في عام 1948 أعلن الامام حسن البنا الجهاد في فلسطين، وتحركت كتائب الاخوان المسلمين لمقاتلة اليهود في ارض الاسراء، وقد أبلوا بلاء حسناً لولا الخيانات التي حدثت في مختلف الجبهات العربية، وعندما رجعوا الى مصر بالباصات كانوا يتوقعون ان يتم استقبالهم استقبالا يليق بجهادهم، غير انهم فوجئوا بالباصات التي تقلهم تفتح ابوابها داخل السجون والمعتقلات! وتم حل الجماعة، وبدأت حملة مطاردة لقادتها ورموزها، والتنكيل بهم، واختتمت باغتيال الامام الشهيد في عام 1949!
وبعد ثلاث سنوات فقط رجعت الجماعة اقوى من السابق، مما اضطر الضباط الاحرار الى اختيار شخصية لرئاسة اول جمهورية بعد الملكية قريبة من الاخوان المسلمين نظرا لشعبية الجماعة الواسعة في اوساط الشعب المصري! ثم انقلب عبدالناصر عليهم في 1954 وحل الجماعة في 1956، وبدأ حملة تنكيل ومطاردة جديدة، وامتلأت المعتقلات بقادتهم وشبابهم، وأُعدم معظم رموزهم ظناً منه انه بذلك ينهي وجودهم، لكن ظنه خاب، ومسعاه ضلّ، مما اضطره الى حل الجماعة اكثر من مرة. ولما مات، جاء السادات واصدر قرارا بالافراج عن كل من امضى في السجون اكثر من عشرين عاما، بيد انه منعهم من ممارسة أنشطتهم، وقيد تحركهم، وبعد كامب ديفيد ثار عليه الاخوان، مع من ثار من العرب، فحل الجماعة، واعاد قادتها الى السجون. ويتكرر السيناريو مع حسني مبارك الذي جعل الاخوان يتعودون على طريق السجن المركزي وابوزعبل وطرة ويعرفونها اكثر من معرفتهم للطرق المؤدية الى منازلهم!
وماذا كانت حصيلة هذه السنوات والعقود من زجهم في السجون والمعتقلات من دون محاكمات أو بمحاكمات صورية وتهم ملفقة؟!
ها هم يكتسحون اول انتخابات نزيهة يشاركون فيها، مما يؤكد معنى واحداً وهو ان حل الجماعة وزج قادتها في المعتقلات لا يزيدانها الا شعبية ولا يزيدان رموزها الا صلابة وقناعة أكثر بمبادئهم. ها هي الجماعة باقية ومستمرة، وها هم الحكام من الخديوي فاروق، مرورا بطاغية العصر العبد الخاسر الى السادات الى مبارك، قد ذهبوا الى مهملات التاريخ غير مأسوف عليهم! وها هو السيسي يسير على المنهج نفسه من دون ان يتعلم من التاريخ القريب. لكن اذا عُلم السبب بطل العجب، فالنظام الدموي يتلقى توجيهاته من معازيبه الذين من اجلهم بدأ حرب التجويع والحصار على شعب غزة الاعزل لتصفية القضية الفلسطينية وانهائها كما يريدون وبمباركة من رام الله!
إن من هلل للحل ظناً منه انه ينهي وجود جماعة الاخوان المسلمين قد أخطأ قراءة التاريخ، فالحل سيزيد من شعبيتهم بالضبط كما الانقلاب جعل الكثير يتعاطف معهم رغم معارضته لهم في السابق، والحل سيجعل بيدهم ورقة للضغط على المنظمات الاممية والدولية، وسيحرجها للتحرك ضد القرار المخالف لابسط القوانين والمبادئ المعمول بها، ويكفي انه صدر من محكمة غير مختصة بحل الجماعات السياسية. اما المنطق فيقول: كيف يرفع حزب التجمع، الذي حاز على واحد في المائة فقط من اصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية الاخيرة، قضية لحل جماعة الاخوان المسلمين التي حازت على نصف اصوات الناخبين ويجاب طلبه؟!
ان موضوع حل الجماعة سيزيد من جراح القوى المدنية والشعبية والوطنية في العالم العربي بالذات، حيث سيحرجهم مرة ثانية وسيعري مواقفهم ومبادئهم التي تعرت بسبب تأييدهم للانقلاب العسكري. ونتوقع ان تستمر هذه القوى في اتخاذ المواقف المشبوهة والمخالفة لابسط قواعد اللعبة السياسية والمبادئ الانسانية وتبارك الحل وتدعمه.
ونقول لمن فرح بهذا القرار غير القانوني ان السجون المصرية ومعسكرات الجيش تحتضن اليوم خمسين الفاً من شباب الاخوان ومفكريها وقادتها، ومع هذا ها هي مصر كلها تنتفض يوميا ضد الانقلاب، وكلما زاد الظالم من بطشه وقسوته زاد الشعب من اصراره على الاستمرار واستكمال مسيرته حتى سقوط الانقلاب، «وَسَيَعْلَم الَّذ.ينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَل.بُونَ».
***
أطمئن القارئ العزيز وكل من يهمه امري انني سأكتب مقال الاحد المقبل عن اكاذيب من يتستر «خلف الكواليس» ويكتب باسماء وألقاب مستعارة، وذلك بعد ان اكون انتهيت من استكمال الاجراءات القانونية ضدهم، والله المستعان.