سامي النصف

«الكويتية» وشقيقاتها!

في أوروبا يقول الراحل غوبلز «اكذب اكذب» حتى يصدقك الناس، وكلما كبرت الكذبة زاد احتمال تصديقها، في منطقتنا يتم الحديث عمن ادعى قتل بعوضة ثم ملأ سبع قدور من لحمها وشحمها، فالكذب في كل مكان وزمان أداة شريرة لا حدود لها، حيث يمكن لمن يريد أن يقول ما يشاء، خاصة اذا كان الكذب متصلا بعمل تخصصي لا يعلم عنه الناس شيئا.

* * *

ومن ذلك تكرار أكذوبة فجة بأن رأسمال شركات الطيران الشقيقة الضخمة في المنطقة «أقل» من رأسمال «الكويتية» الذي لا يزيد على 30 مليون دينار (250 مليون ناقص 210 ملايين ديون موروثة إضافة الى خسائر تشغيل سنوية تقارب 100 مليون دينار)، وهو كلام زائف لا يمر على الطفل الصغير، ناهيك عن الرجل العاقل الكبير، فما يذكرونه لا يكفي لشراء عجلات مستعملة لمئات الطائرات الجديدة التي يملكها الاشقاء، وقديما قيل «حدث العاقل بما لا يعقل»، خاصة إذا كان المتحدث غير مختص بعلوم الطيران ومعرفته بتلك العلوم لا تزيد على.. اربط حزام الأمان.. افتح حزام الأمان.. ويا لها من معرفة!

* * *

والحقيقة التي يعرفها الجميع أن رأسمال شركات الأشقاء أكبر وأكثر مما يدعون بمئات المرات، إضافة الى أن حكوماتهم هي من يشتري لهم الطائرات ويقرضهم ويدعمهم ويصدر شهادات الضمان البنكي لهم، وتقوم بخلق شركات ووكالات سفريات وأسواق حرة وروافد مالية تدعم أعمالهم، كما أن بعض مسؤوليهم لا يقفون ـ كحالنا ـ ضد رغبات قياداتهم الداعمة لشركات طيرانهم، ولا يتسابقون على سلب مباني تلك الشركات أو تجريدها من حقوق نقل موظفي الحكومة وإلغاء خصومات الوقود.. إلخ، وإذا كان هذا الدعم والمساندة، فكيف يكون الإحباط والتخذيل إذن؟!

* * *

ومادمنا في مجال مقارنة «الكويتية» ببعض شركات الطيران في المنطقة، حيث يتم عبر الكذب والافتراء تصغير رأسمالها وتعظيم أرباحها نتساءل: لماذا لا تمتد المقارنة الى أوجه الحياة الاخرى، فنقارن على سبيل المثال لا الحصر بين تنميتنا وتنميتهم، وبلديتنا وبلديتهم وإنجازهم بإنجازنا وطيبتهم بحقدنا وحبابتهم بحسدنا؟! والقائمة تطول وتطول والموضوع ذو شجون!

حسن العيسى

حرب البسوس لا تحل بالمواعظ

 لنقل صراحة بأن الكويتيين الذين يذهبون إلى القتال في سورية لا يذهبون لنصرة السوريين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان المهدرة من النظام الستاليني لبشار، وهم لا يقاتلون هناك الطاغية بشار ونظامه المرعب الذي أحرق سورية ومن عليها، هم يجاهدون ضد بشار العلوي وليس بشار الدموي، هم يقاتلون بشار "الرافضي" وليس بشار الدكتاتوري.
 هذه أولويات علينا أن نعيها حين نشخّص الحالة الجهادية الكويتية أو الخليجية التي نحياها اليوم، ونعيدها ونؤكدها رغم علمنا بحجم "الشتائم" والاتهامات للتيارات التقدمية اليسارية الليبرالية بالتواطؤ  مع "الشيعة"، وأن تلك التيارات ليس فيها "نخوة" الإسلام، وتتملق شيعة الديرة، وكأن "شيعتنا" أغراب عن البلد، وكأن من المفروض أن ندين كل شيعي في الديرة، لأن حزب الله وقف مع عصابات بشار ضد الثورة وفتك بها، فأصبح كل شيعي مداناً بجريمة حزب الله حتى "يتسنن" وتثبت براءته!
  مثلما هناك حرب مرعبة في سورية أشعلها النظام السوري ضد شعب طالب بحقه في الحرية والكرامة ولقمة الخبز النظيفة لتتحول فيما بعد، إلى حرب طائفية كما يريدها النظام السوري، وكما بالمفارقة، نشدتها قوى التطرف من جماعات القاعدة وامتداداتها لدينا في الكويت، حرب اتهامات متهورة طائشة بين بعض السنّة وبعض الشيعة نخشى أن تكبر وتحرق نيرانها بلدنا الصغير.
 ومثالها حفلة الاتهامات التحقيرية من مذهب الآخر التي شهدناها في الجلسة الأخيرة لنواب الغم في مجلس التابعين الذي تصورت السلطة الرشيدة أنه سيسير على سكّتها، ويتبع أوامرها ونواهيها في "الوحدة الوطنية" كما تفهمها هذه السلطة.
 وطبعاً نتذكر أن من أسباب إجهاض  المجلس المبطل، كان عذر السلطة و"علثتها" تجنب الفتنة الطائفية التي برزت في بعض ممارسات المجلس المبطل، وها نحن نرى الآن ممارسات مجلس الحصافة والعقل "والوحدة الوطنية" كيف تكون.
محنة الدولة اليوم في التحزب الطائفي لا تحل بمواعظ ومعلقات إنشائية، أو التهديد بعصا القانون، قد يكون حلها بالغوص في أسباب التخندق الطائفي، ومعنى تقديمه الولاءات الفرعية طائفية أو قبلية على ولاء الوطن، تلك الانتماءات العصبية القبائلية الممتدة إلى ما قبل ألف سنة في التاريخ العربي الإسلامي.
 الحلول لن تكون بعصا سحرية، إنما بعمل دؤوب لقلب العقل الكويتي وتشريحه، فمناهج التعليم الرسمية الرثة تقنن العصبيات المذهبية، وسياسة الدولة حين غابت عنها الحصافة وتلاعب عدد من كبار شيوخ البلد بالورقة الطائفية لتكريس حكمة "فرق تسد" أو  لخلق موالين لهذا الشيخ أو ذاك على حساب المستقبل، يجب قلبها على رأسها؛ أهم من كل ذلك يجب تعلم ألا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأنه ليس من حق أحد أن يتبجح بأن جماعته هي الفرقة الناجية، والآخرون كفار ضالون.
 بغير فكر معتدل واقعي، قد نجد نموذجه في هذه المرحلة، بحكمة شخص مثل راشد الغنوشي في تونس، لا مستقبل للكويت ولا لهذه الأمة غير المزيد من حروب داحس والغبراء بصيغة مذهبية متخلفة كتخلف مجتمعاتنا، فمتى نخرج من أسر التاريخ، ونحيا عالم الحاضر؟!

احمد الصراف

تنبؤات حامد

حامد عبدالصمد روائي وباحث مصري من مواليد 1972. درس الإنكليزية والفرنسية ثم العلوم السياسية بجامعة أوغسبرغ في ألمانيا، وعمل في اليونيسكو، وبعدها مدرساً للدراسات الإسلامية في جامعة إيرفورت، ومدرساً للتاريخين الإسلامي واليهودي بجامعة ميونخ في ألمانيا. وتضيف المراجع أنه تعرف على ألمانية يسارية، تكبره سناً، دعته إلى ألمانيا، حيث تزوجا، وحصل على الجنسية الألمانية. ومن أعماله رواية «وداعاً أيتها السماء»، وكانت مثار جدل. كما قام حامد، عام 2010، بوضع كتاب بعنوان «سقوط العالم الإسلامي»، وهو موضوع مقالنا هذا، حيث توقع فيه اندحار وانهيار هذا العالم. والطريف أن الكتاب صدر قبل فترة الربيع العربي وثورات شعوبه ضد حكامهم، ويعتقد البعض بأن الحدث دحض ما تنبأ به عبدالصمد في كتابه من أن العالمين العربي والإسلامي لن تقوم لهما قائمة وأنهما في طريقهما إلى الانهيار! ويرى عبدالصمد أن الإسلام لا يملك أجوبة على أسئلة الحياة العصرية، وأنه تخطى مرحلة الذروة، وأنه الآن في مرحلة الانحدار. وينفي أن يكون الإسلام هو من صنع الحضارة في ما بين القرنين السابع والحادي عشر، بل يرجعها، آنذاك، إلى انفتاح العرب المسلمين واندماجهم مع حضارات شعوب مختلفة كالفرس والآراميين والأشوريين واليهود والمسيحيين والبرابرة. وينتقد عبدالصمد عدم اندماج المسلمين الحالي مع غيرهم بسبب سلوكيات محددة، مثل منعهم بناتهم من العيش بصورة متساوية مع غيرهم، وتحذيرهن والذكور من الانخراط الكامل في الحياة الغربية. وبالرغم من نظرة المؤلف السوداوية إلى العالم الإسلامي، فإن ما يهم هنا هو قيام جهة علمية بالبحث الجدي في النقاط التي قام مؤلف الكتاب بإثارتها والرد عليها، خصوصاً عندما يقول إن الانهيار سيبدأ مع شح آبار البترول واتساع فسحات التصحر واشتداد حدة النزاعات الطائفية والعرقية والاقتصادية المزمنة في المنطقة، وما سيرافق ذلك من حركة نزوح نحو الغرب. وبنى الكاتب استنتاجاته على عوامل عدة، منها افتقار أغلبية الدول الإسلامية لاقتصادات خلاقة يعتمد عليها في خلق منتج حقيقي، وافتقادها لنظام تربوي فعّال وجفافها من أي إبداع فكري، وهذه بنظره ستؤدي حتماً إلى تصدع بنى هذه الدول وانهيارها بالتالي. ويقول الكاتب إن الشعوب الإسلامية عاشت نوعاً من النهضة في القرون الوسطى عندما انفتحت على الحضارات والثقافات التي احتكت بها، وانفتحت عليها واستفادت من منجزاتها وعلومها، عندما كان السريان والأشوريون مثلاً ينعمون بمستوى علمي رفيع مع وصول جنود المسلمين إلى ديارهم. فجرى ذلك في عواصم الحضارة، آنذاك، في بلاد ما بين النهرين وبغداد ومنطقة أرض الشام، ولكن الإسلام الذي تبناها ونسبها لنفسه بقي غير قادر على نقلها إلى مهد انطلاقته في مكة والمدينة وباقي أطراف الجزيرة العربية، لأنهم لم يكونوا لا من أهلها ولا من مبدعيها. ويقول إن الحضارات العالمية اليوم تتلاقح وتتنافس مع بعضها وتزدهر وتتقدم، إلا الإسلامية، فقد بقيت جامدة مكتفية باتهام غيرها بالكفر، وفي الوقت نفسه يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار وينعمون بمختلف إنجازاتهم العلمية والتكنولوجية والطبية، دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده هؤلاء الكفّار قد فاتهم، وأصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها.
البحث الذي ورد في الإنترنت عن الكتاب طويل، ولا مجال لذكر الكثير مما ورد فيه لمخالفته، كالعادة، لقوانين النشر، بالرغم من حاجتنا الماسة إلى من ينهي عميق سباتنا!

أحمد الصراف

سامي النصف

مواقف سياسية وقضايا حدودية!

عندما سبح وحمد وشكر أهل اليسار (يا ليل) المحلي والعربي بالروس والاتحاد السوفييتي، قلنا وكتبنا في حينه بأن الدب الروسي هو المستعمر والقامع الأول لشعوبه فكيف نصدق بالله أنه حليفنا في تحرير شعوبنا من الاستعمار الغربي الراحل دون حاجة لادعاء البطولات في مقاومته، وهو استعمار شرقي أكثر قمعا ودمارا من الاستعمار الغربي، عاد من آمن به وصدقه ابان تلك الحقب ليكتشف الحقائق الجلية والمرعبة هذه الايام فيما يجري في سورية ولا عزاء لـ… الاذكياء!

***

وعندما رفع القوميون صدام وعرفات والقذافي وأمثالهم الى مرتبة من لا يُسألون عن أعمالهم وأقوالهم ومواقفهم، قلنا ان الديكتاتوريات لا تؤتمن، وطالبنا ابان الثمانينيات بتغيير عرفات (مقال المنظمة هل حان وقت التغيير) ومن العراق بأن يحدد حدوده معنا (مقال نحن والأشقاء) وان من لا يحدد حدوده معنا وهو في حاجة لنا ابان حربه مع جيرانه فلن يحددها عندما تنتهي الحرب وتنتفي تلك الحاجة، وطالبنا توازيا بخلق قواعد عسكرية للأميركان تحمينا من حرب الجيران القائمة على حدودنا ولم يسمع أحد وبقيت تلك المطالبات كلمات كتبت على رمال الصحراء فذرتها الرياح.

***

وعندما رفع بعض الإسلاميين من كل التوجهات والطوائف صاحب الفسطاطين ومنشئ القاعدة فوق الأعناق كونه ضرب بعمله الإرهابي الشيطان الأكبر في عقر داره، خرجنا على الفضائيات وكتبنا المقالات نخطئ ما عُمل ونحذر من تداعيات ما قام به في حين كانت بعض التوجهات السياسية المحافظة تبعث الشباب ليصبحوا حطبا في حروبه وبيارق في مخططاته الارهابية، وكنا قد حذرنا قبل ذلك من مخاطر ذهاب شبابنا لأفغانستان ابان غزوات الروس و.. الأميركان وعاد الجميع يبكي ندما على إيمانه بصاحب الفسطاطين وتضحيته بأبنائه لأجله.

***

وفي صيف 2006 التف كثيرون حول النظام السوري وحزب الله ابان حرب لبنان وحذرنا آنذاك من مغامرات الثوريات التي تدفع أثمانها الشعوب من دمائها ومن مخاطر قيام بعض الانظمة باستخدام غيرها كمخالب قط للمناكفة مع إسرائيل الهادئة حدودها معها. وان منجزات الشعب اللبناني تدمر لأجل حروب الوكالة تلك، يعود هذه الايام من هلل لتلك الحرب لموقف خاطئ آخر أكبر كثيرا منه وهو جر بلدنا الآمن وشعبنا المتماسك للحرب الاهلية القائمة في سورية هذه الأيام عبر تأجيج نيران التخندق الطائفي والمذهبي بين أفراده، فهل سيستفيد الشعب السوري الشقيق حقا من انقسام الشعب الكويتي؟

***

ومع بداية الثورة المصرية عام 2011 حذرنا من مخاطر ما هو قادم من مصاعب اقتصادية وانهيار أمني واحتمالات التقسيم والتناحر الأهلي، كما دعونا في مقالات لنا في الجرائد المصرية القوى الليبرالية والقومية واليسارية والناصرية للوقوف مع المرشح أحمد شفيق كونه الممثل الوحيد لمشروع الدولة المدنية، إلا أن نفس الاصوات التي ذكرناها والتي دعمت الرئيس د.محمد مرسي عادت تنقلب عليه هذه الأيام وهو في بداية حكمه ولم يأخذ فرصته كاملة وهي في مواقف أمس ومواقف اليوم المتناقضة تمثل الغوغائية والمراهقة السياسية المدمرة في أجلّ صورها.

***

آخر محطة: (1) اتفاقية التعويضات العراقية التي وقّعنا عليها هي التي فتحت الباب لإغلاق ملف الحدود والمزارعين المتجاوزين على حدودنا والذي بقي نازفا لأكثر من 90 عاما.

(2) قد لا نكون دائما صائبين، فبعض قوى المعارضة السياسية تتشفى بنا هذه الأيام وهي محقة تماما بذلك، حيث تقول «تعلموا الدروس من تجربة وانظروا كم التحديات والمصاعب والعراقيل التي توضع أمامه من قبل من دافع عنهم».

(3) لا نعلم بحق إن كنا المخطئين أم من دافعنا عنهم هم المخطئون عبر عرقلتهم الواضحة للأعمال الإصلاحية والشفافة التي نقوم بها والتي بها فائدة كبرى للشعب الكويتي وللصالح العالم و.. لهم!

احمد الصراف

الآن عرفت

يقول «وين»، عندما كنت في العاشرة أحضر والدي جهاز هاتف لبيتنا وعلقه على الحائط، وكنت استمع بانبهار عندما تتكلم والدتي من خلاله. واكتشفت يوما أن سيدة رائعة تعيش داخله اسمها «الاستعلامات من فضلك Information please»! وكانت تعرف كل شيء وتجيب عن أي سؤال. وفي يوم كنت وحيدا في البيت، ألعب بمطرقة والدي ودون أن انتبه سقطت على يدي وشعرت بألم شديد في إبهامي، ولم يكن هناك داع لأن ابكي، فلن يسمعني أو يواسيني احد، وهنا فكرت في الاتصال بالسيدة «الاستعلامات من فضلك». رفعت السماعة، كانت تجربتي الأولى مع تلك الجنية التي تعيش بداخله وقلت «الاستعلامات من فضلك»، وخلال ثوان ردت علي بصوت واضح: «الاستعلامات»! فقلت لها، والبكاء يخنقني، ان المطرقة سقطت على اصبعي وأن أمي في الخارج، وأنا وحيد في البيت، فسألتني إن كان هناك دم يخرج من اصبعي وعندما نفيت ذلك، سألت إن كان بإمكاني الوصول الى علبة الثلج في الثلاجة، وعندما أجبت بنعم طلبت أن أضع اصبعي بين قطعتي ثلج وسيختفي الألم والورم! لا أدري لماذا آمنت بما قالته، فقد اختفى الألم خلال لحظات قليلة، ومنذ يومها أصبحت اتصل بـ «الاستعلامات من فضلك» في أي أمر يحتاج فيه للمساعدة، سواء تعلق بواجب منزلي أو تهجئة كلمة أو حتى واجب حسابي، وكانت دائما ترد وتساعدني. وفي يوم أخبرتها بموت طائرنا الكناري، فواستني، وسألتها لماذا يموت طائر جميل يغرد كل يوم للعائلة، وينتهي كومة ريش في قفص صغير؟ وهنا شعرت بأن حزني اثر فيها فقالت: يا «وين» هناك عوالم اخرى يغرد فيها الطير»! ولسبب ما جعلني جوابها أشعر بالرضا. استمرت علاقتي بـ «الاستعلامات من فضلك» لسنوات، إلى أن انتقلنا، وكنت في العاشرة حينها، للعيش في مدينة أخرى. ولفترة افتقدت صديقتي «الاستعلامات من فضلك»، ولم اجرب الاتصال بها، لشعوري بأنني تركتها خلفي في ذلك الصندوق المسمى بالتلفون! كبرت بعدها، ولكنني لم انس مكالمات الطفولة أبدا، خاصة في اوقات الشدة، وكيف كنت سعيدا وانا صغير لمعرفتي أن بإمكاني اللجوء اليها في اي وقت. وكم كانت صبورة معي وتتحمل أسئلة صبي ساذج لا تعرف عنه شيئا وتجيب عنها! وفي يوم توقفت لنصف ساعة في مطار مدينتي القديمة، وأنا في طريقي للكلية، ووجدت نفسي اتجه لهاتف عمومي وارفع السماعة وأطلب «الاستعلامات»، وكالمعجزة جاء الصوت العذب نفسه الذي أعرفه جيدا. ولأنني لم أخطط لما كنت سأقوله ومن دون ان اشعر قلت لها: هل يمكن أن تساعديني في تهجئة كلمة؟ وهنا ران صمت طال قليلا قبل ان تقول: اعتقد أن اصبعك لا يؤلمك الآن! وضحكنا معا. وقلت لها انني دائما ما تساءلت بيني وبين نفسي إن كنت تعلمين ما كانت تعنيه من أهمية لي في تلك الأيام! فردت قائلة: وانا أيضا اتساءل إن كنت تعلم ما كانت تعنيه اتصالاتك البريئة من أهمية لسيدة مثلي، فأنا لا ابناء لي، وكنت انتظر مكالماتك بشوق! فقلت لها انها كانت دائما تخطر على بالي وأنني فكرت كثيرا في أن أتصل بها، ولكني لم افعل، وسألتها إن كان بإمكاني الاتصال بها في المرة القادمة التي ازور فيها اختي، التي تسكن في منطقتها فقالت: بكل سرور، وأخبرتني أن اسمها «سالي» وما علي سوى السؤال عنها. بعد ثلاثة اشهر دفعتني الصدف لتلك المدينة، وعندما اتصلت بالاستعلامات سمعت صوتا مختلفا، فسألتها عن «سالي» فسألتني الموظفة ان كنت اعرفها، فقلت انني صديق لها، واخبرتها باسمي، فقالت ان سالي كانت تعمل ساعات أقل كثيرا في الاشهر القليلة الماضية بسبب مرضها، وأنها توفيت قبل بضعة أسابيع! غمرني الحزن، وقبل ان اقفل الخط، سمعتها تقول: انتظر، هل قلت انك صديق قديم لها، هل أنت «واين»؟ وعندما أجبت بنعم، قالت ان سالي تركت لك رسالة قصيرة تقول فيها: «ان هناك عوالم اخرى نغرد فيها»، وانني سأفهم ما تقصده برسالتها تلك! فقلت شكرا ووضعت السماعة، وأنا أعرف تماما ما قصدته سالي!
هنا علينا ألا نقلل من اهمية ما نتركه من انطباعات على الآخرين، وأن نتساءل ان كنا نجحنا في أن نلمس جزءا من حياة من هم حولنا، من قراء وأحبة واصدقاء.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الحمار الذي يرى «الشياطين»!

 

لم يعد مستغرباً أن يكون لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهو يلعب لعبته في منطقة الشرق الأوسط مسنوداً بانكشاف استراتيجي من جانب حكومات ودول عربية واسلامية، أن يكون له الفقهاء “الناتويين” الذين يفتون للأمة وفق ما يشاء «الناتو»! وإن فكر أحد من علماء الأمة في الاعتراض أو قول كلمة حق خلاف ما أفتاه «ناته» أولئك، يصبح هو في مرمى نيران أشد بكثير من نيران «الناتو»، هي نيران مشايخ الطين الذين يصعدون بوجوه قبيحة، منابر فضائية ويزمجرون ويجمعون من (تحت ليه تحت) المليارات.

لست في مزاج الحديث عن ظاهرة مشايخ الطين من فقهاء (الناتو)، الذين يتبعهم المتعلم والجاهل للأسف دون نظر في طبيعة الأحداث وأبعادها، تماماً كما تتبعهم النطيحة والمتردية! فحين يصبح الأمر، الخطر، الظرف، المستجدات، الوقائع، مجريات الأمور، ليست في صالح الصهاينة – وأقولها صريحة – يهرع هؤلاء لإصدار فتاواهم الناتوية الخاصة، في الدعوة لسفك الدماء بين السنة والشيعة، وأولهم وأشدهم وأشهرهم في هذا الأمر… القرضاوي.

ثم يدفعون في اتجاه جمع التبرعات، ويا لها من تجارة مربحة! سكتم بكتم. أولئك الذين حشدوا ودفعوا وشجّعوا الناس على التبرع، فوجدوا أن من حملوهم الأمانة من مشايخ الطين، سرقوا التبرعات! وطارت الطيور بأرزاق بشر في بلدان شتى: سورية، ميانمار، فلسطين، الصومال وغيرها ينتظرون تلك التبرعات فلا تأتيهم، ثم يتبارى مشايخ الطين في التقاط صور بوجوههم القبيحة مع أسرة فقيرة هنا، وطفل مصته المجاعة مصاً، ليهرع بها إلى الإعلام والصحف: شوفوني تراني وجه من وجوه الخير والجهاد في سبيل الله! ويصفق المعتوهون.

البعض، ملأ الدنيا هذه الأيام بالمبشرات والقصص الرائعة التي لم يأت بها إلا من (جيبه)! والانتكاسة الكبرى، أن تلك المبشرات التي بثها في صدور الناس تتلاشي حينما يحدث العكس، فحين تُبشرهم بالنصر فيُهزمون! أو حين تُبشرهم بأن أولئك المرضى سيشفون وفق رؤية رآها في المنام، فيموتون في اليوم التالي! وهكذا تسير القصص التي تسبق حفلة…عفواً..حملة التبرعات لتجعل المبشرين يدفعون ما لديهم (فدوة)! وكم يشعر بأنه أحمق من دفع ذلك المال (لوجه الله قطعاً) لكن في الطريق الخطأ.. جزء أعمال فقهاء الناتو أيضاً.

اليوم (سبت)، وعادة تكون النفسيات متعبة، ولكني سأذهب معكم إلى شيء من الطرافة، هل تتذكرون قصة الحمار الذي يرى الشياطين؟ فقد انتشرت قبل سنين رسائل الكترونية، قبل فورة تطبيقات الهواتف الذكية، رسالة فيها هذا السؤال: «لماذا يرى الحمار الشياطين ويرى الديك الملائكة؟ والسائل ذاته يجيب بالقول أن النبي محمد (ص) قال في حديث، ونترك موضوع صحة الحديث وسنده وقوته وضعفه لأهل الإختصاص، قال فيه: «إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا».

لم تنته الرسالة، ففيها إضافة تتعلق بالاكتشاف العلمي المبهر في شأن قدرة الجهاز البصري المحدودة لدى الإنسان، والتي تختلف عن قدرة الحمير، وبدورها تختلف عن قدرة الديكة، وبالتالي فإن قدرة البصر لدى الإنسان محدودة لا ترى ما تحت الأشعة الحمراء ولا ما فوق الأشعة البنفسجية، لكن قدرة الديكة والحمير تتعدى ذلك!

وأيضاً، يأتي السؤال: كيف يرى الحمار والديك الجن والملائكة؟ والجواب كما في الرسالة، هو أن الحمير ترى الأشعة الحمراء والشيطان وهو من الجان خلق من نار -أي من الأشعة تحت الحمراء – لذلك ترى الحمير الجن ولا ترى الملائكة! أما الديكة فترى الأشعة البنفسجية والملائكة مخلوقة من نور – أي من الأشعة البنفسجية – لذلك تراها الديكة!

هنا، يمكن حل اللغز في هروب الشياطين عند ذكر الله سبحانه وتعالى، فالسبب، وفق الرسالة، هو أن الملائكة تحضر إلى المكان الذي يذكر فيه الله فتهرب الشياطين! حسناً ولماذا تهرب الشياطين عند وجود الملائكة؟ الجواب لأن الشياطين تتضرر من رؤية نور الملائكة. بمعنى آخر، يضيف المرسل، إذا اجتمعت الأشعة الفوق بنفسجية والأشعة الحمراء في مكان واحد، فإن الأشعة الحمراء تتلاشى .

أليس ذلك كشفاً مذهلاً؟ ألم نفهم الآن لماذا يزداد «نهيق الحمير» من بعض الأوساط السياسية والدينية في العالم العربي والإسلامي؟ سوّد الله وجهك يا (الريسيفر).

عادل عبدالله المطيري

المحكمة الدستورية والحكومة المنتخبة

ربما يدخل يوم الأحد القادم 16/6 التاريخ الكويتي من أوسع أبوابه، إذا حكمت المحكمة الدستورية في الطعون الدستورية المدرجة أمامها، وبلاشك سيكون لأحكامها الدستورية والنهائية تأثير كبير علي الحياة الديموقراطية الكويتية.

ينتظر أغلب المراقبين السياسيين بفارغ الصبر، الفصل في الطعن الدستوري على مرسوم الضرورة الخاص بالصوت الانتخابي الواحد، ويغفلون عن الطعن الدستوري الآخر والذي أعتبره – الطعن الأكثر أهمية بتاريخ الكويت، وهو الطعن في مرسوم حل مجلس أمة 2009، والذي تقدم به نواب سابقون، حيث اكدوا في طعنهم الدستوري أن الحكومة وبعد تشكيلها لم تتمكن من الحضور إلى مجلس الأمة ولم تؤدي اليمين الدستورية أمام نوابه، وبذلك لم تستكمل شروط عملها الدستوري ولا يحق لها أن ترفع كتاب عدم التعاون والذي على أثره تم حل مجلس أمة 2009.

بما أن المحكمة الدستورية لم يسبق لها أن تعرضت لمثل هذا الطعن الدستوري الفريد من نوعه، تصوروا معي – لو حكمت المحكمة الدستورية بإلغاء هذا المرسوم لهذه الأسباب بالتحديد، وهو عدم أداء اليمين الدستورية للحكومة الجديدة أمام البرلمان – سيترتب عليه إمكانية أن ترفض الأغلبية البرلمانية ولأول مرة في التاريخ السياسي تعيين رئيس حكومة أو حكومة جديدة قبل أن تباشر عملها، وسيكون هذا الإجراء (الامتناع عن حضور جلسات مجلس الأمة من الأغلبية البرلمانية) بمنزلة عدم إعطاء الثقة للحكومة عند تشكيلها

ومن شأن مثل هذا الحكم الدستوري أن يعد مدخلا لفرض الحكومة البرلمانية والتي سعى الحراك السياسي مؤخرا بالمطالبة بها، والتي كنا نعتقد باننا بحاجة لتعديلات دستورية للوصول إليها.

أما الحكم الدستوري الثاني والذي يتعلق بمرسوم الضرورة والخاص بالقانون الانتخابي ذي الصوت الواحد، فلا اعتقد انه سيبتعد عن الرأي السابق للمحكمة الدستورية عندما نظرت بقانون الدوائر الخمس وحصنته قائلة إن قانون الانتخاب خاص بالمشرع وحده دون سواه، والمشرع في الدستور الكويتي هو «صاحب السمو ومجلس الأمة معا» إلا في حالات خاصة كما في المادة 71 من الدستور الكويتي حيث يكون لسمو الأمير منفردا حق التشريع بمراسيم ضرورة عند غياب مجلس الأمة.

لذلك سيكون هذا الحكم الدستوري بمنزلة التفسير لمبدأ الضرورة وحدود تطبيقاته.

ختاما – ربما تحدث أحكام المحكمة الدستورية تطورا سياسيا كبيرا لم يكن بحسبان أحد.

ففي كل مجتمع ديموقراطي وحي – ينشأ عند ممارسة الصلاحيات بين السلطة التشريعية والتنفيذية بعض الاختلاف وخصوصا عندما تظهر بعض الأمور المستجدة والتي يجب أن تحسمها السلطة القضائية، فإما أن تذهب مع التوسع في الاتجاه البرلماني وتقيد الصلاحيات الرئاسية أو العكس.

محمد الوشيحي

أمن الدولة… خيط دخان

الدنيا مصطلحات وتسميات، وحدهم الهنود الحمر استبدلوا التسميات بالصفات، فيكبر المولود ويعيش بلا اسم إلى أن يجدوا له صفة تناسبه؛ "ذو المنخار الخنزيري"، و"ذات العروق النافرة" و"الثور الجالس"، و"ذات الصهيل"، وهكذا…
وجهاز أمن الدولة كنت أظن أنه يختص بـ"أمن الدولة"، وبحثت عنه وعن دوره في قضايا أمن الدولة، كما أفهمها، فلم أجده… بحثت عنه في قضايا تأخر المشاريع الحيوية في الدولة، وتأثير ذلك على نفسيات الشعب، فلم أجده، وبحثت عنه في قضية انتشار الرشاوى بهذه الصورة في البلد، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع التوتر الطائفي الداخلي، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع اختفاء أموال الشعب، بطريقة "فص الملح"، فلم أجده، وفتشت عنه في قضايا وقضايا، ولم أجد آثار أقدامه ولا بصمات أصابعه، ولا حتى بقايا سجائره وعصائره… وفتشت عنه في كل مكان، وسألت عنه موج البحر وفيروز الشطآن، و.. جُبتُ بحاراً وبحارا، وفاضت دموعي أنهارا، وكبر حزني حتى أصبح أشجاراً أشجارا، ولم أجد إلا خيط دخان.
والحقيقة أنني وجدته في الجهة الأخرى، وسمعت صوته هادراً في قضايا شبان الحراك الغاضبين من فساد السلطة، ورأيت يده قوية باطشة في مواضيع المسيرات والخطابات السياسية الغاضبة، وما شابه… وباستثناء "شبكة التجسس الإيرانية" – هذه أيضاً أظن أن فضل اكتشافها يعود إلى جهاز استخبارات الجيش – لا أعتقد أن اسم الجهاز يتناسب مع عمله.
ولو لم يولد الجهاز حاملاً اسمه "جهاز أمن الدولة"، لفعل الناس هنا كما فعل الهنود الحمر، ولأطلقوا عليه صفة تناسبه؛ "جهاز ناس وناس"، أو "جهاز ما له شغل"، أو "جهاز لا حبتك عيني"… الأكيد أن تسميته تحتاج إلى إعادة نظر.

حسن العيسى

أسود على المقيمين ومع النخاسين نعام

المغردة نوال ملا حسين انتقدت بمرارة حوادث دخول أفراد من الداخلية منازل مقيمين، بعد أن يتم تفتيشهم وسؤالهم عن أوراقهم الثبوتية، وما إذا كانت لديهم إقامة صالحة أم لا، وتتساءل نوال عن القانون الذي يمنع دخول المنازل من قبل الشرطة إلا بعد حصولهم على إذن بالدخول والتفتيش من جهات التحقيق!
طبعاً في قانون الإجراءات الجزائية هنالك من النصوص ما يفرض مثل هذا "الإذن المسبق"، ولم يظهر عبر الإعلام الكويتي المبتهج بسواد الوجه وتغطياته السيئة لزيادة التوزيع عند جماعات "بلاغة الشف" الكويتيين أن عمليات المداهمة التي تقوم بها وزارة الداخلية، وتفتيش "السكن الخاص" للمقيمين كان حسب القانون أم لا، أو إذا كان للشرطة "كارت بلانش" مسبق بالمداهمة وخرق حقوق المقيمين بالأمن والاستقرار النفسيين!
أياً كانت عليه الأمور، يظهر أن عمليات بطولات مداهمة الشقق والمساكن الخاصة، والتقاط صور لفلبينية "متقلقصة" داخل برميل قمامة خشية كشف جسدها، (أو عورتها كي يرضى بهذه التسمية بعض المشايخ الملهمين الذين يرون أن المرأة عورة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها) أو ربما كانت مختبئة من المداهمة، تطوي الضعفاء والبؤساء بجلباب القانون، وهم دائماً الفقراء من المقيمين الذين لا يجدون سنداً ولا ظهراً يحميهم من العسف أو تجاوز حكم القانون، ولا تمتد يد القانون إلى أسود الدولة المواطنين من الذين استقدموا تلك العمالة، وتاجروا بها، وفرضوا الإتاوات التي يدفعها الأقنان الأجانب كل شهر لهم  "بسعر معلوم" باهظ الكلفة، يدفعها المقيم  للباشا المواطن المستمتع بمواطنته حين تدر عليه المقسوم من ريع الكفالة، أو من طلب تحويل الكفالة.
أضحى لدينا قانونان للعقوبات، واحد مخصص لطبقة أبناء البلد من تجار الفيز والإقامات وهو في حالة عطالة دائمة، وآخر للعمالة الهامشية وغير الهامشية يتحرك حياً متى عجز الوافد عن دفع مكوس الإقامة لرب العمل "شارلوك" الخليجي فألغى الأخير إقامة المكفول وتركه نهباً للملاحقة القانونية، فيقف القانون متسيداً بالمرصاد للمقيم، ويغض البصر دروشة عن "شارلوكات" الوطن.
حتى هذه اللحظة، ومع كل الثرثرة الرسمية والإعلامية عن تجار الإقامات، لم أسمع عن قضية واحدة منذ التحرير حتى اليوم تخبرنا عن مداهمة شركات النخاسة الكويتية ذات المسؤولية غير المحدودة، والمساهمة بالجرم العام، فكل ما تنقله صحافة "الإثارة" الفرحانة بوجبة اليوم من صيد وكر فساد جنسي، أو مداهمة شقة "بابو وغلام" ضبطا وهما يصنعان بها خموراً محلية، فلماذا تلك الازدواجية في بلاد الريع والحلال والحرام والكفالات ومراسيم الضرورة  بين المواطن وغير المواطن، ومرة ثانية لماذا هناك "ازدواجية" قانونية أخرى بين مواطن "ديلوكس" من حزب البارونات والواسطات لا يعرف دهاليز الضياع في إدارات الدولة، وتسير أموره piece of cake في معظم معاملاته، ومواطن مغلوب على أمره تفرض عليه المعاناة "والمرمطة" بإدارات "تعال باجر، ومعاملتك في إدارة أخرى بعيدة وعند مكان عنوانه جهنم".
ومرتبط بهذا الموضوع، نشاط اللواء النجم عبدالفتاح العلي، وهو في قمة حماسه الأمني لضبط اللامنضبط في المرور، فهل نظر اللواء في عمق وداخل إدارته المرورية وفي متاهات وزارة الداخلية (أي وزارة الأخ الأكبر يراقبك الاورويليه) لينظف زواياها، وما تراكم تحت سجادها السميك من طبقات الفساد واستغلال الوظيفة العامة بعون رئيسه وزير الداخلية، في هذا كتب الزميل د. ساجد العبدلي مقاله قبل يومين في "الجريدة"، وقد كفى ووفى.
وأعود إلى تغريدة نوال وتعقيب من المغرد المطيري عن سبب سكوت جمعيات النفع العام عن فضح التجاوزات لحقوق وكرامات المقيمين، وأتمنى أن تسمى تلك المؤسسات الأهلية بجمعيات "الصمت العام" التي ترضع من ضرع السلطة، فهذا أنسب لها.                                                                                

احمد الصراف

إسماعيل وإسحاق

ول.د الكاتب الأيرلندي جورج برناردشو توأماً. وقامت أمهما يوماً، وهما رضيعان، بتركهما في إناء كبير للعب فيه، فمات أحدهما غرقاً، ولم تستطع الأم تحديد من بقي، فقررت أنه «جورج»! ويقول برناردشو إنه عاش حياته وهو يتساءل دائماً: هل أنا جورج أم أنا أخي؟
* * *
سيحل علينا عيد الفطر قريباً، وسيتبعه بعد 40 يوماً تقريباً عيد الأضحى، وفي نهايته سيتم «التضحية» بملايين الخراف، أغلب لحومها سيضيع تحت التراب، ويذهب ثمنها سدى! ولا أدري كيف لا تستطيع أمة كان فيها عمر بن الخطاب، الذي نجح قبل 14 قرناً وقف العمل بنصوص دينية، من وقف دفع «الخمس» لفئة المؤلفة قلوبهم، إلى معارضة قطع يد السارق في عام الرمادة، وغيرها، كيف لا تستطيع هذه الأمة أن تتفق على قيام «أمير حج» أي عام بذبح «كبش» واحد فقط نيابة عن كل حجاج البيت وأهاليهم، والمسلمين أجمع، بدل نحر كل هذه الثروة الحيوانية كل عام، وصرف ما كان سيدفع فيها على تنمية مدن وشعوب بحاجة إلى كل شيء، من طعام مستمر وماء متدفق ودواء متوافر، هذا غير المساكن والمدارس والمستشفيات، ولن نقول المسارح والحدائق والشوارع، ولا حتى المجاري! ألا يبدو عجزنا عن القيام بذلك مثيراً للشفقة، أو ربما للغثيان؟ إن وضع العالم الإسلامي اليوم ليس كوضعه قبل ألف عام، فقد تضاعف الناس فيه آلاف المرات، وأصبحت احتياجاتهم أكثر تعقيداً، وأصبح هناك عجز رهيب في الغذاء، والمجاعة تضرب سنوياً دولاً عدة، وستضطر الدول الإسلامية، أو تجبر إنسانياً، على وقف عمليات النحر الجماعية، فلمَ ننتظر ذلك اليوم ولا نبادر به من الآن؟ 
يقول الكاتب المصري حسين أمين إن أغلبية أعياد العالم ترمز إلى السلام والمحبة، وشكر الرب على عطاياه، وطلب المغفرة، والعناية بالآخر المحتاج، أياً كان! ولو تمعنا في هذا القول، لوجدنا أننا نفتقد شيئا من هذا القبيل، فأعيادنا في غالبها صارمة ومتشددة في وقارها، ولا تتضمن فرحاً وضحكاً، ومقتصرة علينا فقط! ومنذ 14 قرناً والمسلمون يؤمنون بأن المقصود بابن النبي إبراهيم هو إسماعيل، بينما يؤمن النصف الآخر من أصحاب الكتب السماوية، من يهود ومسيحيين، بأن الابن المقصود، كما ورد في نصوصهم، هو إسحاق! فكيف يمكن تسوية هذا الاختلاف؟ وهل يعقل أن المسلمين يحتفلون بالتضحية من أجل ابن، يعتقد الجانب الآخر بأنه أخ له وليس هو؟ وليس سهلاً طبعاً الوصول إلى حل هنا، لأن كل طرف يرى أن ما ورد في كتبه أكثر دقة، وبالتالي سيستمر الصراع بين الجميع، ونتقاتل ونكفّر ونحرق ونشتت ونرمّل، وابتسامة «الموناليزا» ترتسم على وجه بقية العالم وهو ينظر إلينا باستغراب، ثم يمضي في طريقه، غير مكترث بما نوقعه ببعضنا من دمار!
ملاحظة: صرّح «بطل» بأنه تم البدء في تجهيز 12 ألف مجاهد من جزيرة العرب بالسلاح لمحاربة «حزب الله»! وهذا طبعاً كلام فارغ تماماً! كما طالب بأن يقبضوا على 10 من أفراده، ليتمتع بنحرهم!
نشر هذا الهذيان والسكوت عنه يعنيان أنه لا علاج لوضعنا، والنهاية قريبة!

أحمد الصراف