كل الكواكب تدور بعكس عقارب الساعة، إلا كوكب الزهرة والكويتيين. وتتسابق الشعوب مع الزمن، فتسبقه ويسبقها، وتجري الشعوب باتجاه المستقبل، ويجري الكويتيون، أو بعضهم، باتجاه الماضي.
وكنا قاب قوسين، أو يومين، من إسقاط "الفرعيات" و"فتاوى المشايخ" في الانتخابات، وفجأة وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة ما قبل البداية، وننتظر أوامر القبيلة، أو مرجع الطائفة، لنقرر هل سنخوض الانتخابات أم نقاطع.
هؤلاء هم الكويتيون، شعب يبحث عن الأصالة، وسيعود بإذن الله قريباً إلى ما كان عليه آباؤه وأجداده، فيمسح الديمقراطية من قاموسه، ويعتمد على "أهل الحل والربط"، ليربطوه ويحلّوه، كيفما شاؤوا وقتما شاؤوا أينما شاؤوا، ولا حساب لمشيئته هو، ولا قراره، وسيلغي هذا الشعب الأصيل دور الشرطة والمباحث والبصمات والقضاء والشهود ووو، ويعتمد في أخذ حقوقه على "مجالس عرب"، ويُسقط التكنولوجيا والصناعات من حساباته، ويعود إلى الجمل وما حمل، ويغلق محطات تحلية المياه ويعود إلى البئر، والاقتتال حول البئر، ومن هو الأقوى الذي ستشرب ناقته أولاً.
ونعود أكثر وأكثر، بحثاً عن الأصالة، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، كذلك يقول الأديب الفرنسي سارتر، وسارتر هو الذي قال في معرض رفضه احتلال فرنسا للدول العربية، الجزائر تحديداً: "ليس من النبل ولا من الفروسية أن تقوم فرنسا والدول القوية، مستغلة تطورها وتقدمها العسكري والاقتصادي، باحتلال أراضي شعوب متخلفة، ما زالت تعيش في الماضي"، ويضع الحل: "الأولى أن نأخذ بيد هذه الشعوب إلى المستقبل"، فغضب الفرنسيون المتعصبون منه، وهاجموا بيته، فهرب، فأحرقوا البيت بما فيه من كتب ومؤلفات على وشك الاكتمال، وقصفوه فهدّوا أركانه، وتنقّل هارباً من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، حاملاً مبدأه في يده: "خذوا بيد الشعوب المتخلفة إلى المستقبل".
وآه يا سارتر، ليتك ترى الكويتيين، وترى سلطتهم التي دفعت وتدفع بهم دفعاً مبيناً إلى القبلية والطائفية والفئوية والهمجية، وتلغي دور الفرد، وتعتبره بلا عقل ولا قرار، تسحبه السلطات الرسمية، وتسلمه إلى القبيلة أو الطائفة لتتولى توجيهه.
ولا فرق بين الكويتيين اليوم والأفارقة السود في أوروبا قبل قرون، كلهم لا يملك قراره، وكلهم يتم توفير الغذاء له ليقوم بما يأمره به أسياده، وهذه هي التنمية البشرية في نظر السلطات الكويتية.