوس على طاولة المفاوضات السلمية، مع أن النظام الدموي السوري أعلن استعداده، منذ زمن، للذهاب إلى جنيف إلا أن المعارضة السورية المتفتتة لم تتفق على شروط التفاوض… أين الحل في النهاية؟… وبعد الضربة القادمة!
كثرت وصفات الحلول من الغرب والشرق، ويظهر أن أقربها للمعقول قد يكون أصعبها على القبول، ويزيد من صعوبة الحل أنه لا يوجد "رأس" أو جبهة واحدة للمعارضة السورية، وهنا تظهر رزانة منطق مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد كارتر "زبينو برجينسكي" بالدعوة إلى مؤتمر عام يضم كل أطراف الصراع في الداخل والخارج السوري، من بينها إيران ودول الخليج… ولن يكون من المستبعد في ذلك المؤتمر تقسيم سورية "قانوناً" كما هي "واقعاً" مقسمة، حالها كحال شقيقها العراق، أرض السواد والسيارات المفخخة القاتلة.
ختاماً لِنقُل إن الفتنة الكبرى لم تنتهِ بمعركة الجمل ولا بصفين ولا بمجزرة كربلاء، بل مازالت مستمرة منذ ذلك التاريخ وتنبض بالحياة في سورية والعراق ولبنان، وهي مرشحة للتجسد في جل أقطارنا العربية والإسلامية مادامت الرؤوس البشرية ظلت تحمل فكراً دينياً متطرفاً متخلفاً وأنظمة حكم طاغية تستمد قوتها وديمومتها من واقع التخلف الثقافي والتطرف الديني.
معذرة يا معلولا
معلولا مدينة سورية تقع على بعد 50 كلم من دمشق، ومرتفعة 1500 متر عن سطح البحر، واسمها بالسريانية، التي لا يزال أهاليها يتحدثون بها، يعني «المكان العالي»، وتكثر فيها معالم مسيحية مقدسة وقديمة مهمة يعود تاريخها لأكثر من الف عام، وغيرها لأكثر من ثلاثة آلاف. كما أن مسيحيي ومسلمي المدينة ما زالوا يتكلمون الآرامية، السريانية، التي يُعتقد أنها اللغة التي تحدث بها المسيح، عليه السلام. وتنفرد معلولا بمعالمها التاريخية، وأهمها الاديرة والكنائس والممرات الصخرية وآثار مسيحية قديمة، منها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة منحوتة في الصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا البطريركي. كما تتميز بيوت البلدة بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتصبح سطوح المنازل اروقة ومعابر لما فوقها من بيوت مشكّلة طابعا متميزا. يضم دير مار تقلا رفات القديسة تقلا ابنة أحد الامراء السلوقيين وتلميذة القديس بولس. وتعيش اليوم في الدير رهبنة نسائية ترعى شؤونه وتعتني به وبزائريه الذين يأتون إليه من كل صوب ومن أنحاء العالم كافة للتبرك وللزيارة. وإذا أمعن الزائر النظر من سطح الدير إلى الصخور المحيطة شاهد القلالي (اي غرف الانفراد المحفورة في الصخر) التي كانت خلوات للرهبان الذين ينصرفون إلى الصلاة والتأمل والتقشف والزهد، مما يدل على أن معلولا كانت مدينة رهبانية مقدسة ترتفع منها الصلوات والتضرعات ليلاً نهارا.
هذه هي معلولا، واحدة من أقدم مدن العالم واكثرها سلاما وبعدا عن امراض المدنية وشرورها، والتي عاش أهلوها، المنتمون لمختلف الأديان والطوائف، في سلام على مر العصور، ثم جاء المرضى النفسيون من جراد الصحوة والنصرة المسلحين حتى اسنانهم، جاؤوا بقنابلهم ومتفجراتهم ورشاشاتهم وكل ما بقلوبهم من حقد، واحتلوها وأهانوا حرماتها، في عمل وحشي لا يمكن تبريره بأي حال، فهذه البلدة لم تعتد على أحد، وليست قاعدة عسكرية ولا معقلا علويا ولا منصة إطلاق صواريخ، وكل ذنبها انها مسالمة وغير مسلحة وغالبية سكانها من المسيحيين! وهذه تهمة، بنظر من اعتدى عليهم، يستحق صاحبها عليها القتل!
نعم ما جرى في معلولا، التي أهدت العالم رياضيين مميزين وكتابا وادباء ورجال أعمال وإداريين كبارا، أمر لا يمكن تبريره، وإن كان بالإمكان فهم دوافعه الحقيرة، فسيدة المدن بأقدميتها ستستمر وستغفر لكتائب الشواذ ما اقترفوه بحقها من غير سبب ولا جرم اقترفته! فما جرى بها يصب في مسلسل «التطهير» الديني، ومحاولة تهجير مسيحيي سوريا والعراق ومصر ولبنان وغيرها، وحرماننا من ملح ارضنا، ليخلو الجو لشذاذ الآفاق من متخلفي الحركات الدينية المتطرفة، ليطعمونا الذل والتخلف، على طريقتهم!
* * *
• ملاحظة: خسر الطب الجراحي، مؤقتاً، الاستشاري يوسف العوضي، وربحته إدارة العلاج في الخارج، مديراً جديداً ونزيهاً، نتمنى للدكتور العوضي التوفيق في عمله الجديد.. والصعب!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
<
حصاد السنين .. أخطاء الرئيس مرسي
طوال شهرين وأنا استمع إلى حجج المؤيدين لإسقاط الرئيس المصري محمد مرسي بالقوة الغاشمة عن طريق الانقلاب العسكري واستطعت ان احصرها في التالي:
– أخونة الدولة: ويقصدون ان الرئيس مرسي عيّن الاخوان المسلمين في معظم المناصب القيادية للدولة المصرية وتجاهل بقية فئات المجتمع المصري.
– الانفتاح على ايران، مما فتح المجال للتشيع في المجتمع المصري.
– التآمر مع حركة حماس لاضعاف مقدرات الشعب المصري وامكاناته.
هذه أهم الاخطاء التي يراها خصوم مرسي سبباً كافياً للعمل على اسقاطه، وقد بحثت في موضوع الاخونة، فوجدت العجب العجاب، واكتشفت حجم الافتراء على الرئيس، حيث تبين لي ما يلي: رئيس الوزراء قنديل لم يكن منتمياً إلى الاخوان المسلمين في يوم من الايام، اما اول حكومة تتشكل فكانت تحوي عدداً كبيراً من القوى السياسية المختلفة ولم تتجاوز حصة الاخوان اكثر من ثلاثة وزراء! اما الحكومة الثانية فقد تم استدعاء جبهة الانقاذ للمشاركة لكنها رفضت مع ان المنصب المقترح لها كان نائب رئيس الوزراء. والدليل على ان الاخونة لم تكن موجودة في الحكومة ان وزارات السيادة الاربع (الخارجية والداخلية والدفاع والاعلام) لم يوزر فيها أي من الاخوان، حيث ان وزراءها هم اول من انقلبوا على الرئيس مرسي!
– تم تعيين سبعة عشر محافظا في عهد مرسي منهم ثلاثة فقط من حزب الرئيس والبقية من الكفاءات المدنية المستقلة او المنتمية الى احزاب سياسية اخرى.
– اختار مجلس الشورى «المنتخب» اربعة عشر رئيسا للصحف وبعض المؤسسات الاعلامية ولم يكن فيهم أي من الاخوان عدا واحد فقط. والدليل ان هذه الصحف، وبالذات الاهرام والاخبار والجمهورية، كانت تمتلئ يوميا بالمقالات التي تعارض الاخوان وتنتقد الرئيس!
– عندما اختار مجلس الشعب المنتخب لجنة لصياغة الدستور ثارت ثائرة المعارضين وطالبوا بتغييرها وفعلا تم تغييرها واعادة تشكيلها بحيث أصبح الاخوان أقلية فيها!
وللعلم، في كل الدول الديموقراطية الرئيس الفائز بالانتخابات يختار الفريق الذي يدير العمل الحكومي من حزبه نفسه حتى يتحقق الانسجام بين الرئاسة والحكومة، ويتمكن الاثنان من تحقيق البرنامج الذي في ضوئه تم اختيار هذا الرئيس من الشعب، ومع هذا حرص مرسي على ان يكون رئيساً لكل المصريين ويضرب مثالا لمن بعده غير ان خصومه لم يمهلوه فثاروا عليه في الشهر الثاني من ولايته، وساعدهم الاعلام، الذي رفض مرسي أخونته، فكان السهم الذي أصابه في مقتل! لذلك اعتقد ان اكبر أخطاء مرسي أنه لم يُؤَخون وزارات السيادة، وحرص على مثالية لا تصلح لمجتمع كان محكوما بالدكتاتورية والبطش عقوداً طويلة.
اما موضوع الانفتاح على ايران وتسهيل حركة التشيع داخل المجتمع المصري فهذا مردود عليه بموقف الرئيس في طهران وهو موقف عجز عن مثله زعماء العرب والمسلمين. والدليل على غضب ايران من مرسي وسياسته هو موقف علماء الشيعة وايران من الانقلاب الدموي عليه! أما دعمه لـ «حماس» فقد اتضح الآن ان الانقلابيين ضد حكومة حماس في غزة بل ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، والدليل انهم هدموا كل الانفاق التي كان يتنفس منها اهل غزة المحاصرة من كل جانب، وشاهدنا كيف تحولت الحياة في غزة اليوم الى جحيم وسجن كبير لمليون فلسطيني!
ختاما، ستثبت الايام حقيقة الانقلابيين، وستتكشف اهدافهم للناس، وسيبدأ شباب الثورة بالتبرؤ منهم لكن بعد فوات الوقت، ما لم يسقط الانقلاب بثورة شعبية مضادة بدأنا نشاهد بوادرها الجمعة الماضي عندما تحركت التظاهرات في ستمائة موقع في عموم الجمهورية.
***
• انا افهم لماذا يكذب اعلام الانقلاب ويضلل الناس ويعطي صورة مخالفة للواقع، لكن الذي لا افهمه ان يمارس هذا الدور مراسل تلفزيون الكويت يوم الجمعة الماضي في اخبار منتصف الليل عندما يخرج علينا ويقول ان الشوارع اليوم هادئة! وكلنا شاهدنا بأم أعيننا الآلاف يتحركون في كل شارع وقرية ومدينة؟!
***
• شكر خاص للاخ وزير الدفاع على قراره الانساني لحل مشكلة المسرحين، وما هي غريبة على بومحمد هذه المبادرات والتي نتوقع منها المزيد لدعم امن البلد واستقراره.
شبكة الأمان!
تحليل الأوضاع الحالية للأسر الحاكمة في بعض دول الخليج العربية، يحفز العقل باتجاه التفكير في إجابة على السؤال التالي:
إذا بلغ ضعف الأسر الحاكمة الحد الذي يجعلها غير ممسكة بزمام الأمور، من هي “الفئة”، أو “الجماعة”، أو “المجموعة”، التي ستكون “الوريث السياسي” لنفوذ تلك الأسر؟ أقول “نفوذ” وليس “حكم”، لأن إزاحة تلك الأسر من السلطة ليس مطروحا. متابعة قراءة شبكة الأمان!
الإخوان والكوكلوكس كلان
“>عندما ننظر لشعار الإخوان المسلمين، بسيفيه المشهرين وكلمة «وأعدوا» المأخوذة من آية قرآنية تدعو لمحاربة «أعداء الله» بكل وسيلة، ومنها السيف، نعلم تماما أن كل ما يدعيه هؤلاء من سلمية حركتهم أمر مشكوك فيه، ويتناقض وصلب عقيدتهم. ومن هذا المنطلق من الخطر إشراكهم مباشرة، أو حتى إشراك من يميل لأفكارهم، في مهمة صياغة دستور مصر الجديد. وما ينطبق على الإخوان ينطبق على غيرهم من الغربان، الذين قد يكونون أقل تنظيما وعددا، ولكنهم حتما أكثر تخلفا! يقول الزميل المصري كمال غبريال بما معناه أننا إن أردنا دستوراً ينقلنا من التخلف إلى حضارة العصر، فربما علينا أن نوكل كتابته لأمة أخرى تعيش الحاضر وقيمه، فصياغة دستور بواسطة القوى والتيارات السياسية الحالية، وفي غياب رؤى مستقبلية واضحة وحداثية بحق، يجعل الصياغة تحصيلا حاصلا، ولن ينتج إلا دستور عاجز عن نقل مصر حضارياً، وإلى واقع عالمي عجزت طوال عقود وربما قرون عن الانتماء له، بل وناصبته العداء، باعتبار الحضارة المعاصرة تهدد بسلب هويتنا، ولا تتناسب مع خصوصيتنا، تلك التي نراها فريدة، مما يستدعي الحرص عليها، بأكثر من حرصنا على حاضرنا وعلى مستقبل أولادنا وأحفادنا. ويقول ان من الضروري تنحية أي تأثير لرجال الدين، بكل تياراتهم، على عملية صياغة الدستور لكي لا يجهض أهم ما تحقق في 30 يونيو، وهو السعي نحو تأسيس دولة علمانية، فما قد يعجز هؤلاء المتعصبون عن تحقيقه بخناجرهم ومتفجراتهم، يمكن أن يحققوه بتواجدهم ضمن لجنة الصياغة، حتى لو كان فردا واحدا. فبدون «الفرز» و«التطهير» يتحول الوطن لساحة من النفايات تسعى فيها العقارب والثعابين. ألم تطارد إيطاليا المافيا، وتطارد أميركا كوكلوكس كلان، كما يطارد العالم كله الآن تنظيم «القاعدة»، فلماذا يحرم على الشعب المصري وحده تطهير صفوفه بدعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها سموم قاتلة؟ ويقول الزميل ان العالم الغربي أضر بقضية الحداثة في مصر أبلغ الضرر، فرغم أياديه البيضاء على الإنسانية بعامة، وعلى الدول المتخلفة كمصر، فإن شيوع أيديولوجية العروبة والإسلام السياسي، بما جلبا من نظرية المؤامرة، شاع تصور شيطنة الغرب، وكان أمل المستنيرين في المنطقة مجيء فجر الحقيقة، لتتجه بالشعوب نحو قبلة الحضارة الغربية الإنسانية، مخلفة وراءها مستنقعات التخلف، أما وقد اختارت إدارات العالم الغربي تقمص دور الشيطان في مواجهة الشعب المصري، فلا حيلة لنا نحن دعاة الحداثة إلا أن نرفع راية الاستسلام، مؤقتاً على الأقل، وأن نحارب الإرهاب وحدنا متحدين إرادة السادة القابعين في سائر العواصم الغربية. وبمشاركة فصائل الإسلام السياسي في العملية السياسية، نتجه للوضع السابق نفسه، وهو وضع «اللاحسم»، لتبقى مصر تتأرجح مكانها دونما قدرة على التقدم للأمام، أو التقهقر لغياهب عصور التخلف. ومشاركة المتخلفين مرفوضة حتى لو تعهدوا بالتزام الديموقراطية والمواطنة، فهذا قول غير معقول، وهم لن يتخلوا عن أفكارهم الجهادية ابدا! ومن يقل غير ذلك فهو يخدع نفسه قبل أن يحاول خداع أو تضليل غيره. فالخلاف يتعلق بوظيفة الدولة، فالقوى المدنية ترى أنه عليها تنظيم العلاقات بين المواطنين، أما الدولة الدينية فترى أن الدولة عليها الاهتمام بكل شيء من آداب دخول المرحاض إلى اشتراطات دخول الجنة! تلك هي المشكلة وليس مجرد الخلاف حول الديموقراطية وتبادل السلطة وما شابه.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
يسألونكم عن… «الفتنة»!
اي والله هي مصيبة… في العالم العربي والإسلامي، هناك «فتنة كبرى»، لكن، لا أحد يعلم من وراء تلك الفتنة! ومن يعلم يتظاهر بأنه لا يعلم، بل حتى رأس الفتنة يدّعي أنه ضد الفتنة! والأشد من ذلك، أن أقطاب أي فتنة وجمهورهم وعبيدهم وجلاوزتهم وشذاذ آفاقهم وعصاباتهم.. أيضاً، يحذّرون من الفتنة التي لعن الله من أيقظها!
إذاً، نحن أمام فتنٍ تملأ كل بقاع الوطن العربي والإسلامي، لكن، ويا للهول، لا أحد قادر، لا حكام ولا محكومين، على معرفة من أولئك الجن والعفاريت والسحرة الذي يحيكون الفتن في الأمة. والمضحك، بل المضحك جداً، أن الناس في كثير من الحالات يصفقون لمن حذّرهم من الفتنة وهم يعلمون أن من صفّقوا له هو قائد الفتنة.
معذرةً أيها الكرام، بحثت عن تحذير من الفتنة بين أوساط الصهاينة، طيلة العامين الماضيين على الأقل، أي مع سطوح صحوة المطالبة بالحقوق العربية، فلم أجد أن الصهاينة حذروا بعضهم من بعض لا من فتنة ولا من تخوين ولا من اتهامات ولا من قتل ولا من سجن ولا من تعذيب ولا من فصل ولا من لجان تقصي حقائق ولا من صدام عنصري وطائفي ولا من إعلام منحط سافل ولا من عبث بالقانون ولا يحزنون. كل تلك الأمور تركوها للفلسطينيين بالمناسبة، حتى وإن فعلها الصهاينة أنفسهم، فإنهم لا يحذرون منها ويتغاضون ويغطّون على بعضهم بعضاً.
بالمقابل، سأقدم للقارئ الكريم بضع نماذج من تصريحات عدد من علماء الدين والسياسيين في بلادنا العربية، من الشام لبغدان، وفي بطنها تكبر كلمة «فتنة»:
* ماذا لو رجعنا إلى خطبة ليوسف القرضاوي يوم الجمعة 14 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011 وتأملنا هذه العبارة التي نقلتها الأخبار الصحافية: انتقد رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين القرضاوى الرئيسين السورى بشار الأسد واليمني على عبد الله صالح وطلب منهما الرحيل، فيما حذّر من إشعال نار الفتنة فى مصر»… تأملوا جيّداً!
* حذر الشيخ محمد قبانى، مفتى لبنان، السنة والشيعة من «الانجرار إلى الفتنة نتيجة (التفجيرات المروعة والغادرة)»، قائلاً: «نوجه عناية أبنائنا المسلمين سنةً وشيعةً على السواء، ألا ينجروا إلى الفتنة المذهبية التى تعمل (إسرائيل) وأدواتها على إغراقهم وإغراق لبنان فى بحور دمائها».
* دعا الشيخ عبدالرحمن السديس، إمام الحرم المكي الشريف، إلى عدم الإصغاء لدعاة الفتنة وخفافيش الظلام ومثيري الشغب والفوضى ومروّجي الأفكار الضالة، وممن جعلوا أنفسهم أدوات في أيدي أعدائهم، لا سيما عبر شبكات البث المعلوماتي ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن «هؤلاء اللئام قد تطايرت أحلامهم وملأ الحقد صدورهم، فصاروا أطيش من القدوح الأقرح وساءهم كل ما يفرح، فانعكس عليهم الحال وساءت بهم الأفعال، الأمر الذي قضّ مضاجعهم وبثّ الأراجيف الكاذبة والشائعات المغرضة».
* حذّر الأزهر الشريف الأمّة الإسلامية من تكفير الخصوم واتّهامهم في دينهم، ودعاها إلى الوفاق بين أبنائها، ووجّهت مشيخة الأزهر الشّريف في بيان وقّعه الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب تحذيراً شديد اللّهجة للأمّة الإسلامية من الوقوع في الفتنة والعنف وتكفير الخصوم واتّهامهم في دينهم. وأكّد البيان أنّ المعارضة السّلمية لوليّ الأمر الشّرعي «جائزة ومباحة شرعاً»، ولا علاقة لها «بالإيمان والكفر».
* حذّر مرشد الجمهورية آية الله السيد علي الخامنئي من وجود محاولات يقوم بها الأعداء لإيجاد الفرقة والبغضاء بين الشيعة والسنة.
* حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من فتنة «كارثية ماحقة حارقة» تطل برأسها على العراق، داعياً إلى الحوار ورفض كل ما يؤثر على الوحدة من ارتباطات وعلاقات وانتماءات، وأن انتماءنا هو الإسلام وهويتنا العراق الذي يجمعنا، وعلينا أن نحفظهما، وأن فكرة الطائفية البغيضة هو أخطر ما يهدّد وحدة هذه الأمة، وهى الآن تنتعش في هذه الأيام بعد أن تصوّرنا واعتقدنا أننا قضينا على هذه الفتنة.
* دعا الوزير اللبناني أحمد كرامي الطرابلسيين إلى وأد الفتنة، داعياً الدولة إلى القيام بواجباتها وتحمّل المسئولية، مشيداً بالجيش الذي يقوم بواجباته على أكمل وجه.
* دعا وزير شئون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات كافة الفصائل والحركات الفلسطينية الفاعلة إلى وأد الفتنه ونبذ الخلافات، والعمل على جمع الكلمة تحت راية السلطة لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بدحر الاحتلال، وقيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
متعبة… نعم، عملية رصد (مفردات الفتنة)، شاقة لأنها لا تنتهي! وهي في غالبها مجرد كلام، لكن بالتأكيد، فإن التحذير من «الفتنة» واجب. وما أردت الإشارة إليه هو: «ألم ننتهي بعد من مراحل التحذير من الفتن، طوال عقود من الزمن، إلى التصدّي للفتن ورؤوسها في أمتنا؟». والجميل، أن هناك رأياً يقول أن الحكومات في العالم العربي والإسلامي هي الحصن من الفتن! يا حبيبي، إذا كانت الحكومات العربية والإسلامية هي رأس الفتن، فلا داعي لجمبزة التحذيرات.
الضربة الأميركية محدودة أو إستراتيجية
مرّ ما يقارب الثلاثة أعوام على اندلاع الثورة السورية، والذي استخدم فيها النظام السوري كل أنواع (جرائم الحرب) التي تقشعر منها الأبدان، كالقتل بأبشع صوره للمدنيين والأطفال واغتصاب النساء، وقام بهدم بيوت السوريين على رؤوسهم بصواريخه وطائراته، وآخر جرائمه التي هزت العالم بأكمله، استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد سكان الغوطة المدنيين العزل، والتي راح ضحيتها ما يقارب 2000 قتيل أغلبهم من الأطفال والنساء.
في السابق ربما كانت أيدى دول العالم مغلولة حيث لا يمكنهم التدخل في صراع سوري داخلي بين النظام والثوار، أما وقد وقع النظام السوري في شر أعماله باستخدامه الأسلحة الكيماوية، فقد بات من الممكن أخلاقيا وسياسيا وقانونيا التدخل في هذا الصراع الداخلي لتجاوزه حدود القانون الدولي الإنساني والجنائي.
كل دول العالم نددت بتلك الجريمة البشعة واستنكرتها تلك الجريمة المتمثلة في استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد شعبه، بل ذهبت أميركيا وبريطانيا وفرنسا إلى ضرورة معاقبته لتجاوزه المحظور القانوني ولزعزعته الأمن والاستقرار الدولي وتخطيه كل الخطوط الحمراء.
وأكدت الإدارة الأميركية وبكل وضوح ومما لا يجعل مجالا للشك، أنها ستعاقب النظام السوري على فعلته، وأنها ستقوم بالتحديد بضربة عسكرية موجهة ضده، ولكن لا أحد يعلم توقيت الضربة ولا حجمها ولا تأثيراتها.
السوابق الأميركية للضربات العسكرية خاصة للإدارة الديموقراطية، تؤكد أنها دائما ما تكون محدودة جدا وليست لها تأثيرات.
فكلنا يتذكر عملية «انفاينت ريج» الذي أمر بها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ردا على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في أغسطس 1998، حيث اقتصرت الضربة العسكرية الرمزية على هجوم بصواريخ كروز ضد ما يشتبه بأنه معسكرات تدريب إرهابيين في أفغانستان وأحد المصانع الكيميائية في السودان.
وكذلك في 16 ديسمبر 1998 كانت هناك عملية عسكرية أخرى قامت بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسميت بـ «ثعلب الصحراء» واستمرت لمدة 4 أيام، وكانت عبارة عن الرد الأميركي على عدم تعاون العراق مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكانت الضربة العسكرية أيضا محدودة، واقتصرت على قصف جوي استهدفت بعض المواقع في بغداد.
ما أريد التأكيد عليه هو أن تاريخ الديموقراطيين ومنذ تورطهم في الحرب الفيتنامية لا يشجع على التكهن بأنهم سيقومون بحرب أو بضربة عسكرية مبرحة على الأقل.
لذلك من المؤكد أن الضربة الأميركية ستكون محدودة، ولن تتعدى استهداف مراكز التحكم والقيادة وعددا من المطارات العسكرية ولواء القوات المسلحة السورية المتهم باستخدام الأسلحة الكيماوية ومخازن للأسلحة لاسيما الصواريخ.
من المهم ان تكون الضربة «محدودة» كما اعلن عنها، لتكون بمنزلة الرسالة للنظام السوري لعدم الرد عليها، وبأن استيعاب الضربة أقل تكلفة عليه من الرد عليها.
ولا يمنع أن تكون الضربة الأميركية «استراتيجية» ولو كانت ضربة محدودة، وأقصد بـ «استراتيجية» تلك التي تغير موازيين القوى على الأرض في سورية، وترجح كفة الجيش الحر أمام قوات النظام او تساويها على الأقل.
فالضربة الأميركية إذا ما نجحت في تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية والمطارات العسكرية التي تقلع منها طائرات النظام السوري، ودمرت منصات إطلاق صواريخه، فإن المعركة على الأرض بين النظام والثوار ستكون عادلة.
عندها لن يتحمل النظام السوري هجمات الجيش الحر الذي يقترب منه كثيرا، وسيكون بين خياريين لا ثالث لهما، إما الذهاب إلى طاولة المفاوضات ذليلا، أو الهروب الكبير.
في النهاية، ربما يصدق قول المفكر العسكري البروسي «كلاوسفتز» عندما عرف الحرب بأنها «امتداد للديبلوماسية بطريق أخرى».
وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٣ / الأخيرة)
استكمالاً للمقالتين السابقتين عن العلامات التي سأضعها على ظهور وعاظ السلاطين، المتاجرين بالدين، ليسهل كشفهم وتعريتهم ونبذهم…
– من أبرز علاماتهم رضى الحكام الظالمين عنهم، ومنحهم المناصب الدينية الحساسة، واستدعاؤهم للمناسبات التي يحضرها السلاطين، وتخصيص المقاعد الأمامية لهم، في حين يتجاهل السلاطين علماء الدين الأحرار الزهاد، ويحاربونهم، وقد يسجنونهم ويعزرونهم.
– يتبادل وعاظ السلاطين مع سلاطينهم الظالمين "معاهدات الحماية"؛ أنت تغطيني بالدرع الدينية، وأنا أغطيك بالقوة العسكرية والقوانين والقضاء وأسخّر مؤسسات الدولة لخدمتك وحمايتك وتنفيعك.
– وعاظ السلاطين هم الذين يدربون تلاميذهم على الرد على منتقديهم بـ: "لحوم العلماء مسمومة"، وكأن لحوم بقية البشر مدهونة بالزيت والليمون، جاهزة للتقطيع والأكل، كما يُفهم ضمناً.
– وعاظ السلاطين يتدخلون في العلوم الدنيوية الحديثة بكل ثقة وبجاحة، فبقدرة قادر، ومن دون أي دراسة، ففي الفيزياء، هم علماء ومكتشفون، يخسي أجدعها فيزيائي في العالم ينافسهم، وفي الكيمياء يميزون بين الغازات باللمس، وبين السوائل بالعض بالأسنان المجردة، وفي كرة القدم يدربون ميسي ورونالدو، وفي الفلك يتفضلون على "ناسا" بالدروس الخصوصية، وفي الجيولوجيا وعلوم التربة تتقزم أمامهم شركات التنقيب عن النفط، وفي الاقتصاد تتضاءل أمامهم قيادات البنك الفدرالي الأميركي… يا عمي عن ماذا تتحدث؟ أنت أمام مكتبات ومختبرات على هيئة بشر، ويا ويلك ويا سواد ليلك، إن احتججت على معلومة لهم أو فكرة حتى لو كانت في مجال تخصصك أو في الشأن العام، فأنت "تهرف بما لا تعرف"، من أنت قياساً بوعاظ السلاطين العارفين الهارفين؟ احترم نفسك واخرس.
– وعاظ السلاطين لابد أن يذكّروك بـ"الأمن والأمان"، ثم يتركوك تفهم وحدك من دون أن يقولوا لك صراحة الجملة التي تليها "إذا اعترضت على قرارات السلطان الظالمة فلا أمن لك ولا أمان"، وهم يعرفون قبل غيرهم أنك لا تأمن على مالك ولا على أرضك من السلطان أو أبنائه، ولا تأمن على حياتك إن أنت عبرت عن رأيك بصراحة، أو حتى بتلميح.
يا صاحبي… العلامات التي تكشف وعاظ السلاطين كثيرة جداً، سقت لك بعضها، وبالتأكيد هناك غيرها، فركز وقارن ولا تنطلِ عليك حيلهم، حتى لو تبوأوا أعلى المناصب الدينية، أو رُزقوا عذوبةَ صوت وطلاقة حديث، أو حُسن مظهر. فقط ركز وحرك عقلك.
أنتم الثور الأسود
يعاني عدد من الليبراليين، وليس كلهم، أزمة موقف سياسي مقلقة بعد "انقلاب" ٣٠ يونيو العسكري في مصر، حيث يصر الكثير منهم على تغيير لفظ انقلاب إلى لفظ "ثورة" شعبية، حتى يرتاح ضميرهم "الليبرالي" من عبء مساندة الجنرالات الجدد وحاشيتهم في كورس النظام بمصر. كان الأحرى بالأصدقاء الليبراليين في الكويت أن يتمهلوا، ولا يندفعوا في أحلامهم وأوهامهم عن النظام "الجديد" وأنه أنهى مشروع الدولة الدينية لحكم "الإخوان"، وأنهم أمام مشروع تقدمي ليبرالي عظيم يساند الحقوق والحريات الأساسية ويقيم العدالة الاجتماعية، ويصبح أساساً للدولة التقدمية في مصر، التي ستقود العالم العربي المتخلف خلفها في دنيا الحريات والديمقراطية، وتنهي حالة البؤس الاستبدادية والتخلف الفكري التي تعانيها المجتمعات العربية منذ لحظة ولادة أكثر دولها المتنافرة عرقياً ودينياً ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الثانية! وكأن ليبراليينا يرون قصر "ماجيك كنغدوم" المملكة السحرية في "ديزني لاند" قادماً لهم من مصر، وبطريقة الأفلام الهوليوودية عن حتمية انتصار البطل الجميل في نهاية الفيلم.
عند بعض هؤلاء الليبراليين خوف وقلق وجوديان من دولة الاستبداد الديني، وشدَّد تلك المخاوفَ اجتهاداتٌ وممارسات خاطئة للرئيس مرسي خلال فترة حكمه القصيرة، عجز فيها عن استيعاب القوى الأخرى غير "الإخوان" ضمن مؤسسة الحكم. تحت تأثير تلك المخاوف لم يرَ هؤلاء الليبراليون الجانب المظلم للمسرح المصري عن نفوذ وقوة مؤسسات الفساد المتمثلة في الدولة العميقة بمصر، والتي كانت ومازالت، تنخر كالسوس في عظام ذلك القطر لأكثر من ثلاثين عاماً، والتي تتحين الفرص لإنهاء مشروع التغيير نحو الديمقراطية، بمساندة دول رجعية عربية تخشى كلمة "تغيير" وتريد أن تمحو تلك الكلمة من القاموس العربي.
آخرون يضعون على وجوههم أقنعة الحداثة والليبرالية، ولكنهم في حقيقتهم جزء ثابت من منظومة الأنظمة القائمة العربية الرافضة للتغيير، وتأييدهم للانقلاب يصبح مسألة مفهومة، وإن تذرعوا وتحججوا بخطاب أجوف عن الحقوق والحريات، تلك الجماعات الانتهازية المتسلقة ليست موضوع الحديث. الذي يهمني هو الفريق الأول الذي أعمته كراهية "الإخوان" عن رؤية الواقع، فأحد الكتاب الغربيين، ومثله بالمناسبة كثيرون، كان تحليله ورؤيته لما حدث بمصر أكثر مصداقية من أصدقائنا الواهمين، هو مايكل كوبلو، والذي يذكّرنا بدورية "فورن أفيرز" عن انتخابات زين العابدين في تونس عام ٨٧ حين أمسك الحكم وأوهم أهل البلد أنه يحمل مشروعاً ديمقراطياً ليبرالياً منفتحاً وأفرج عن السجناء السياسيين، وأجرى انتخابات برلمانية في نوفمبر ذلك العام، وحين ظهرت النتائج عن تقدم الإسلاميين، تم التلاعب بها وضرب الإسلاميين بعدها، ولم يمضِِ وقت طويل حتى استدار نحو بقية القوى المعارضة لينفرد ويبطش بهم، لم يفرق بين إسلامي وليبرالي ويساري.
تلك حادثة قريبة، فهل يتذكرها ربع الليبراليين اليوم ويتذكرون أنهم الثور الأسود الذي سيتم التهامه بعد الثور الإسلامي الأبيض إن لم يكن قد تم ابتلاعهم سلفاً؟!