الغابة مكان مناسب للكثيرين، فلا طرق ولا إشارات مرور ولا قوانين ولا شرطة ولا تفتيش، ولا انضباط ولا دوام، والبقاء فيها للأقوى! والكويت تحولت إلى ما يشبه الغابة، بفضل سيطرة قوى الصحوة الدينية المزيفة خلال الثلاثين سنة الماضية على مقدراتها، برضا السلطة أو بصمتها! فقد اكتشفنا فجأة أن هناك عشرات آلاف من مخالفي الإقامة، وسهل جدا القبض عليهم! كما فوجئنا بوجود المئات الذين يقودون مركباتهم من دون إجازة قيادة، وتم القبض عليهم بسهولة! واكتشفنا أن هناك مجرمين فارين من وجه العدالة وأصحاب سوابق بيننا، وهؤلاء أيضا القي القبض عليهم! كما اكتشفنا فجأة أن الجريمة منتشرة في البلد وأن الآلاف تم إنهاء إقاماتهم وترحيلهم إلى بلدانهم! واكتشفنا أن الآلاف يعملون في ورش مشاريع حكومية حيوية، من دون ان يكونوا على كفالة من يعملون لديهم، وتم شحنهم لمراكز الإيواء والإبعاد! يحدث ذلك وكأنها أمور مستجدة، ولم تصبح عرفا مفروغا منه! إننا لا نعترض على إجراءات الحكومة، بل نؤيدها، فوجود «خراب الصحوة» منذ سنوات لا يبرر السكوت عنه، ولكن هذا الخراب وجد بسبب فساد الجهاز الحكومي، وهو الذي يتطلب العلاج وليس الشارع! وبالتالي أتوقع ان تنتهي كل هذه الحملة إلى…. لا شيء! ففي نهاية الأمر سينجح صاحب الواسطة ودافع الرشوة في تعديل وضعه وإخراج عماله من السجن ووقف ترحيلهم والحصول على ما يريد من إقامات وغير ذلك، وعلى العاجز التوجه لجهة يتناول فيها «تبنا» ويسكت. لقد توقعنا هذه الموجة العاتية من الانفلات الأمني بسبب سياسات الأمن والتجنيس الفاشلة التي عجزت على مدى أكثر من 60 عاماً عن خلق استقرار «بشري»، فلا تزال مشكلة «البدون»، ومنذ عام 1965، تتفاقم وتكبر وتتضخم من دون ان تجد أي لجنة حلا لها، وكنا خلال الفترة نفسها ننجح دائما تقريبا في إيجاد الحلول لأعقد مشاكل الدول الشقيقة والصديقة، ولكننا نسينا انفسنا! ومنذ سنوات وبعض رجال الأمن يرتكبون الجرائم ولهم يد ورجل في تهريب كل مطلوب عبر الحدود، والاعتداء على الموقوفين في المخافر، والتستر على مخالفي الإقامات ومشاركتهم في أنشطة مشبوهة، والصحف تزخر يوميا بمخالفاتهم الجسيمة وجرائمهم، ولم يفكر وزير داخلية واحد في غير توقيع العقوبة على رجل الأمن المتورط، ربما إن لم تكن لديه واسطة، من دون التقدم خطوة والبحث عن جذور هذا التسيب داخل الجهاز الأمني الذي لا شك يزخر بالكثير من الشرفاء والمخلصين! لقد كنت ضحية غير مباشرة لأكثر من عملية سرقة وسلب تحت تهديد السلاح، ضمن محيط بيتي، خلال الفترة الماضية، والمعلومات متوافرة لدي، وهاتف مخفر المنطقة لا يرد، والذهاب له بهدلة لا ترضاها النفس الأبية! إننا حقا بحاجة ماسة لفلسفة أمن جديدة وفكر جديد، فلا يعقل بقاء كل هؤلاء الشباب من عديمي الجنسية معلقين من دون عمل في دولة بكل هذا الثراء النقدي، ولا يزال بعضهم ينتظر منذ نصف قرن تعديل وضعه. إن الحملة الأمنية الأخيرة كانت أمرا مستحقا منذ ثلاثين عاما، والخوف أن تكون بالونا مؤقتا سرعان ما سينتهي برشوة أو واسطة.
أحمد الصراف