بتشاؤم، وربما هم على حق إلى حد كبير، يرى الكثير من الباحثين العرب بأن ظاهرة التطرف بين أوساط الشباب، لاسيما في الوطن العربي، ستأخذ منحى تصاعدياً خطيراً في المستقبل، وليس السبب في ذلك يعود إلى انتشار الخطاب الديني المتطرف شديد الخطورة ذي الشكل الدموي في غالبه، بل يعود أيضاً إلى إصرار الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي على انتهاج سياسات قمعية، حتى في دول الثورات، بالإضافة إلى التأثير الخطير، المدعوم من بعض تلك الحكومات، للإعلام المشجّع لخطاب التحريض والطائفية والكراهية.
الباحث في العلوم السياسية والمتخصّص في قضايا الإرهاب بجامعة محمد الخامس يونس زكور، يرى أن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عمّا هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة؛ أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف، فإنه يتحول إلى إرهاب. فالتطرف دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحوّل الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحوّل إلى إرهاب. وطبقاً لذلك، يعتقد أن التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبره جريمة، بينما الإرهاب جريمةٌ يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن ثم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.
على مستوى الوطن العربي، فإن الحكومات، إن لم تبادر بمسئولية وحرص وإدراك وحزم، لتحسين الواقع الشبابي، سواءً على مستوى التربية والتعليم والعمل والشباب والرياضة، فإننا سنكون، حسب ظني المتواضع، أمام عقدين من الزمان قادمين، نواجه فيهما جيلاً متطرفاً بشدة، في الكثير من الأفكار والسلوكيات.. وحينها، لن تنفع الحلول الاجتماعية ولا الحلول الإستراتيجية ولا الأمنية ولا يحزنون. بل لن تتمكن، لا الدولة ولا حتى قادة الرأي، من رموز دينية كانت أم سياسية أم شبابية، من تطويق حركة تشبه التمرد على واقع الشباب.
ومن المهم الاستدراك هنا للإشارة إلى أنني لا أقصد أن يتطرف الشباب لمجرد القول أنهم محرومون من حقوقهم، وبذلك، نستسيغ التصرفات الطائشة التي تبدأ بترك مقاعد الدراسة في مختلف مراحلها، ثم التسبب بمشاكل لأنفسهم ولذويهم ثم لمجتمعهم. صحيحٌ أن الكثير من الشباب في مجتمعنا يعانون من مشكلات تحول دون تحقيق طموحاتهم، وبعضهم يحمل الهموم الوطنية، السياسية، الاجتماعية، الديمقراطية، لكن هذا لا يعني أن كلهم بلا استثناء يملكون الإدراك والقدرة للتعاطي مع قضايا المجتمع.
واستناداً إلى دراسة خليجية، فإن غياب الوعي الديني لدى الشباب يمثل المرتبة الأول في أسباب ظاهرة التطرف بنسبة 72.7 بالمئة، مقابل 4.8 بالمئة من العينة عارضت ذلك، ووافقت 42.5 في المئة من إجمالي عينة الدراسة موافقة تامة على أن بعض وسائل الإعلام شجعت أفكار وأطروحات التطرف والمتطرفين، بالإضافة إلى 36.7 في المئة وافقت على ذلك و لكن في خانة (إلى حدٍ ما). وحول الاعتداءات الظالمة على بعض الشعوب الإسلامية من خلال بعض وسائل الإعلام، بلغت نسبة المؤكدين على أن تلك الاعتداءات تعد سبباً من أسباب بروز ظاهرة التطرف وبلغت نسبتهم 59.9 في المئة.
حتى المعالجات التي يطرحها المهتمون، تصطدم بواقع أشد سطوة! فدعاة الوسطية في العالم العربي والإسلامي، لا يمتلكون ذات القوة والنفوذ الذي يمتلكه دعاة التطرف! ولعل مؤسس ورئيس المركز العالمي للوسطية في الكويت عادل عبدالله الفلاح، واحد من أبرز الشخصيات التي وضعت خطوطاً عريضةً لمواجهة التطرف والغلو والإرهاب، لكنه كان ولا يزال يشدد على ضرورة أن يساهم العلماء في حماية وتحصين المسلمين من مخاطر الانزلاق إلى مجاهل تلك الأفكار، وتوضيح مبادئ الإسلام لغير المسلمين. وهو يرى أن فكر الوسطية في المفهوم العصري يستند إلى أربعة ركائز أساسية، وهي: الحوار، وقبول الرأي الآخر، واحترام الرأي الآخر في حال عدم قبوله، والتعايش السلمي مع الآخرين، ففي ذلك حماية لوحدة المجتمعات. لكن مع الأسف، من اليسير جداً معرفة دور من يسمون أنفسهم علماء ومشايخ وهم أحرص على… تدمير المجتمعات.