لنقل صراحة بأن الكويتيين الذين يذهبون إلى القتال في سورية لا يذهبون لنصرة السوريين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان المهدرة من النظام الستاليني لبشار، وهم لا يقاتلون هناك الطاغية بشار ونظامه المرعب الذي أحرق سورية ومن عليها، هم يجاهدون ضد بشار العلوي وليس بشار الدموي، هم يقاتلون بشار "الرافضي" وليس بشار الدكتاتوري.
هذه أولويات علينا أن نعيها حين نشخّص الحالة الجهادية الكويتية أو الخليجية التي نحياها اليوم، ونعيدها ونؤكدها رغم علمنا بحجم "الشتائم" والاتهامات للتيارات التقدمية اليسارية الليبرالية بالتواطؤ مع "الشيعة"، وأن تلك التيارات ليس فيها "نخوة" الإسلام، وتتملق شيعة الديرة، وكأن "شيعتنا" أغراب عن البلد، وكأن من المفروض أن ندين كل شيعي في الديرة، لأن حزب الله وقف مع عصابات بشار ضد الثورة وفتك بها، فأصبح كل شيعي مداناً بجريمة حزب الله حتى "يتسنن" وتثبت براءته!
مثلما هناك حرب مرعبة في سورية أشعلها النظام السوري ضد شعب طالب بحقه في الحرية والكرامة ولقمة الخبز النظيفة لتتحول فيما بعد، إلى حرب طائفية كما يريدها النظام السوري، وكما بالمفارقة، نشدتها قوى التطرف من جماعات القاعدة وامتداداتها لدينا في الكويت، حرب اتهامات متهورة طائشة بين بعض السنّة وبعض الشيعة نخشى أن تكبر وتحرق نيرانها بلدنا الصغير.
ومثالها حفلة الاتهامات التحقيرية من مذهب الآخر التي شهدناها في الجلسة الأخيرة لنواب الغم في مجلس التابعين الذي تصورت السلطة الرشيدة أنه سيسير على سكّتها، ويتبع أوامرها ونواهيها في "الوحدة الوطنية" كما تفهمها هذه السلطة.
وطبعاً نتذكر أن من أسباب إجهاض المجلس المبطل، كان عذر السلطة و"علثتها" تجنب الفتنة الطائفية التي برزت في بعض ممارسات المجلس المبطل، وها نحن نرى الآن ممارسات مجلس الحصافة والعقل "والوحدة الوطنية" كيف تكون.
محنة الدولة اليوم في التحزب الطائفي لا تحل بمواعظ ومعلقات إنشائية، أو التهديد بعصا القانون، قد يكون حلها بالغوص في أسباب التخندق الطائفي، ومعنى تقديمه الولاءات الفرعية طائفية أو قبلية على ولاء الوطن، تلك الانتماءات العصبية القبائلية الممتدة إلى ما قبل ألف سنة في التاريخ العربي الإسلامي.
الحلول لن تكون بعصا سحرية، إنما بعمل دؤوب لقلب العقل الكويتي وتشريحه، فمناهج التعليم الرسمية الرثة تقنن العصبيات المذهبية، وسياسة الدولة حين غابت عنها الحصافة وتلاعب عدد من كبار شيوخ البلد بالورقة الطائفية لتكريس حكمة "فرق تسد" أو لخلق موالين لهذا الشيخ أو ذاك على حساب المستقبل، يجب قلبها على رأسها؛ أهم من كل ذلك يجب تعلم ألا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأنه ليس من حق أحد أن يتبجح بأن جماعته هي الفرقة الناجية، والآخرون كفار ضالون.
بغير فكر معتدل واقعي، قد نجد نموذجه في هذه المرحلة، بحكمة شخص مثل راشد الغنوشي في تونس، لا مستقبل للكويت ولا لهذه الأمة غير المزيد من حروب داحس والغبراء بصيغة مذهبية متخلفة كتخلف مجتمعاتنا، فمتى نخرج من أسر التاريخ، ونحيا عالم الحاضر؟!