قال لنناقش بهدوء موضوع دعم دول الخليج للانقلاب العسكري في مصر بهذه المبالغ الضخمة وبهذه العجالة..! فالحجة التي سمعناها من الطرف المؤيد للانقلاب انه دعم مستحق لدولة شقيقة بأمسّ الحاجة الى تحسين اقتصادها المتعثر..! خاصة ان الدول الخليجية المانحة لديها وفرة مالية نتيجة ارتفاع اسعار النفط في السنوات الاخيرة! وسنأخذ الكويت ذات الوفرة المالية لنرى حقيقة وضعها الاقتصادي من زاوية ما يراه المسؤولون الاقتصاديون فيها.
لا أكون متجنياً ان قلت ان الكويت تعاني تردي الخدمات الصحية والتربوية، وتوقف عجلة التنمية نتيجة سوء ادارة الحكومات المتعاقبة التي كانت ترفض معظم المشاريع النيابية الهادفة الى تحسين الوضع المعيشي للمواطن الكويتي، بحجة كلفتها المالية العالية التي غالبا ما تكون بضعة مئات من ملايين الدنانير! كما ان معظم الخبراء الماليين كانوا يحذرون من انتكاسة في اسعار النفط تستلزم منا ان نحتاط عند اصدار أي تشريع فيه كلفة مالية على المال العام، حتى ولو كان منحة اميرية للاسرة الكويتية او زيادة البطاقة التموينية! ثم كانت المفاجأة هذا التبرع السخي بهذه المليارات لنظام انقلابي عسكري قبل ان يتم الاعتراف به من أي دولة عربية ولا حتى اجنبية!
الا يحق للمواطن ان يتساءل: أين هي التحذيرات من انتكاسة اقتصادية مقبلة؟ بل أين هم الخبراء الاكتوارييون الذين يرفضون أي زيادة او منحة في رواتب المتقاعدين، وهل يعقل ان بضعة ملايين تؤثر في الميزانية وتدمر الاقتصاد الوطني وتتسبب في عجز قد يؤدي الى توقف بعض الخدمات والمشاريع التنموية، بينما التبرع بهذه المليارات يتم دفعها بمباركة المسؤولين وتأييدهم؟!
كنا أيام حكم مرسي نسمع ان بعض دول الخليج تعمل على اجهاض ثورة يناير وتدعم فلول النظام السابق! وكنا نرفض هذه المقولة ونصفها بالاشاعات المغرضة لتوريط دول الخليج المسالمة والداعمة لارادة الشعوب! لكن اقولها بكل صراحة اننا صدمنا بهذا التصرف غير المسؤول والخارج عن اصول اللباقة والدبلوماسية اولا بهذا الحجم من المليارات، وثانياً بهذا التوقيت بالذات، وكأن لسان حالهم يقول «بسرعة بسرعة قبل لا يهونون العسكر عن انقلابهم..!».
ان هذه الخطوة غير المدروسة التي تمت نتيجة الخوف غير المبرر من انتقال رياح الربيع العربي للخليج، وهو خوف لامجال له، ستكشف للمواطن زيف حجج الحكومة التي كانت ترددها عند رفض كل مشروع يهدف الى تحسين الاوضاع المعيشية أو يخفف من الاعباء المالية على المواطن! كما انها خطوة تؤكد قصر نظر في عالم السياسة وعدم فهم لمصلحة البلد، حيث ان الملايين المؤيدة لعودة الرئيس الشرعي، التي تحتشد اليوم في جميع ميادين مصر من شمالها الى جنوبها، ستحمل دول الخليج مسؤولية ما يحدث على الأرض من اراقة دماء وسقوط شهداء لانها الداعمة لنظام بوليسي استبدادي مغتصب للسلطة! هكذا ينظر هذا الشعب الى الامور اليوم وهو يسمع دول الخليج تقف ضد رغبته في احترام ارادته!
أنا افهم ان أميركا وراء هذه الخطوة الخليجية والسبب ان المبادئ المعلنة للأميركان تمنع دعم انقلاب عسكري على سلطة منتخبة شعبيا وديموقراطياً، لذلك جعلت من هذه الدول «ممشاشة زفر» لتحقيق هدف طالما كانت أميركا تسعى اليه وهو افشال حكم الاخوان المسلمين لمصر..! وقد يقول قائل ان الأميركان مازالوا يتمنعون عن دعم الانقلاب، وأؤكد هنا ان أميركا ستدعم الانقلاب قريباً جداً، ولكنها تحرص على تجميل مواقفها والتسويق لها حتى يأتي الوقت المناسب لتعلنها بكل صراحة!
الخلاصة ان دول الخليج «فضحتنا» بهذا الموقف المتعجل حالها حال التيار الليبرالي الذي تناسى مبادئه واعلن ابتهاجه بالانقلاب ودعم اسقاط حكم شرعي ليحل محله حكم استبدادي بدأ اول عهده بسجن خصومه واغلاق محطات التلفزة لهؤلاء الخصوم السياسيين! وصدق من قال «عش رجبا تر عجباً».