متعة… أكتب هذه المقالة والكهرباء مقطوعة، والعبرة تخنقني، وأوراق المنديل كعب داير ما بين رقبتي وصدري ووجهي، والكويت جميلة، والعتبة قزاز، والحرارة 45 درجة سيليزية ملعونة، وإذا كان المصريون والشوام يفاخرون بـ"أدباء السجون" و"أدباء المهجر" فسنفاخر نحن بـ"أدباء انقطاع الكهرباء"… كلهم يكتب وهو يعاني.
ويأتيني اتصال من صديق صاحب مبدأ، وصاحب بقالة، وصاحب عاهة مستديمة في يده اليسرى: "أبا سلمان، بخصوص المحكمة الدستورية وموعد إجراء الانتخابات في العشر الأواسط من شهر رمضان و…" فأقاطعه: "قضيتي الآن مع الكهرباء في العشر الأواخر من شهر يونيو الجاري، وليرحم الله أمك التي حملتك وأنجبتك وأرضعتك إلى أن كبرتَ وهاتفتني تشتكي العشر الأواسط من رمضان… تدبر عشرك وسأتدبر عشري، ولا يطغين أحدنا على عشر الآخر".
وأتخيل لو أن الكهرباء تنقطع في ألمانيا بشكل متكرر، كما يحدث عندنا، وأتخيل ردة فعل الألمان، المتجهمين الجادين بطبيعتهم، يميناً بالله كان الوزراء الألمان سيتمنون لو أن الله خلقهم ضفادع في بحيرة آسنة، أو سناجب في غابة محترقة، ولو أن ما يحدث للكهرباء عندنا يحدث لكهرباء النرويج، عليَّ اليمين كان الشعب سيسحب وزراءه من ياقاتهم إلى السجون.
ويقول بعض المتخمين هنا: "لا تطلبوا من حكومتنا أن تنافس الحكومات الاسكندنافية في الكفاءة قبل أن تطلبوا من الشعب أن ينافس الشعوب الاسكندنافية في الثقافة واحترام القوانين"، وله أقول: "لماذا توقفت قبل أن تضيف جملة (وننافس الشعوب الاسكندنافية في الغضب الذي يقتلع الجذور عندما يرون نقطة فساد؟)".
ولو كنت مكان الوزراء في حكومتنا لما رفعت رأسي عن سجدة شكر لله على هذا الشعب الذي نمرمطه، ونقطع الكهرباء عنه في حرارة بركانية، ثم نتمشى ببشوتنا بزهو ابن لقمان، فيسكت عنا ويلقي اللوم على خصومنا.