أحدثت إصلاحات مصطفى كمال أتاتورك الثورية وغير المسبوقة، هزة في دول إسلامية عدة، ومنها أفغانستان وإيران، والتي حاول ملكاها، كل على طريقته، اتباع ما قام به أتاتورك، ولكنهما فشلا، وبعدها بعقود أتت حركة طالبان وثورة الخميني لتعيد الدولتين قروناً إلى الوراء. والمشكلة التي تعصف اليوم بالكثير من الدول العربية والإسلامية هي ندرة القيادات ذات النظرة المستقبلية، والنقص الرهيب في الحريات السياسية، واعتماد الكثير من الأنظمة في شرعية بقائها على دعم رجل الدين، والذي قام بممارسة نفوذه من خلال إصدار الفتاوى، بطلب من الآخرين، أو بتبرع شخصي منه، لتبرير بقاء الحكام في الحكم أو تبرير تصرفاتهم! واعتقد رجال الدين هؤلاء بأن قاعدة ألا أحد يدوّن أو يبوب فتاواهم، وبالتالي بإمكانهم، إن شاؤوا ذلك، تغييرها وإصدار أخرى بدلاً منها، وحتى متناقضة معها، لاعتقادهم بأن الأولى ربما نسيت، أو مر زمن عليها وأصبحت غير صالحة، أو لا تنسجم مع مصالح المفتي التي تتغير، أحياناً، مع تغير عواطفه وأهوائه، والأهم من ذلك مصالحه الشخصية! ولكن التسارع في تكنولوجيا الاتصال التي أصبحنا نلهث وراءها، وهي تسبقنا، كشف حيل البعض من هؤلاء وزيفهم، وقلل من استعدادهم لتغيير آرائهم «الدينية» بسهولة، خصوصاًَ بعد أن قام مغردون خليجيون، من خلال «تويتر» بنشر مراجعة لفتاوى التحريم التي صدرت خلال الخمسين عاماً الأخيرة، والتي تراجع أصحابها عنها تالياً، كتحريم التلفزيون وتعليم البنات، واستخدام الهواتف النقالة التي تحتوي على كاميرات، وتحريم التصوير أو وضع الصور الشخصية، حتى للرجال، على بطاقات الهوية والجوازات واستخدام الدراجة والسيارة والمشاركة في الانتخابات وآلاف الأمور الأخرى، وهي جميعها لم تصبح فقط «حلالاً» بعيون هؤلاء الذين أفتوا بحرمتها، بل وأكثر من ذلك أصبحوا على رأس مقتنيها ومستخدميها، وبالتالي من الطبيعي الافتراض أن أموراً «منطقية» كثيرة تعتبر الآن في حكم المحرمات كقيادة المرأة للسيارة، والتي نتج عنها مساوئ ومشاكل اجتماعية جمة ليس أقلها زيادة عدد السائقين في الكثير من الأسر، سيتم التخلي عنها، وهذا يدفعها للتساؤل عن سبب التمسك بهذا المنع، طالما أن الوقت سيأتي وتصبح فيه كغيرها حلالاً؟ وقائمة الأشياء والأمور والتصرفات التي صدرت بها فتاوى تحريم، فقط خلال 50 عاماً وأصبحت من المحللات خير شاهد! ويذكر، كما ورد في الدراسة، وهذه حقيقة، أن الدراجة، التي كان بعض أهالي القرى يسمونها «حصان إبليس»، كانت ممنوعة، ثم خفف التحريم شريطة أن يحضر من يريد استخدامها شهادة تزكية من إمام مسجد الحي!
ويذكر أن التحريم طال في يوم من الأيام جهاز إرسال البرقيات والراديو والفيديو، وصحون استقبال القنوات. وكاد الملك عبدالعزيز بن سعود أن يفقد هيبته أمام الإخوان في بداية انتصاراته عندما أصر على استخدام التلفون. ويقال إنه لجأ إلى حيلة طريفة لكسب قبول الإخوان للجهاز، حيث ترك الرياض وذهب إلى منطقة بعيدة! وجاء آخر الشهر وتأخر صرف الرواتب، وقيل لهم إن الصرف لا يمكن أن يتم بغير موافقته، والوصول إليه والعودة بالموافقة سيستغرق بضعة أيام، ولكن يمكن تقصير الفترة بالاتصال به هاتفياً وأخذ موافقته، فاعترض البعض، ولكن الأكثرية أيّدت الاستعانة «بالهاتف الحرام»، وبالتالي تغلبت الحاجة على الفتوى ليصبح الهاتف حلالاً! ولو دخلنا بيوت كبار المفتين اليوم لوجدناها تمتلئ بكل ما كان محرما قبل سنوات!
أحمد الصراف