زحمة مواضيع في وقت واحد، الكتف بالكتف والمكان ضيق، ولا تدري أيها أهم، وأيها أكثر جلباً للهم… موضوع انتخابات الرئاسة الإيرانية (إيران في الخريطة الجديدة تشمل العراق ولبنان وسورية إضافة إلى إيران القديمة)، وانتخابات إيران "وراثية"، في ذرية حملة نهج الخميني، وهي تقام بين من يؤمن بأن المئة فلس تساوي "خمسين وخمسين"، وبين من يؤمن بأنها تساوي "خمس عشرينات"، وثالث يؤمن بأنها تساوي "عشر عشرات"، وعلى بطنها تنوّر وعلى ظهرها تنوّر… إذا استثنينا المرشح "روحاني" الذي يؤمن بأن المئة فلس عملة كويتية، تعني الكويت وأهلها، أو هي بحرينية تعني البحرين وأهلها، ولا علاقة لإيران بهذه ولا تلك.
عموماً هي انتخابات "للنبلاء"، لا تعني البسطاء في إيران بقدر ما تعني البسطاء في البحرين ولبنان.
الموضوع الثاني هو "السماح بنقل الأرقام بين شركات الاتصالات"، وهو موضوع يعادل عند الكويت "إنزال النورماندي"، بل أعظم، وأعظم أيضاً من الهبوط على القمر عند الأميركان، وأعظم من فتح القسطنطينية، ومن اختراع البنسلين، "يخسي البنسلين"، ويكفي أن حكومتنا هزمت بعض التجار، مارشات عسكرية وقرآن، وكانت المعركة بينهما سجالاً، واستغرقت نحو عشر سنوات، وقيل بل أكثر. والحديث في هذا الموضوع أطول من ليل الشتاء وأبرد.
الموضوع الثالث هو حكم المحكمة الدستورية اليوم بخصوص الصوت الواحد، وهذا الموضوع والموضوع الذي سبقه (نقل الأرقام) هما من صنيعتنا نحن الشعب، وما كانا ليصبحا مهمين لولا خبثنا، نحن الشعب، وسوء مقاصدنا، أيضاً نحن الشعب، وفسادنا، أيضاً نحن الشعب، وأنا وأنت والعروس وأم العروس.
وصحيح أن الدستور نصّ على أن الشعب مصدر السلطات جميعاً، لكن الدستور كان يتحدث عن الشأن المحلي، والمواضيع الثلاثة المذكورة أعلاه ليست شأناً محلياً، لذلك لا دخل لنا فيها… وانتو شلونكم؟
اليوم: 16 يونيو، 2013
«الكويتية» وشقيقاتها!
في أوروبا يقول الراحل غوبلز «اكذب اكذب» حتى يصدقك الناس، وكلما كبرت الكذبة زاد احتمال تصديقها، في منطقتنا يتم الحديث عمن ادعى قتل بعوضة ثم ملأ سبع قدور من لحمها وشحمها، فالكذب في كل مكان وزمان أداة شريرة لا حدود لها، حيث يمكن لمن يريد أن يقول ما يشاء، خاصة اذا كان الكذب متصلا بعمل تخصصي لا يعلم عنه الناس شيئا.
* * *
ومن ذلك تكرار أكذوبة فجة بأن رأسمال شركات الطيران الشقيقة الضخمة في المنطقة «أقل» من رأسمال «الكويتية» الذي لا يزيد على 30 مليون دينار (250 مليون ناقص 210 ملايين ديون موروثة إضافة الى خسائر تشغيل سنوية تقارب 100 مليون دينار)، وهو كلام زائف لا يمر على الطفل الصغير، ناهيك عن الرجل العاقل الكبير، فما يذكرونه لا يكفي لشراء عجلات مستعملة لمئات الطائرات الجديدة التي يملكها الاشقاء، وقديما قيل «حدث العاقل بما لا يعقل»، خاصة إذا كان المتحدث غير مختص بعلوم الطيران ومعرفته بتلك العلوم لا تزيد على.. اربط حزام الأمان.. افتح حزام الأمان.. ويا لها من معرفة!
* * *
والحقيقة التي يعرفها الجميع أن رأسمال شركات الأشقاء أكبر وأكثر مما يدعون بمئات المرات، إضافة الى أن حكوماتهم هي من يشتري لهم الطائرات ويقرضهم ويدعمهم ويصدر شهادات الضمان البنكي لهم، وتقوم بخلق شركات ووكالات سفريات وأسواق حرة وروافد مالية تدعم أعمالهم، كما أن بعض مسؤوليهم لا يقفون ـ كحالنا ـ ضد رغبات قياداتهم الداعمة لشركات طيرانهم، ولا يتسابقون على سلب مباني تلك الشركات أو تجريدها من حقوق نقل موظفي الحكومة وإلغاء خصومات الوقود.. إلخ، وإذا كان هذا الدعم والمساندة، فكيف يكون الإحباط والتخذيل إذن؟!
* * *
ومادمنا في مجال مقارنة «الكويتية» ببعض شركات الطيران في المنطقة، حيث يتم عبر الكذب والافتراء تصغير رأسمالها وتعظيم أرباحها نتساءل: لماذا لا تمتد المقارنة الى أوجه الحياة الاخرى، فنقارن على سبيل المثال لا الحصر بين تنميتنا وتنميتهم، وبلديتنا وبلديتهم وإنجازهم بإنجازنا وطيبتهم بحقدنا وحبابتهم بحسدنا؟! والقائمة تطول وتطول والموضوع ذو شجون!
حرب البسوس لا تحل بالمواعظ
لنقل صراحة بأن الكويتيين الذين يذهبون إلى القتال في سورية لا يذهبون لنصرة السوريين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان المهدرة من النظام الستاليني لبشار، وهم لا يقاتلون هناك الطاغية بشار ونظامه المرعب الذي أحرق سورية ومن عليها، هم يجاهدون ضد بشار العلوي وليس بشار الدموي، هم يقاتلون بشار "الرافضي" وليس بشار الدكتاتوري.
هذه أولويات علينا أن نعيها حين نشخّص الحالة الجهادية الكويتية أو الخليجية التي نحياها اليوم، ونعيدها ونؤكدها رغم علمنا بحجم "الشتائم" والاتهامات للتيارات التقدمية اليسارية الليبرالية بالتواطؤ مع "الشيعة"، وأن تلك التيارات ليس فيها "نخوة" الإسلام، وتتملق شيعة الديرة، وكأن "شيعتنا" أغراب عن البلد، وكأن من المفروض أن ندين كل شيعي في الديرة، لأن حزب الله وقف مع عصابات بشار ضد الثورة وفتك بها، فأصبح كل شيعي مداناً بجريمة حزب الله حتى "يتسنن" وتثبت براءته!
مثلما هناك حرب مرعبة في سورية أشعلها النظام السوري ضد شعب طالب بحقه في الحرية والكرامة ولقمة الخبز النظيفة لتتحول فيما بعد، إلى حرب طائفية كما يريدها النظام السوري، وكما بالمفارقة، نشدتها قوى التطرف من جماعات القاعدة وامتداداتها لدينا في الكويت، حرب اتهامات متهورة طائشة بين بعض السنّة وبعض الشيعة نخشى أن تكبر وتحرق نيرانها بلدنا الصغير.
ومثالها حفلة الاتهامات التحقيرية من مذهب الآخر التي شهدناها في الجلسة الأخيرة لنواب الغم في مجلس التابعين الذي تصورت السلطة الرشيدة أنه سيسير على سكّتها، ويتبع أوامرها ونواهيها في "الوحدة الوطنية" كما تفهمها هذه السلطة.
وطبعاً نتذكر أن من أسباب إجهاض المجلس المبطل، كان عذر السلطة و"علثتها" تجنب الفتنة الطائفية التي برزت في بعض ممارسات المجلس المبطل، وها نحن نرى الآن ممارسات مجلس الحصافة والعقل "والوحدة الوطنية" كيف تكون.
محنة الدولة اليوم في التحزب الطائفي لا تحل بمواعظ ومعلقات إنشائية، أو التهديد بعصا القانون، قد يكون حلها بالغوص في أسباب التخندق الطائفي، ومعنى تقديمه الولاءات الفرعية طائفية أو قبلية على ولاء الوطن، تلك الانتماءات العصبية القبائلية الممتدة إلى ما قبل ألف سنة في التاريخ العربي الإسلامي.
الحلول لن تكون بعصا سحرية، إنما بعمل دؤوب لقلب العقل الكويتي وتشريحه، فمناهج التعليم الرسمية الرثة تقنن العصبيات المذهبية، وسياسة الدولة حين غابت عنها الحصافة وتلاعب عدد من كبار شيوخ البلد بالورقة الطائفية لتكريس حكمة "فرق تسد" أو لخلق موالين لهذا الشيخ أو ذاك على حساب المستقبل، يجب قلبها على رأسها؛ أهم من كل ذلك يجب تعلم ألا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأنه ليس من حق أحد أن يتبجح بأن جماعته هي الفرقة الناجية، والآخرون كفار ضالون.
بغير فكر معتدل واقعي، قد نجد نموذجه في هذه المرحلة، بحكمة شخص مثل راشد الغنوشي في تونس، لا مستقبل للكويت ولا لهذه الأمة غير المزيد من حروب داحس والغبراء بصيغة مذهبية متخلفة كتخلف مجتمعاتنا، فمتى نخرج من أسر التاريخ، ونحيا عالم الحاضر؟!
تنبؤات حامد
حامد عبدالصمد روائي وباحث مصري من مواليد 1972. درس الإنكليزية والفرنسية ثم العلوم السياسية بجامعة أوغسبرغ في ألمانيا، وعمل في اليونيسكو، وبعدها مدرساً للدراسات الإسلامية في جامعة إيرفورت، ومدرساً للتاريخين الإسلامي واليهودي بجامعة ميونخ في ألمانيا. وتضيف المراجع أنه تعرف على ألمانية يسارية، تكبره سناً، دعته إلى ألمانيا، حيث تزوجا، وحصل على الجنسية الألمانية. ومن أعماله رواية «وداعاً أيتها السماء»، وكانت مثار جدل. كما قام حامد، عام 2010، بوضع كتاب بعنوان «سقوط العالم الإسلامي»، وهو موضوع مقالنا هذا، حيث توقع فيه اندحار وانهيار هذا العالم. والطريف أن الكتاب صدر قبل فترة الربيع العربي وثورات شعوبه ضد حكامهم، ويعتقد البعض بأن الحدث دحض ما تنبأ به عبدالصمد في كتابه من أن العالمين العربي والإسلامي لن تقوم لهما قائمة وأنهما في طريقهما إلى الانهيار! ويرى عبدالصمد أن الإسلام لا يملك أجوبة على أسئلة الحياة العصرية، وأنه تخطى مرحلة الذروة، وأنه الآن في مرحلة الانحدار. وينفي أن يكون الإسلام هو من صنع الحضارة في ما بين القرنين السابع والحادي عشر، بل يرجعها، آنذاك، إلى انفتاح العرب المسلمين واندماجهم مع حضارات شعوب مختلفة كالفرس والآراميين والأشوريين واليهود والمسيحيين والبرابرة. وينتقد عبدالصمد عدم اندماج المسلمين الحالي مع غيرهم بسبب سلوكيات محددة، مثل منعهم بناتهم من العيش بصورة متساوية مع غيرهم، وتحذيرهن والذكور من الانخراط الكامل في الحياة الغربية. وبالرغم من نظرة المؤلف السوداوية إلى العالم الإسلامي، فإن ما يهم هنا هو قيام جهة علمية بالبحث الجدي في النقاط التي قام مؤلف الكتاب بإثارتها والرد عليها، خصوصاً عندما يقول إن الانهيار سيبدأ مع شح آبار البترول واتساع فسحات التصحر واشتداد حدة النزاعات الطائفية والعرقية والاقتصادية المزمنة في المنطقة، وما سيرافق ذلك من حركة نزوح نحو الغرب. وبنى الكاتب استنتاجاته على عوامل عدة، منها افتقار أغلبية الدول الإسلامية لاقتصادات خلاقة يعتمد عليها في خلق منتج حقيقي، وافتقادها لنظام تربوي فعّال وجفافها من أي إبداع فكري، وهذه بنظره ستؤدي حتماً إلى تصدع بنى هذه الدول وانهيارها بالتالي. ويقول الكاتب إن الشعوب الإسلامية عاشت نوعاً من النهضة في القرون الوسطى عندما انفتحت على الحضارات والثقافات التي احتكت بها، وانفتحت عليها واستفادت من منجزاتها وعلومها، عندما كان السريان والأشوريون مثلاً ينعمون بمستوى علمي رفيع مع وصول جنود المسلمين إلى ديارهم. فجرى ذلك في عواصم الحضارة، آنذاك، في بلاد ما بين النهرين وبغداد ومنطقة أرض الشام، ولكن الإسلام الذي تبناها ونسبها لنفسه بقي غير قادر على نقلها إلى مهد انطلاقته في مكة والمدينة وباقي أطراف الجزيرة العربية، لأنهم لم يكونوا لا من أهلها ولا من مبدعيها. ويقول إن الحضارات العالمية اليوم تتلاقح وتتنافس مع بعضها وتزدهر وتتقدم، إلا الإسلامية، فقد بقيت جامدة مكتفية باتهام غيرها بالكفر، وفي الوقت نفسه يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار وينعمون بمختلف إنجازاتهم العلمية والتكنولوجية والطبية، دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده هؤلاء الكفّار قد فاتهم، وأصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها.
البحث الذي ورد في الإنترنت عن الكتاب طويل، ولا مجال لذكر الكثير مما ورد فيه لمخالفته، كالعادة، لقوانين النشر، بالرغم من حاجتنا الماسة إلى من ينهي عميق سباتنا!
أحمد الصراف