دعوة النائب السابق وليد الطبطبائي مع تجمُّع حراك السلفي إلى مقاطعة الانتخابات مع تبني إصلاحات سياسية ودستورية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، لا يمكن وصفها بغير الخرق السياسي، فإذا كانت أولى مهام المعارضة لحزب النظام هي الإصلاح السياسي الذي يعني إعمال الدستور وتفعيل مضامينه التي انتهكتها وتجاوزتها السلطة بمراسيم الضرورة، فإن طرح جماعة الحراك السلفي في مثل هذا الوقت أصاب المعارضة في مقتل، وهذا آخر ما تحتاجه المعارضة التي تعاني تفككاً وتشرذماً في قيادتها الممثلة بعدد من نواب المجلس المبطل الأول.
في مثل الظرف الحالي يُفتَرض أن تسعى الأغلبية المعارضة إلى استقطاب مختلف الاتجاهات الفكرية على الساحة وتوحيدها تحت راية مشروع سياسي يجمع أبناء الوطن ويوحدهم لا يفرقهم، يلمّ شتاتهم ولا يبعثرهم حسب الانتماء الطائفي واتهامات التخوين والتواطؤ مع مطبّلي السلطة الواحدة والصوت الواحد، و"شعار التوافق مع الشريعة الإسلامية"، وهو لافتة سياسية استبعادية لن تعني غير استبعاد الكثير من الشيعة المعارضين، وستنحي الشباب المؤمنين بقضية الحريات جانباً وتعزلهم عن الحراك المعارض أو حتى التعاطف معه، ولعل أبلغ كلمات عبرت عن خطورة مثل ذلك الطرح هو ما غردت به شمايل الشارخ، حين كتبت بتغريدتها: "يا جماعة الخير قضبوا ميانينكم، كل ما واحد منكم جاب طاري تعديل الدستور لترسيخ الشريعة كمصدر أوحد للتشريع كل ما حلى بعيننا الصوت الواحد".
قضيتنا اليوم هي الدستور لا تعديل الدستور، وقضيتنا اليوم هي تحقيق الحريات العامة والفردية، لا خنق الأخيرة بحجة لا صوت يعلو فوق صوت الشرع، فنهرب من استبداد سلطة كي نعلق باستبداد الجماعة، وقوانين الدولة لا تناقض روح الشريعة، متى فهمنا الشرع بعقل اليوم لا بعقول الأمس، ومتى استوعبنا الدين كحرية شخصية للأفراد، وأنه ليس من حق أحد فرض دينه ولا مذهبه على الآخرين ولا على الدولة، سواء كان هذا "الأحد" هو الأغلبية وهو أهل السنة والجماعة أو لم يكن شيئاً.
"الصوت الواحد" لن يكون أجمل مع مشروع "التوافق مع الشريعة الإسلامية" من ناحية، و"التوافق مع الشريعة الإسلامية" ليس هو الوصفة السحرية لمحاربة الفساد الرسمي، ولن يخلق الوعي بالمستقبل الاقتصادي للدولة الذي يبدو مظلماً بفعل غياب الأولويات لدى الحكومة ولدى معظم المعارضين من ناحية أخرى… فتركدوا يا جماعة الخير… فخسارتكم ستكون كبيرة.