أعتقد، ويشاركني في ذلك بعضهم، أن السياسة بشكل عام مفسدة للنفس، وإن كان هذا القول، كغيره من الأقوال، لا ينطبق على قلة قليلة، ولا أدعي أنني منها، هذا لو كنت سياسيا! كما أن ما يخضع له السياسي من ضغوط يومية تقريبا للاختيار بين أقل الحلول سوءا، يكون عادة امرا مرهقا للنفس، وبالتالي فإن السياسة تنفع أصحاب القامات الأكثر ميلا مع الريح، مقارنة بغيرهم الأكثر عنادا وصلابة وتمسكا بآرائهم، حتى إن كانت غير صحيحة! وتصبح الممارسة السياسية أكثر صعوبة واقل شفافية مع تخلف الدولة وتخلف نظامها السياسي، أو عندما تكون الدولة «ريعية» تعتمد على مورد دخل واحد، والتي تمسك فيها الحكومة بكل أطراف ذلك المورد، فهي المانحة وهي المانعة، هنا تصبح العملية السياسية، بشقها الرقابي بالذات من خلال العمل البرلماني، عملية مربكة ومرهقة. فلو رأى النائب أو المشرع أن ظلما وقع على فرد أو شريحة من المجتمع، وسبب الظلم يعود لتصرف أو قرار حكومي، ورأى أن عليه السعي لرفع ذلك الظلم، أو إزالة أسبابه، فإنه عادة ما يلجأ للأدوات الدستورية، وهذه قد تأخذ دهرا، إن نتجت عنها فائدة في نهاية الأمر، وقد يكون الوقت قد تأخر كثيرا، وأصبح الحل غير ذي جدوى. وبالتالي تختار الغالبية اللجوء الى الطريق الأسهل، اي السعي لدى الجهة نفسها التي عليه واجب رقابة أعمالها وتصرفاتها، اي الحكومة المانحة والمانعة، والطلب منها، بمذلة غالبا، إزالة الظلم، وهذا ما لا تقبله عادة النفس السوية! فكيف يمكن لمثل هذا النائب بعدها محاسبة ومراقبة الجهة التي استجابت «لرجائه» وأوقفت تعسفها أو قرارها الجائر بحق فرد أو جماعة؟
مناسبة هذا الحديث هو الطلبات التي أصبحت تردني من أحبة وأصدقاء للعودة إلى الوطن خلال شهر رمضان القادم، على افتراض أن مرسوم الدعوة للانتخابات سيصدر قريبا، معلنا إجراءها خلال الشهر المقبل، والانخراط في العمل السياسي، عن طريق الترشح للانتخابات المقبلة، وحجتهم أن أولئك الذين سبق وأن حققوا نتائج جيدة في الانتخابات السابقة، ليسوا بأفضل مني، وأنه آن أوان وضع «خبراتي» المصرفية والتجارية والحياتية في خدمة الأمة، وأنني سوف أكون صوتا مقبولا من الجميع، وأنهم سيقفون معي!
ولكن، على الرغم مما قد ينتاب بعضهم من زهو لسماع مثل هذا الكلام، إلا أنه، لا شك، زهو فارغ، فالسياسة، كما ذكرنا، تحتاج الى نوعية من الأشخاص ممن يتصفون بصفات خاصة وكبيرة، ولا أجد أنها تتوافر في شخصي المتواضع. كما لا أملك ما يملكه السياسي المحترف من إمكانات، وبالتالي أكتب هذا المقال لأقطع الطريق على نفسي، إن حدثتني يوما بأن أتراجع، واخضع لمغريات السلطة والجاه، لأنني أشعر بان «روما» التي أعيش فيها تحت الشجرة، بكل ما فيها من بساطة عيش، أفضل بكثير من بهورة «روما» من على كرسي النفوذ والسلطة، أيا كان لونه!
• ملاحظة: ذكرني تصريح الشيخ المهري بأنه سيعطي صوته للأصلح، سواء كان سنيا، شيعيا، أو ليبراليا، بتغريدة لزياد الرحباني قال فيها، تعليقا على أحداث سوريا وتأثيرها في لبنان: السنة لهم أميركا، والشيعة لهم روسيا، والكفرة لهم.. الله.
أحمد الصراف