توجد أكبر نسبة من حملة الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه، الصحيحة والمزورة، في الدول الخليجية، النفطية، مقارنة بغيرها من الدول العربية، وسبب ذلك يعود للمزايا التي تمنحها هذه الدول الثرية بالمال لحاملي هذه المؤهلات العلمية، ولوجود المادة لدى افراد هذه المجتمعات للصرف على ما يتطلبه الحصول عليها، أو ما يتكلفه شراؤها، من منازلهم! وقد تمكن عدد كبير من حملة هذه الشهادات الجامعية والدكتوراه، وما بينهما، من كسب الاعتراف المبكر بشهاداتهم «اللاجامعية» الصادرة من جهات غير معترف بها، أو من «لا جهات»، في وقت لم تكن فيه الوزارة تدقق كثيرا في صحة مثل هذه الشهادات لقلة حملتها، أو بسبب «غض النظر» أو «النأي بالنفس»! ولا انسى منظر ذلك النائب الذي دار بشهادته الوهمية على كل مسؤولي الدولة، وأخذ الصور التذكارية معهم بمناسبة نجاحه في دفع مبلغ 1500 دولار ثمنا لشهادته! وهذا طبعا شجّع غيره للقيام بالمثل.
والغريب في دولة العجائب ان يقوم أصحاب الشهادات الوهمية، أو غير المعترف بها، بالدعوة للاجتماع والاحتجاج والتظاهر وتكوين من يمثلهم والظهور في وسائل الإعلام دون حياء أو خجل، لمطالبة الحكومة بالاعتراف بما قاموا به من احتيال وتوظيفهم، أو ترقيتهم إن كانوا موظفين بناء على شهادات أقل درجة، فكيف يحدث ذلك ولا احد يحرك اصبعا في وجه هؤلاء؟ ولو قام مجموعة من الأفاقين واللصوص بالتظاهر مطالبين الحكومة بإلغاء «سوابقهم»، فهل سيتم السكوت عنهم مثلا؟
الغريب في الأمر، كما سبق ان اشار الزميل عبدالله النجار، في مقال له في «الوطن»، ان الكثير من حملة شهادات الدكتوراه الوهمية، العاملين في الحكومة بشهاداتهم الجامعية، يوقعون مراسلات الجهات التي يقومون بالإشراف عليها أو إدارتها، بصفتهم من حملة شهادة «دكتور»! ومعروف أن هذا مخالف للحقيقة. كما يقوم آخرون بطبع رسائل خاصة بهم وبطاقات زيارة تحمل اسمهم وصفتهم الوهمية، كدكتور، وهذا لا يعد خداعا للآخر بل نوعا من النصب الفاضح الواضح. كما يقوم عدد من العاملين في المجال الديني، وخاصة لجان جمع الأموال، باستخدام لقب الدال، الذي قد يكون وهميا، في استدراج التبرعات على أساس انهم من كبار «العلماء»!
وحيث ان ليس من السهولة إصدار قانون من المجلس يمنع الأفراد من استخدام أي ألقاب مهنية أو علمية عالية بصورة غير قانونية، فإن كل وزير بإمكانه إصدار تعميم يمنع موظفي وزارته من استخدام اي ألقاب من هذا النوع دون حصولهم على شهادة معترف بها تثبت ذلك، ويصبح الأمر مدعاة للاحراج لو كان الموظف يعمل في جهة رقابية أو قانونية أو استشارية، أو بالذات في لجنة تحقيق أو تحكيم! وهذا حدث في أكثر من حالة، فلدينا مهندسون كان ولا يزال لهم دور سياسي وتحكيمي بارز، ومعروف عنهم أن شهاداتهم مضروبة أو صادرة من جامعات فاشلة وغير معترف بها، قاموا بعد وصولهم لمراكز القرار بالسعي للحصول على الاعتراف بها من وزارة التربية. وقصة الكلية البحرية(!!) معروفة ومستوى خريجيها معروف! ومع هذا اعترفت بها الوزارة «كرمال عيون بوعدله»!
الموضوع ذو شجون ومؤلم، وهو ما يجعل من موضوع انحدار الأخلاق مسألة غاية في الأهمية، ولكن متى كان انتحال الصفات أو حمل الشهادات الوهمية من الكبائر في دولة «العادات والتقاليد»؟
***
ملاحظة: ورد في الصفحة الأولى من جريدة إماراتية أن استقصاء رأي جرى في إسرائيل أظهر أن %20 من الإسرائيليين يتمنون الموت للعرب! والهدف هنا اظهار اليهود كشريرين ودمويين، وسنقبل ذلك! ولكن لو أجري الاستقصاء نفسه بيننا، فالنتيجة ستكون كارثية، فسيصوت %50 بتمني الفناء لليهود، و%50 بتمني الفناء لبعضنا البعض، والأحداث التي نعيشها خير شاهد!
أحمد الصراف