في تحليل الزميل بشار الصايغ (جريدة الجريدة أمس) يقرر أن هذا المجلس يجد نفسه عاجزاً أمام مشروعات الهدر المالي الشعبوية، بينما يمكنه أن يطرح تأجيل الاستجوابات وهي من الأمور الممكنة عند هذا المجلس، على خلاف مشاريع شراء الود السياسي للناخبين.
ويختم الزميل بشار تحليله بشأن علاقة المجلس بالحكومة في الجانب الرقابي المفروض من المجلس، ويرى أن حالة "العطالة" الرقابية قد تتغير مع صدور حكم المحكمة الدستورية بإطالة عمر هذا المجلس أم بإنهاء حياته.
القضية التي أمامنا الآن أن هذا المجلس التابع أو مجلس المعارضة المبطل لا يختلفان في جوهر الطرح الشعبوي، وسياسة استرضاء الرغبات الاستهلاكية للناخبين، ولا يختلف هذان المجلسان (المبطل السابق والأعور الحالي) ولا المجالس التي سبقته منذ عام 1992 وإلى اليوم من داء الاسترضاء، لكن الفارق الكبير بينهما أن المجلس المبطل ومعظم المجالس التي سبقته بعد التحرير كان لهما دور رقابي على أعمال الحكومة، يصغر ويكبر حسب تشكيلة المجلس التي تتحدد بدورها حسب الإنفاق اللارسمي من السلطة لبعض المرشحين حين تتحيز للبعض دون الآخر. وبلغ هذا الدور الرقابي والمحاسبي قمته في المجلس المبطل الذي جاءت تشكيلته كرد فعل واعية لواقع الرشا السياسي من السلطة لعدد من النواب، والتي لم تصل من قبل في تاريخ المجالس النيابية إلى ذلك الحجم المريع.
المجلس المبطل حقق بعضاً من صحوة الضمير، وشكل تحدياً جدياً للفساد الذي مارسته السلطة، وإن صاحب هذا الجانب الرقابي الجدي لذلك المجلس تشدد وقمع للحريات الفردية، التي لم تدر يوماً بذهن مشرعي الأمس، وكانت أطروحاته تنطلق من تحفظ قبلي وتزمت ديني وجدا لهما طريقاً عند أغلبية شعبية متوغلة الجذور في الانتماءات الطائفية ـ سنة وشيعة- والتقسيمات الاجتماعية – حضر، وأبناء قبائل، ويقطع هذين التقسيمين شرائح طبقية مستفيدة إلى أقصى الحدود أو مهملة ومنسية إلى حد كبير، حسب قربها أو بعدها من سلطة القرار الواحدة والمالكة للثروة العامة، التي تتلاعب في تقريب أو تهميش أي من تلك التقسيمات والشرائح الاجتماعية حسب ولاءاتها للنظام أو مطالباتها بتعديل نهج النظام وسياساته.
في كل الأحوال، لم يكن منهج "وليس سياسة وقتية" شراء الولاءات من نتاج أي من المجالس النيابية، التي حكمت عليها السلطة أن تبقى في حالة دائمة من التهميش حين عارضت بالفيتو التطوير الديمقراطي للدولة، مثل السماح بحرية الأحزاب السياسية، وتكريس انتماءات المواطنة للدولة بدل الانتماءات الفئوية والطائفية، ورفع يد الهيمنة عن مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات تم استتباع أغلبها لتدور في فلك السلطة عبر سياسة العصا والجزرة، وتظل سياسة شراء الولاءات وحقن الوعي السياسي بإبر التخدير المالية، هي منهج السلطة في إدارة الدولة، ومنها انتقلت عدوى هذا المرض الريعي لنواب المجالس، وسكن هذا الوباء في أعمق عظام مجالس ما بعد التحرير، عندها لا يمكننا أن نلوم المجلس المبطل، وإلى حد ما المجلس الأعور، عندما يتسابق رواد أي من المجالس النيابية في مشاريع الهدر المالي وتغيب عنها أي أحلام للعدل الاجتماعي مثل توفير السكن لطوابير المنتظرين، وحل مأساة البدون، ووضع حد لرداءة الخدمات العامة، وعندما تصحو أحياناً بعض الحكومات وتحذر من مغبة الهدر، فالناس لا يأخذون كلامها وتحذيراتها محمل الجد، لأنهم مقتنعون تماماً أن فاقد الشيء لا يعطيه، والسلطة فاقدة المصداقية في قضايا المال العام، فهي مشغولة وغارقة تماماً في صراعاتها الداخلية، وتفصيل كراسي الحكم على مقاسات المتبارين من أبنائها، أما الحديث عن بقاء هذا المجلس أو زواله، أو ما يمكن وما لا يمكن أن تحققه المعارضة بشكلها الحالي، فهذا لا يقدم ولا يؤخر عند أصحاب السلطان.