كنا ومازلنا في الكويت نلوم الحكم الفردي الذي ساد دولنا العربية منذ الخمسينيات كحال مصر والعراق وسورية وليبيا.. الخ، لتردي الاوضاع فيها، ونقول لو انتهجت القيادات الثورية ضمن تلك الدول المسار الديموقراطي وشاورت وسألت لما حدث ما حدث لها ولدولها من دمار وخراب ودماء.
الغريب اننا لو اتينا للعمل السياسي في البلد وسألنا التوجهات السياسية التي شاركت في الانتخابات الماضية عن كيفية اتخاذ تلك القرارات المصيرية، لوجدنا ان القرار قد اتخذ على مستوى فردي لا جمعي، والامر يمتد للتوجهات التي قاطعت بالامس وعادت اليوم لتشارك، وكيف تم اتخاذ القرارين لديها؟ وهل كان عبر عمل مؤسسي منظم ام بقرارات فردية؟ لوجدنا الجواب نفسه الذي يؤكد على فردية القرار في العمل السياسي الكويتي.
هذا الامر يمتد بشكل اكبر لبعض القيادات السياسية التي اضرت بأنفسها وألقتها وتوجهاتها في التهلكة السياسية عبر سلسلة طويلة من القرارات شديدة الخطأ من خروج للشوارع والرهان على «ربيع كويتي» رغم اختلاف المعطيات والظروف ومطالبات خارجة على الدستور رغم شعارات الحفاظ عليه، ورفض قرارات المحكمة الدستورية، ورفض المشاركة في انتخابات الصوت الواحد للفوز بها واسقاطه، وقرارات اقتحام مجلس الامة والتعدي على من حصنهم الدستور من التعدي، وعدم الوعي لحقيقة ان المقاطعة هذه المرة قد تعني ابتعاد تلك التوجهات عن العمل السياسي لسنوات طويلة قادمة سينساها الناس خلالها.
مما سبق، نرى طغيان «الفردية»، اذا لم نقل الديكتاتورية، على العمل السياسي الكويتي واتخاذ القرارات عادة التي تفيد الزعامات الملهمة بأكثر ما تفيد التوجه السياسي المعني، فإن قررت القيادة الملهمة ـ او المستلهمة ـ المقاطعة وجب المقاطعة دون نقاش، والا اعتبر من كان له رأي آخر خائنا يستحق النقد والتقريع والتشكيك في دوافعه، ثم تقبل سيل من الاتهامات تنتهي عادة بطرده والتبرؤ منه كونه فقط تجرأ وناقش قرارات القيادات الملهمة المعصومة التي تستلهم المواقف من الوحي «البشري» الذي تتنزل عليه عطاياه.. اناء الليل واطراف النهار!
ان الاهم من المشاركة او المقاطعة هو تعلم الدروس مما حدث والذي كاد ان يوصلنا للفوضى العارمة وتخوم الاحتراب الاهلي الذي تقطع فيه الرؤوس وتؤكل عبره الاكباد، وذلك عبر «دمقرطة» العمل السياسي الكويتي المعارض والموالي عن طريق خلق «لجان سياسات» في القوى المختلفة منفصلة عن القيادات حتى تقدم المصلحة العامة للتيار السياسي على المصالح الخاصة والشخصية للقيادات الملهمة حتى لو ادى الامر لاعتزالها او.. عزلها، ودون ذلك سنبقى في حلقة مفرغة من الفوضى والتخبط والتكسب وبقاء الدماء الفاسدة بدلا من تجديدها بدماء شابة نظيفة تدفع للقيادة بدلا من دفعها للشوارع والسجون.
آخر محطة:
اهم الاسباب التي تمنع خلق «لجان سياسات» و«مستودعات عقول» ضمن التيارات السياسية في الكويت ولبنان واغلب الديموقراطيات الناشئة بالمنطقة هو ان القيادات الملهمة تقرر مواقفها التي تفرض على أتباعها، اتباعها بديكتاتورية شديدة، لا بناء على الالهام الفكري ومصلحة الوطن والتيار السياسي بل على مقدار.. القبض النقدي الداخلي والخارجي للقيادة السياسية المزمنة!