“>
في سابقة فريدة من نوعها قام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بإحالة عشرات من موظفي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى النيابة العامة بتهم تتعلق بارتكابهم مخالفات مالية وإدارية جسيمة! وندرة الحالة لا علاقة لها بقلة ما يرتكب في هذه الوزارة الدينية والقلعة الحصينة من مخالفات وسرقات، بل بعملية الإحالة نفسها، فهي السابقة، علما بأن الوزير ربما قام بذلك لعدم وجود حل آخر أمامه لمعالجة الفضيحة، بعد ان وجد ان الوضع لا يمكن السكوت عنه، كالعادة، بإجراء تنقلات هنا وإعفاءات هناك! ولكن قراره يشكر عليه في جميع الأحوال.
إن حالة الإحالة إلى النيابة في هذه الوزارة الدينية التي يفترض أن العاملين فيها هم من اكثر موظفي الدولة التزاما بالدين وتمتعا بالنزاهة والأمانة، حتى أنهم رفضوا أن تعمل بينهم من ليست محجبة، دع عنك من هو ليس من حزبهم الديني أو طائفتهم، تعني أنهم بشر مثلهم مثل غيرهم، ولم يجعلهم حرصهم المبالغ فيه، في مجمع الوزارات مثلا، على أداء الواجبات الدينية، أكثر أمانة من غيرهم. كما أن رفضهم لعمل غير المحجبات فيها لم يساهم في رفع المستوى الخلقي لموظفي الوزارة، فالشخص الذي يرغب في إنقاص وزنه مثلا يحاول جاهدا الابتعاد عن منظر الأغذية «الشهية»، بسبب ضعف إرادته! فالرفض منبعه الخوف، وليس الفضيلة!
وفي السياق نفسه أثيرت في السعودية، وفي غيرها من دولنا، وبالذات على وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير من أخبار اختفاء الملايين من مبالغ التبرعات التي دفعها الغافلون للجهاد في سوريا. وأنها اختفت مع اختفاء من كان وراء جمعها. كما أن الكثير من التبرعات العينية التي جمعتها أكثر من جهة لم تصل للمحتاجين لها. وكشف موسى الغنامي، وهو رجل دين سعودي معروف، النقاب عن السرقات من تبرعات جمعت باسم إغاثة الشعب السوري. وأورد اسم «جمعية س…»، واسم أمينها «الشيخ سعد. ش».كما ذكر أسماء من شهدوا على أمانة أمين الجمعية ونزاهته، غير الأمين، ومن هؤلاء «دعاة كبار»، ولا أدري كبار في ماذا! ومنهم الداعية «م. ع»! وأن هؤلاء شاركوا في تزكية الجمعية، وشاركوا، بعد الفضيحة، في التكتم عليها.
وبالرغم من أن الشيخ الغنامي ذكر الأسماء صراحة في موقعه على تويتر فان أحدا لم يجرؤ على الرد عليه. وهاتان الحادثتان، وغيرهما الكثير، تؤكدان ما سبق ان ذكرناه من أن الجرعة الزائدة من التدين لا تعني نزاهة اكثر وامانة اقوى، فالأمانة والخلق الحسن بحاجة لمنطق، والمنطق لا يأتي بغير تفكير وتعليم وثقافة!
* * *
• ملاحظة: أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التابعة للأمم المتحدة، أن عدد الأميين في المنطقة العربية قد فاق 97 مليونا، وهي نسبة تعادل أكثر من %27 من تعداد السكان العرب! وأن هناك تخوفا من عدم وجود تقدم حقيقي بالنسبة لمحو الأمية فيها! وبالرغم من هذه المؤشرات المخيفة، والمشاكل الرهيبة، فاننا نجد شبابنا يفضل الهرب منها للجهاد في «همجستان» والعراق وسوريا، حيث تتاح لهم الفرصة ليحاربوا ويقتلوا ويسجنوا ويعذبوا وبعدها يُقتلوا، ولتتسبب أفعالهم، في نهاية المطاف، في زيادة جهلنا وأميتنا وتخلفنا!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com