قررت المحكمة الدستورية أن "حالة الضرورة" غير متوافرة في مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، وبالتالي حكمت بعدم دستوريته، بينما حالة الضرورة متحققة في مرسوم الصوت الواحد، وحكمت بنفاذه، ومقتضى رخصة الضرورة عند المحكمة تتلخص في "توقي خطر يستوجب اتخاذ إجراء تشريعي عاجل ولا يتحمل الإناة والانتظار…".
إذاً عند يقين المحكمة فإن مرسوم "الصوت الواحد" له مبرر "توقي الخطر"، بمعنى أنه خطر داهم لا يمكن رده إلا بمثل ذلك الإجراء، هذا الإجراء السريع "الضروري" عند عقيدة المحكمة مبناه أسباب "سياسية" حين يضمن الصوت الواحد تمثيل الأقلية، وأن الدولة الديمقراطية لا تعرف غير الصوت الواحد، وغير ذلك من أسباب ساقتها المحكمة الدستورية، في اجتهادها.
ويمكن الرد عليها بأن الصوت الواحد في الدول "السنعة" (اصطلاح المرحوم محمد مساعد الصالح) يكون لمقعد واحد في الدائرة، وليس لعشرة مقاعد، وأن الصوت الواحد الذي فاز به مثلاً السيناتور ماكين بمجلس الشيوخ في الـ"سيناتس" يمثل الحزب الجمهوري وليس حزب شيوخنا، بينما كان الصوت الواحد لـ"أوباما" هو لمقعد الحزب الديمقراطي، ولكم أن تقيسوا على غيرها.
أما بالنسبة إلى ضمان حقوق الأقليات فهذا يجب ألا يكون على حساب ضياع حكم الأغلبية، وكيف يمكن تحديد مفهوم "الأقلية"؟ هل ترتبط هذه بالمذهب أو الدين أو العرق؟ وتلك يجب ألا يكون لها اعتبار في المنهج الديمقراطي، إنما تحدد الأقلية في مقابل الأكثرية وفق "الفكر" و"المنهج السياسي"، هذا إذا أردنا أن نتحدث عن دولة "سنع" وليست دولة "بدع"، كما هي الحال عندنا حين يرتبط مفهوما الأقلية والأكثرية بالطائفة والانتماء العرقي أو القبلي.
لم أجد في الحكم "معياراً" يسترشد به لحالة الضرورة، ولم أفهم كيف تتم التفرقة بين مرسوم هيئة الانتخابات ومرسوم الصوت الواحد، لكن كل هذا الحديث في مثل ظرفنا، لم يعد مجدياً، فالمحكمة اجتهدت وقررت وحسمت، ويحسب لها أنها قررت أن سلطة إصدار مراسيم الضرورة ليست مطلقة للسلطة التنفيذية، إنما تخضع لرقابة القضاء، لكن مرة ثانية، لم تضع المحكمة "معياراً" لحالة الضرورة يقيد السلطة التنفيذية في إصدار تلك المراسيم، بل تركت الأمور مطاطة وعائمة تسبح في تيار السياسة وغير مستقرة في يقين القانون المفترض.
ماذا ستصنع المعارضة بعد الحكم، وأي مشوار ستسلكه غداً؟ هل ستظل قضيتها "الأصوات الأربعة" وعدم مشروعية "الصوت الواحد" فقط، أم إنها ستتجاوز هذا وتتقدم نحو تكريس الفهم الصحيح لروح الدستور التي تفترض ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم، والنظر لهذا الدستور على أنه العقد الرابط بين السلطة والشعب؟ وهذا لن يتحقق بغير تجاوز قضية الأصوات الأربعة لتصل إلى الدعوة بالتشريع للعمل الحزبي المنظم، والانتخاب وفق نظام القائمة، وبتعديل الدوائر لتصبح الكويت دائرة واحدة.
وتظل الحقيقة الباقية هي أن أي تشريع لن يكون له أي معنى لتطوير المبادئ الديمقراطية، ما لم يكن هناك "وعي" ديمقراطي شعبي والاستعداد للتضحية من أجل الحرية.