الكارثة ليست استمرار هذا المجلس بعد حكم المحكمة الدستورية في ما لو قدر أن الحكم القادم سيمد عمر هذا المجلس، الكارثة تتمثل بإحدى صورتيها في استمرار النهج الفكري لهذا المجلس الخائب أو المجلس القادم سواء تحقق هذا النهج في إخراج مجلس "بوصوت" أو "بوصوتين" أو "بو أربع"، والصورة الثانية للكارثة هي أن تظل السلطة على جمودها وتراخيها في النظر للمسألة الاقتصادية، وان تستمرئ بقاء هذا المجلس أو المجالس القادمة مادامت لا تعي أبجديات الاقتصاد، ولا تقرأ بقلق المستقبل القريب، وتبقى تردد في ضميرها "الغائب" اليوم لي وغداً بعلم الغيب…!
الثنائي الكوميدي "أبولمعة والخواجة بيجو"، كان لهما "شو" خاص في ستينيات القرن الماضي، أبولمعة يكذب والخواجة يتظاهر بتصديقه بعد وقفات استغرابية مندهشة من جانبه، ثم يختم فاصل الكذب بينهما بكذبة أكبر يطلقها الخواجة بيجو لينهي حواره مع أبولمعة على ما أذكر.
يصح "شرعاً" أن نسمي هذا المجلس أنه مجلس "أبولمعة" حين يتعامى عدد من نوابه عن مواجهة الحقائق المالية، ويمارس هؤلاء النواب استغفال الناس والكذب عليهم، عندما يغطون أعين البشر بمناديل حريرية كي لا يقرأوا خارطة مستقبلهم ومستقبل أجيالهم.
الزميل بشار الصايغ يقرر مجدداً بجريدة "الجريدة" عدد أمس الأول، أن نواب المجلس يسعون إلى "تلميع" أنفسهم بجلسة اليوم، حين يدخل هؤلاء النواب في سباق مع الوقت لإقرار مشاريع قوانين "شعبوية" تصل تكلفتها إلى 1.8 مليار دينار، يعني أكثر من غرامة الداو عدة مرات، قلوب نواب مجلس "أبولمعة" ليست على العدالة الاجتماعية حين يطالبون بزيادة مخصصات علاوة الأولاد، أو التقاعد المبكر للمرأة، وزيادة بدل الإيجار، وغيرها من مشاريع استنزافية لميزانية الدولة المستنزفة أساساً "بهبشات" مافيات الفساد، فقلوبهم على أنفسهم وعلى مستقبل أوضاعهم السياسية في الأيام القليلة القادمة، فمعظم أبواب الإنفاق اللامسؤول التي يسعى إلى تحقيقها نواب "أبولمعة" ستذهب في تضخم أسعار العقارات والإيجارات والسلع، وستذهب كل تلك البلايين في بالوعة الهدر، بعد أن وضع عليها غطاء حاجات الناس المادية الملحة، وتلك تجارة من النوع الرخيص يمارسها عدد من نواب هذا المجلس اللادستوري.
قراءة بسيطة لميزانية الدولة حسب خطة التنمية تظهر أن عجزاً مالياً رهيباً سيصيب الدولة بعد عقد ونصف تقريباً، حين تزيد النفقات على الإيرادات، وتتبخر الفوائض المالية، بعد استنزافها مسبقاً بالإدارة السيئة للدولة، هي إدارة السلطة، والمجالس التي تخلقها السلطة ذاتها أو تعجز عن مواجهتها بحقائق الغد، مقتدية بحكمة "الهون أبرك ما يكون"، تلك الشاكلة من المجالس النيابية تمارس بشكل جيد دور "أبولمعة"، وبالتأكيد تقف معها على خشبة المسرح السلطة وهي تلعب دور الخواجة بيجو، فهل ننتبه لتلك الكوميديا المفجعة!