يمكن اختصار وضع الدولة السياسي بكلمة واحدة "بربس"، وهي كلمة بلهجتنا المحلية تعني التفاهة، والسطحية، والفوضى، وأهم من كل تلك المعاني هي لا تعني أي شيء، أي أنها بلا معنى وبلا روح وبلا مضمون. هي حالة صبيانية تتخبط في طيش لم يعد له آخر، فتتوهم إدارتها السياسية أنها خرجت من حفرة صغيرة وتتنفس الصعداء، لتجد، نفسها، فجأة، قد وقعت في بئر بلا قرار.
لم أعد أذكر زمن وتواريخ الأحداث السياسية التي تدور بها الدولة بحلقة مغلقة، فكلها أضحت بلا معنى، كلها أصبحت "بربس" مركباً، يتم انتخاب مجلس نيابي، ثم يصدر حكم من المحكمة الدستورية بعدم شرعيته، ويحل، ثم انتخابات مفصلة على مقاس السلطة الحاكمة بآمر نفسها، ثم من جديد، وبعد رفض كبير في الشارع السياسي، تتخلله أعمال قمع وأحكام تصادر حرية الكلمة بموجب قانون السلطة بطبيعة الحال. يصدر حكم من السلطة الثالثة ببطلان المجلس، لأن هناك خطأ في الإجراءات، ونعود مرة ثانية وثالثة لمدرسة المشاغبين بعادل إمام وسعيد صالح، لكن من غير سهير البابلي الأستاذة التي تدرك كيف تدير وتضبط "شقاوة" الطلبة الكبار، وأزمتنا هي أزمة "الكبار المشاغبين" الذين لا يجدون لهم ضابطاً.
تحت هاجس و"فوبيا" من تكرار إعادة اللعبة المملة بالحل الدستوري، ثم انتخابات، ثم حل، ثم انتخابات إلى ما لا نهاية، يحاول فريق من السلطة، قد يكون هو الحكومة، أو قد يكون هو خصم الحكومة، ويعمل كي يصبح هو الحكومة والمجلس والدولة جميعاً مرة واحدة، العودة إلى المحكمة الدستورية لتفسر حكمها، في حساب المواعيد بالدعوة إلى الانتخابات، هذا الفريق لم تعد له ثقة بالإدارة القانونية للفتوى والتشريع، وكأنها هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن "فوضى الفتاوى"، التي أصبحت حالة مرضية مزمنة بدولة كل يوم حل وكل يوم انتخابات كوميديا بايخة، هذا الفريق الباحث عن جادة الصواب، أو جادة الضياع، يسأل المحكمة الدستورية بطريقة غير مباشرة وعبر النائب عبدالحميد دشتي في المجلس المبطل رقم 2 يسألها ماذا يفعل، ومتى تجب الدعوة إلى الانتخابات حسب الحكم الذي يبدو لهم أنه كتب باللغة الهيروغريفية، يريد فريق المساكين في الحكومة أن تمد له السلطة القضائية يد العون، وتصبح سلطة استشارات كما هي سلطة فصل في منازعات، ويسحب السيد دشتي طلبه في اللحظة الأخيرة، لنعود إلى الدوامة السيئة والحلقة المغلقة، ويتوه فريق المساكين الحكومي في خبيصة عدم وضوح الرأي، وربما يهلل الفريق الآخر في السلطة لطلب السحب، فإغراق الحكومة هي غايته كي يصبح ليس الحكومة فقط وإنما الحكم بداية ونهاية…!
تيه وضياع، من يدفع ثمنه، ومن سيسدد فواتير الخيبة، فواتير البربس السلطوي، ندفعه اليوم بقلقنا المشروع، وسيدفعه بالغد القريب أطفالنا، سيدفعونه من رصيد مستقبلهم المجهول، حين تركت الدولة يديرها أشقياء مدرسة المشاغبين… بربس وألف بربس أنتم.