إذا سقط النظام في مصر بسبب غير السبب الذي وصل به إلى الحكم – وهو الانتخابات الحرة النزيهة – فهذا ستكون له انعكاسات خطرة ليس على مصر فقط بل على المنطقة العربية والاسلامية والعالمية كذلك. واول هذه الانعكاسات سيكون كفر الناس بالديموقراطية كاسلوب حياة وبالانتخابات كوسيلة لها! لان الناس لا يزالون يذكرون ما حدث في الجزائر قبل عشرين عاما عندما اجريت اول انتخابات تشريعية عامة في البلاد بعد حكم دكتاتوري متسلط استمر لعقود طويلة من الزمان ونجح فيها حزب اسلامي، هو جبهة الانقاذ، بقيادة الشيخ عباسي مدني، غير أن العسكر لم يمكنوه من الحكم، حيث اتهموه بتهم باطلة وانقلبوا عليه وزجوا بجميع قيادات الجبهة بالسجون وزوروا الانتخابات بعد اعادتها واعادوا الحكم الدكتاتوري من جديد.
اليوم يكاد التاريخ ان يعيد نفسه! فبعد ان وصل محمد مرسي الى الحكم في انتخابات لم تشهد لها مصر مثيلاً في نزاهتها وشفافيتها، وبعد ان اعطى للحرية معنى وشعر المواطن المصري للمرة الاولى انه آمن في بيته من زوار الفجر وزبانية النظام، وبعد ان خسر فلول النظام البائد كل الامتيازات الحرام التي كانوا يتمتعون بها والتي بسببها استولوا على مقدرات الشعب وجعلوه من افقر شعوب العالم، اليوم يتباشر المعارضون للرئيس المنتخب ببيان القوات المسلحة ويطالبون الجيش بالتدخل والانقلاب على الشرعية! وطبعا لو حدث ذلك لا قدّر الله فاننا لن نُفاجأ اذا سمعنا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي تبارك هذا التحول اللاديموقراطي وتدعمه، لان هذا بالضبط ما حدث بعد الانقلاب على الشرعية في الجزائر، حيث انكشفت الديموقراطية الغربية وظهر زيفها للعالم اجمع.
إن الانقلاب على الشرعية الدستورية، سواء بالعسكر او بالبلطجة والثورة المضادة، سيؤدي بالناس الى الكفر بالممارسة السياسية التي لم تعد تصلح كاسلوب حياة من خلالها يرتب الناس امور دنياهم، لان الذي يفشل في الوصول الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع لن يهدأ له بال الا بالانقضاض على الحكم بالقوة واثارة البلبلة والفتن في الشوارع واستجداء العسكر لالغاء المكتسبات الدستورية للشعب! واخطر ما في الامر ان الوسطية الاسلامية لن تجد لها مكانا في نفوس اتباع المنهج الاسلامي بل سيحل مكانها التطرف والعنف والقوة كوسائل لاغتصاب الحقوق المهدرة. وسيقول اتباع هذا المنهج لقد تبعناكم في الاسلوب الديموقراطي الهادئ لكن الايام اثبتت انه اسلوب فاشل، حيث البقاء في هذا الزمان للاقوى! (وبلا ديموقراطية وبلا بطيخ)، وسينتشر الفكر الذي نسميه اليوم بالمتطرف، وسيمارس اسلوب اقصاء الآخر كما مارسه دعاة الديموقراطية وحماتها عندما اقصوا الاسلاميين مع انهم هم الذين وصلوا إلى الحكم!
اللافت للنظر اننا لم نسمع من أدعياء الديموقراطية وحماة حقوق الانسان في الكويت تأييدا للشرعية الدستورية في مصر ولم نشاهد أياً منهم من طالب في كتاباته باحترام الارادة الشعبية والانتظار لحين انتهاء المدة الدستورية للرئيس المنتخب ثم اسقاطه بالارادة الشعبية! طبعاً نحن نعلم ان هذا لن يحدث لان أي لجوء للصناديق اليوم سيأتي بنتائج لا تناسبهم ولا تحقق حلمهم ومرادهم، لذلك لسان حالهم يقول اما ان تأتي الانتخابات بمن نريد واما «بلاش انتخابات ومرحى بالجيش!»، بقي ان ندلل على سوء التصرف ورداءة الموقف للمعارضين للشرعية عندما طالبوا بأمرين غريبين: الاول عمل استفتاء على الدستور بعد الغاء المواد التي لا تتوافق مع هواهم! وهم يعلمون جيدا ان الشعب المصري بكل فئاته قال كلمته في الاستفتاء على الدستور الجديد وباركه باغلبية واضحة! والامر الآخر انهم طالبوا بان يتولى رئيس المحكمة الدستورية ادارة شؤون البلاد الى حين انتخاب رئيس جديد! وهم يعلمون ان المحكمة الدستورية هي التي كانت تعطي حسني مبارك نتيجة %99.99 في كل انتخابات! لذلك لا نستغرب عندما تكون عودة النائب العام السابق احد مطالب المعارضة، كما ان مطالبتهم باقصاء جماعة الاخوان المسلمين من العمل السياسي امر يدلل على مدى ايمانهم بالديموقراطية واحترام حرية الرأي!
حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.