ما العمل بعد حكم المحكمة الدستورية: نشارك أم نقاطع الانتخابات؟! تساؤل محير ومنهك للمعارضين. عدد من الأفراد المستقلين وكتل سياسية قررت المشاركة، بينما آخرون تمسكوا "بمثالية" الرفض وعدم المشاركة، هل هي حقاً "مثالية" وطوباوية لا صلة لها بالواقع المفروض؟ أم أنها واقعية تفتح حقائق التاريخ لممارسة السلطة الحاكمة وأزمتها المزمنة مع الدستور، وتحاول بكل وسيلة التقليص من المشاركة الشعبية مهما كانت تلك "المشاركة" محدودة أساساً بحكم الدستور عينه؟!
الأمة مصدر السلطات حسب المادة السادسة من هذا الدستور، لكن المادة الرابعة قبلها تضعها في سياق مقيد بأن "الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح"، ثم تأتي بقية المواد الدستورية التي تخول السلطة التنفيذية المشاركة في التشريع… والتاريخ يخبرنا أن السلطة المشيخية لم تشارك في التشريع فقط، إنما استحوذت على التشريع والتنفيذ، وابتلعت بقية السلطات منذ السنوات الأولى بعد الاستقلال وبعد وفاة الكبير عبدالله السالم.
مرة ثانية ما العمل؟ أم أن السؤال اللغز هو: ماذا يمكن عمله؟! حجة الداعين للمشاركة وحججهم أنه لا خيارات أمامهم الآن، ويرددون في صدورهم عبارة "العوض ولا القطيعة"، والقاعدة المنطقية تؤكد أن "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وحسب واقعنا- وهم يؤكدون أنهم أهل الواقع والممكن- لا يسرحون في عالم الأحلام، فإن المحكمة الدستورية فصلت، وانتهت وانتهينا مع حكمها مهما اتفقنا أو اختلفنا مع تسبيبها في وضع الحدود الفاصلة بين سلطات الدولة، وعدم تغول سلطة على أخرى.
وحجة عملية أخرى يهمس بها هؤلاء "الواقعيون"، فهم لم يروا جدوى من الضغوط الشعبية على السلطة الحاكمة، فانتهت التجمعات والتظاهرات الكبيرة التي قادتها المعارضة في الشهور الماضية، وأخذت تتلقص يوماً بعد يوم حتى أضحت منتديات ضئيلة يديرها أفرادٌ أصحاب عزيمة ومخلصون لمبادئهم، إلا أنهم كانوا يؤذنون في مالطا، فهراوات السلطة والمحاكمات والزنازين أدت الدور المطلوب.
وأكثر من ذلك تم تفكيك المعارضة وأخذ كل فريق معارض يصف "روشتته" الخاصة للإنقاذ الوطني، بينما كان اللغط والإشاعات تتكاثر وتنقل حكايات بأن أفراداً من الشيوخ الطامحين في مكان بارز تحت شمس الحكم استعملوا قفازات المال الوفير مرة، ومرات استغلوا بعض المعارضين كمخلب قطّ لقتل روح الرفض عند الجماهير.
وإذا لم تكن مثل تلك الاتهامات صحيحة، ولم ينهض لها دليل فإنها في النهاية أنهكت الناس وأتعبتهم من تشرذم تلك المعارضة التي عجزت عن توحيد صفوفها، ولم ترسم خريطة طريق واضحة بفكر منهجي يكون ملهماً للشباب.
الرافضون المقاطعون يقولون إنهم الواقعيون الحقيقيون، ويرفضون اتهامهم بالطوباوية الحالمة، فهم من قرأ واستوعب التاريخ، وهم من يتعلم من تجارب الماضي، وتاريخ السلطة مع الدستور وأحكامه. وقال الاقتصادي جاسم السعدون في مبررات رفض المشاركة ما لم يقله مالك في الخمر، وقراءة رأيه الذي نشر في موقعي "سبر" و"الآن" يوم الأربعاء ضرورة، فلم يهمه أن يعرف بالأيام والتواريخ مواقف السلطة مع الدستور منذ ٦٧ حتى اليوم، فهو يقول لدعاة المشاركة إن "هذا سيفوه وهذي خلاجينه"، فالمشاركة في الانتخابات لن تغير من الإدارة ولن تغير من نهجها، والظروف في المنطقة تغيرت عن الماضي حين كان الكويتيون يغضون النظر عن تجاوز حقوقهم الدستورية، ولم يعد في اليوم مكانٌ لمقولة "عفا الله عما سلف"، وإذا لم نساير الريح فالتغيرات التي تعصف بالمنطقة ستجبرنا قسراً على التغيير، فالكويت اليوم مجتمع الشباب الذين يمثلون الأكثرية، وهم المهمومون في أزماتنا الحاضرة التي ستكبر غداً.
وكلام جاسم صحيح، فالعقول التي تدير الدولة بمنهجها التقليدي قد انتهت صلاحيتها، وفي الغد لن تجد السلطة في جيبها "مسكنات" تخدر بها الوعي، فأزمة السكن والبطالة، وغيرها من أمور حياتية من صحة وتعليم ستكبر وتتورم، وليس هناك ضامنٌ لعمر الذهب الأسود، والحل لن يكون بغير الاستثمار الإنساني، وهو استثمار اندفاع الشباب والعمل معهم لتحقيق تطلعاتهم بغدٍ أفضل، وفتح باب مشاركتهم في الحكم بمشاركة صحيحة، وأدوية العطايا والسخاء من حساب المال العام لن تكون ناجعة غداً حين تجفّ عروق هذا المال من سوء الاستهلاك وتكريس الفساد، فلماذا نراهن على بقاء ما كان على ما كان، فلسنا حالمين بل واقعيين… المشاركون هم الحالمون.
هل وجدنا جواباً للسؤال "اللينيني" (نسبة إلى لينين) ما العمل؟!