ذكرت في مقالات سابقة أن هناك – فقط – دولتين إسلاميتين، من أصل 45 أو أكثر، يمكن أن تفتخرا بتحقيق إنجازات صحية وتعليمية واقتصادية وصناعية بارزة، ولكن لأسباب مختلفة، وإن تلاقت في نهاية الأمر. فماليزيا، التي تعتبر من نمور آسيا، حققت معدلات نمو غير مسبوقة، مقارنة بغيرها في آسيا، على الرغم من فقرها النسبي. وقد لمست وتأكدت – إن من خلال زياراتي المتعددة لها أو من خلال سابق تعاملي التجاري مع منتجيها – أن الفضل في تقدمها يعود الى ما تمتعت به من استقرار وانفتاح، خاصة في عهد مهاتير محمد (مواليد 1925)، الذي امتدت فترة حكمه 32 عاما حتى 2003، والذي حوَّل ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، إلى دولة صناعية متقدمة، يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو %90 من الناتج المحلي الاجمالي، وهما القطاعان اللذان يسيطر على غالبيتهما العنصر الصيني غير المسلم من السكان، وهم سبب تقدمها الصناعي. وقد نتج عن إيمان مهاتير بقوة وقدرة المهاجر والمواطن الصيني على العمل والإنتاج، ان انخفضت نسبة من هم تحت خط الفقر من %52 عام 1970 إلى %5 في 2002!
والدولة المسلمة الثانية التي حققت معدلات نمو غير مسبوقة هي تركيا، التي تسلم فيها رجب اردوغان الحكم في السنة نفسها التي ترك فيها مهاتير منصبه! وقد قطف هذا السياسي التركي رحيق علمانية تركيا، التي بدأت عام 1924، يوم أعلن مصطفى كمال أتاتورك، تركيا جمهورية في مارس 1924 وإلغاء نظام الخلافة، وطرد الخليفة وأسرته، وإلغاء وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وتحويل المدارس الدينية إلى مدنية، وإعلان تركيا دولة علمانية، لأنه آمن بأن نظام الخلافة كان عائقا أمام أي تحديث للبلاد، سواء في التعليم أو المشروعات القومية. وقد حققت تركيا في الفترة القصيرة التي حكم فيها أتاتورك الذي توفي عام 1938 تقدما هائلاً في الفنون والعلوم والزراعة والصناعة!
ما يحدث الآن في المدن التركية، واسطنبول بالذات، من تظاهرات واعمال شغب ليست ببعيدة عما يقوم به حزب أردوغان من قطع لصلات تركيا بالعلمانية. فبعد التقدم الاقتصادي والصناعي الكبير الذي حققه أردوغان، الذي يوصف بالإسلامي المعتدل، والذي يميل لفكر «الإخوان المسلمين»، نتيجة علمانية الدولة على مدى 90 عاما، ومناخ الحرية الذي تعيشه شعوب تركيا، راودت أردوغان أحلام إعادة الخلافة وإحياء عظامها وهي رميم، مع كل ما سيكون لذلك من تأثير هائل في مجمل النشاط الإنساني فيها، وعلى مناخ الحريات الشخصية بالذات، وفي هذا لا يختلف أردوغان عن «متخلفي» مجلس الأمة الكويتي، الذين لا يرون في الأخلاق غير الحجاب والقناع وكراهية «المايوه» واختصار الدمار الخلقي في زجاجة بيرة أو امرأة غير محجبة!
إن عودة تركيا عن علمانيتها لا تعدو ان تكون الخطوة الأولى في انحدارها، وعودتها الى نادي الدول العربية والإسلامية المتخلفة، وهذا ما يسعى متظاهرو ميدان تقسيم إلى وقفه.
***
• ملاحظة: ضبطت وزارة التجارة طنين من العسل المنتهي الصلاحية! والحقيقة ان العسل ليس له تاريخ صلاحية، وكان حرياً بالوزارة ان تقول بانتهاء التاريخ المدون عليه، أو صودر لأنه لم يُحفظ بصورة سليمة! وبدلاً من ذلك، على مفتشي الوزارة ضبط ومصادرة العسل الذي يباع كمعجزة وعلاج، وهو لا هذا ولا ذاك!
أحمد الصراف