عزاؤنا لعشاقه المصريين ومريديه الكويتيين ومحبيه العرب قبل أن نعزي أسرته الصغيرة، وما أكثر عشاقه ومريديه ومحبيه، وما أكثر من احتضنهم ورعاهم وسقى نبتهم وأعطاهم من شمسه إلى أن ضربت جذورهم في باطن الأرض، وأزهروا وطرحوا ثمارهم… وأشهر من تبناهم كان "الفاجومي" الشاعر أحمد فؤاد نجم وصديقه المغني الشيخ إمام، ولن أكشف سراً إن قلت إنه هو من تكفل بهما مادياً، وغطى ظهريهما ليتفرغا للإبداع، وكان نافذتهما إلى المجتمع، بعد أن كانا محارَبين وممنوعَين من الظهور في وسائل الإعلام، إذ حوّل شقته في مصر إلى نادٍ أدبي يجتمع فيه مثقفو مصر والكويت على قصائد وألحان الفاجومي وإمام.
ارتحل صاحب أشهر عمود ساخر في الكويت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأكثر الكتّاب تأثيراً آنذاك، على أنه بخلاف من أطغتهم الشهرة فانتفخوا غروراً، كان وهو في عز شهرته يتبنى المبدعين الشبان ويرعاهم ويقدمهم إلى الفضاء، ومنهم الزميل حسين العتيبي مستشار رئيس تحرير هذه الجريدة، ومطلق مساعد العجمي، وعبد الله المحيلان، وآخرون كثر.
ما كان يخشى من أن يحظوا بنصيب من الشهرة والأضواء فينافسوه، ولا كان يخشى أن يجحده جاحد، ولا يمتلك مثل غيره دفاتر للربح والخسارة… كان يمشي في الحياة بمبدأ "مطرح ما ترسي دقّ لها" كما يقول المصريون.
قلبه منقسم بين الكويت ومصر. هو أكبر المزدوجين، عشقاً وولاءً، وأجملهم. هو الصعلوك الأبهى. هو عاشق مصر بأحواشها وأزقتها وحواريها وصالوناتها الأدبية وألحانها وفولكلورها. هو كاسر العادات والتقاليد التي لا تسمن. هو كاره الوحدة، إذ يستحيل أن تراه بمفرده، فإن زرته وجدته محاطاً بمريديه الشبان والشيبان، وإن زارك جاء وبصحبته ما لا يقل عن ثلاثة في أضعف الأحوال، ليبادرك بحماسته الطفولية: "هذا السمين الوسيم هو عم "عب فتاح" الفكهاني، وآخ لو تسمع صوته يا وشيحي، أحلى من فواكهه، وهذا عم هريدي حارس النادي، صاحب أجمل نفَس في الطبخ، وهذا د. يوسف أستاذ جامعي في النقد الأدبي"…
عاشق الحياة، الزميل الساخر سليمان الفهد، الذي كانت هذه الجريدة آخر محطات قلمه… ودع الحياة، ودع معشوقته، بعد أن رست سفينته فدقّ لها، وطوى شراعها، ولوح لنا بيده، وتوقفت دندناته وقفشاته، فأطرقنا حزناً وصمتاً وحباً وذكرى.